لبنان: تكلفة الإفلات من العقاب

04/03/2014

في اصداره الجديد يطلق المركز الدولي للعدالة الانتقالية تقريراً اليوم يقول فيه إنّ ثقافة الإفلات من العقاب عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ما زالت سائدةً في لبنان. فمنذ عقود، لم تبذل الحكومات اللبنانية المتعاقبة سوى مساعٍ جزئية وغير فاعلة لإخضاع الأفراد والجماعات والدول النافذة للمحاسبة على الانتهاكات التي ارتُكبت على الأرض اللبنانية، بما في ذلك الجرائم ضدّ المدنيين. وتظل تبعات هذا الإخفاق ترخي بظلالها على حياة الضحايا وعلى المجتمع اللبناني.

ينظر تقرير المركز الدولي للعدالة الانتقالية، وعنوانه "عدم التعامل مع الماضي: أي تكلفة على لبنان؟"، في الخطوات التي اتخذتها الحكومة اللبنانية منذ عام 1990 للتعامل مع الانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان، والتي ارتُكبت أثناء الحرب، سواء جاءت هذه الخطوات على شكل محاكمات، أو إصلاحات مؤسسية، أو بحث عن الحقيقة، أو مشاريع لجبر للضرر.    
لعقود أتت جهود الحكومات اللبنانية المتعاقبة بمساعٍ جزئية وغير فاعلة لإخضاع الأفراد والجماعات والدول النافذة للمحاسبة على الانتهاكات التي ارتُكبت على الأرض اللبنانية، بما في ذلك الجرائم ضدّ المدنيين.

كما ينظر التقرير في الأسباب التي جعلت هذه الإجراءات تقصّر عن ضمان حقوق الضحايا.

وتقول كارمن أبو جودة، مديرة مكتب المركز الدولي للعدالة الانتقالية في لبنان: "لقد أدت الحرب إلى دمار هائل في لبنان، إضافة إلى صدمات شديدة حلت بالشعب اللبناني. ومن أجل الانتقال بفاعلية من حالة الحرب إلى حالة السلم، يحتاج البلد إلى مقاربة شاملة لإقامة العدل وتحقيق الإصلاحات؛ إنّها أفضل طريقة لإعادة إبرام عقد اجتماعي ولاستعادة الناس ثقتَهم بالدولة ومؤسّساتها".

لقد فشلت الاتفاقية التي أنهت الحرب (والمعروفة باتفاق الطائف) في ضمان إجراء تحقيقات وتحريات رسمية كجزء من التسوية في مرحلة ما بعد الحرب. وكرّست الاتفاقية الانقسامات السياسية والاجتماعية التي نجمت عن الحرب، وجعلت عناصر الأطراف المتحاربة محصنين من الملاحقة القضائية، وتركت الفصائل المختلفة تتصارع على الروايات المتعارضة للتاريخ اللبناني.

ويلقي التقرير نظرة جديدة على قوانين العفو التي حالت دون أن يقوم لبنان بتفحّص الانتهاكات التي جرت أثناء الحرب وتوثيقها، مما ساهم في توطيد "النسيان الذي ترعاه الدولة" بشأن الماضي. ونتيجة لذلك، ما زال آلاف الضحايا ينتظرون الحصول على إجابات وافية ويتطلّعون إلى تحقيق العدالة بشأن الجرائم التي عانوا منها أثناء الحرب.

وأوضح ديفيد تولبرت، رئيس المركز الدولي للعدالة الانتقالية أنّه "لا يجب أن يكون الإفلات من العقاب الثمنَ الذي يدفعه المجتمع من أجل تحقيق الاستقرار. فهذا النوع من المساومة السياسية يؤدي إلى سلام هش – والذي قد يتبين أنه غير مستقر، لا سيما عندما تنذر النزاعات الإقليمية بالامتداد عبر الحدود ومفاقمة التوترات القائمة. إن أفضل ضمان لعدم تكرار الانتهاكات هو إقامة مجتمع يحترم حقوق الإنسان بالفعل، لا أن يقوم المجتمع على مصالح سياسية قصيرة الأجل".

وفي حين يقرّ التقرير بالقضايا الخلافية العديدة التي تحيط بالمحكمة الخاصة بلبنان، إلا أنه يعتبر جلسات المحاكمة التي افتُتحت في 16 يناير/كانون الثاني محاولةً أولىمهمة للسعي لتحقيق المحاسبة على العنف السياسي في لبنان، وإن يكن لعدد محدود من الجرائم.

“لا يجب أن يكون الإفلات من العقاب الثمنَ الذي يدفعه المجتمع من أجل تحقيق الاستقرار.”
    ووفقاً للتقرير، ثمة جهات فاعلة دولية ودول مجاورة استفادت من حالة الإفلات من العقاب في لبنان، إذ لم يتم إخضاعها للمحاسبة على الانتهاكات التي ارتكبها عملاؤها وقواتها المسلحة على الأراضي اللبنانية.

وتقول كارمن أبو جودة: "يقف لبنان على مفترق طرق، ومن الواضح أن المسار نحو تثبيت الاستقرار يتطلب الاستماع أخيراً إلى أصوات الضحايا وإنفاذ حقوقهم في إقامة العدل. ومن واجب الدولة أن تشجع هذه الثقافة الجديدة التي تفضّل سيادة القانون على الانتقام والعنف".

يتوفر تقرير "عدم التعامل مع الماضي: أي تكلفة على لبنان؟" باللغتين الإنجليزية والعربية.


الصورة: توماس لوتارد Flickr