الحكم الصادر بحق تشارلز تيلور سيؤثر على مسار العدالة الانتقالية

04/10/2013

بقلم ديفد تولبيرت

من المرجح أن يمضي تشارلز تيلور بقية حياته في السجن بعد قرار قضاة الاستئناف في المحاكمة الخاصة لسيراليون بتثبيت الحكم الصادر بحقه بالسجن لمدة 50 عاماً بعد إدانته بالمساعدة في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية والتحريض عليها والتي ارتكبها الثوار خلال الحرب الأهلية التي جرت في سيراليون. وعلى الرغم من أنه تجنب حكم إدانة على خلفية الجرائم المزعومة ببلده الأصلي، ليبيريا، والتي حكمها من عام 1997 إلى 2003، إلا أن الحكم الصادر سيترك أثراً قوياً في هذا البلد، ويؤمل بأن ذلك سيحقق قدراً من العدالة لضحاياه هناك أيضاً.

لقد أكد الحكم النهائي للمحكمة الخاصة بأن تيلور يتحمل مسؤولية جنائية بسبب دعمه للجبهة المتحدة الثورية وجماعات أخرى للثوار خلال حملتها لبث الرعب بين المدنيين في سيراليون. وعلى الرغم من أن المحكمة رفضت طلب الادعاء العام بإدانة تيلور على أساس مسؤوليته الشخصية والفردية في حملة القتل والاغتصاب والاستعباد الجنسي وقطع الأطراف، إلا أنها وجدته مذنبا بتهمة "المساعدة والتحريض" في ارتكاب هذه الجرائم الشنيعة من خلال قيامه بتزويد الجبهة المتحدة الثورية بالدعم المادي الأساسي، بما في ذلك أسلحة وإمدادات.

هذا الحكم يمثل نهاية مناسبة لمسيرة تيلور الغريبة كأمير حرب قاسي، ورئيس، وشخص منغمس بالملذات، وفي مرحلة من المراحل الفتى المدلل لدول الغرب. كما يختتم هذا الحكم عمل المحكمة الخاصة لسيراليون، وهي أول محكمة "هجينة" أو مختلطة – حيث عمل القضاة والموظفون الدوليون جنبا إلى جنب مع نظرائهم السيراليونيين – وستترك هذه المحكمة تركة دائمة على هذا البلد وعلى جهازه القضائي وجهوده لشفاء ندوب الحرب الأهلية.

ومع ذلك، فإن أهمية الحكم الذي صدر ضد تيلور قبل بضعة أيام في لاهاي تتجاوز تيلور نفسه، أو حتى المحكمة الخاصة لسيراليون. فهذا الحكم سيمثل سابقة قانونية لا يمكن تجنبها في أي مداولات مستقبلية حول الدور الذي تقوم به الدول والقادة في الجرائم التي ترتكبها قوات في بلدان أخرى تحصل على دعم تلك الدول وهؤلاء القادة. وثمة تبعات قانونية مهمة جداً للحكم الذي أصدرته المحكمة الخاصة لسيراليون ضد تيلور، إذ يتميز هذا الحكم عن أحكام أخرى صدرت مؤخراً عن محاكم دولية أخرى ويزيد من احتدام الجدال الشديد الجاري حالياً حول المسؤولية الجنائية للأشخاص الذين يقدمون دعماً غير مباشر لمرتكبي الفظائع الجماعية.

الرجوع بالذاكرة إلى المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا

لفهم مصدر أهمية هذا الحكم، يجب علينا أن نعود بذاكرتنا إلى عقد التسعينات من القرن الماضي، وتحديد إلى صراع حدث على بعد آلاف الأميال من ساحل غرب أفريقيا، ألا وهو الصراع الذي شهدته البوسنة والهرسك، وأن نتذكر محكمة دولية أخرى جرت في لاهاي أيضاً، وفي بناية تقع على مسافة قريبة من مقر المحكمة التي أصدرت الحكم ضد تيلور.

كانت المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة هي أول محكمة دولية تنظر في جرائم حرب منذ محاكم نوريمبرغ وطوكيو، وقد أصدرت مؤخراً قراراً نهائياً مثيراً للخلاف في قضية مومتشيلو بريستيش، القائد السابق للجيش اليوغوسلافي أثناء حكم سلوبودان ميلوزوفيتش. وكان بريستيش متهما بتقديم مساعدة والتحريض على ارتكاب الجرائم التي جرت في البوسنة والهرسك على يد القوات الصربية، بما في ذلك جريمة الإبادة الجماعية التي ارتكبتها قوات صرب البوسنة في سبرينيتشا.    
"هذا الحكم سيمثل سابقة قانونية لا يمكن تجنبها في أي مداولات مستقبلية حول الدور الذي تقوم به الدول والقادة في الجرائم التي ترتكبها قوات في بلدان أخرى تحصل على دعم تلك الدول وهؤلاء القادة."

قد قدم بريستيش والخاضعون لأمرته أسلحة ومعدات وأشكالا أخرى من الدعم للجهات التي خططت للجرائم وارتكبتها ضد آلاف مؤلفة من البوسنيين.

أدين بريستيش في المحاكمة الأولية وصدر بحقه حكم بالسجن لمدة 27 عاماً. ولم يُعتبر هذا الحكم بمثابة مفاجأة نظراً للولاية التي تتمتع بها المحكمة ولممارساتها لغاية إصدار الحكم. وما من شك بأن جرائم هائلة ارتكبت في البوسنة على يد قوات قدم لها بريستيش دعما ماديا كبيرا، بما في ذلك كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر، ومن دونها فلربما ما كانت تلك الجرائم ستحدث، أو ما كانت ستصل إلى المستوى الذي وصلته.

إلا أن قرار محكمة الاستئناف كان مفاجأة كبيرة وأثار جدالا محتدما في أوساط القانون الدولي (كما أثار السخط والنقمة في البوسنة والهرسك)، إذ وجدته المحكمة بريئا من جميع الاتهامات وأمرت بالإفراج عنه. فقد وجد قضاة الاستئناف في المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة أنه من أجل اعتبار بريستيش مسؤولاً عن الجرائم التي ارتكبها جيش صرب البوسنة الذي كان يدعمه، فيجب إثبات أنه كانت لديه نية بأن يُستخدم الدعم الذي قدمه إلى تلك القوات في ارتكاب الجرائم المعنية. واعتبرت المحكمة بأن الادعاء العام أخفق في إثبات أن تقديم بريستيش لهذه الأسلحة والدعم والمواد "كان موجهاً بصفة محددة" من أجل ارتكاب تلك الجرائم.

وفي حين واصل الباحثون القانونيون جدالهم بشأن قضية بريستيش، فقد عنى القرار من الناحية العملية أنه سيكون من الصعب جداً إثبات المسؤولية الجنائية على الجهات التي توفر الدعم الأساسي، مثل الأسلحة والذخائر، للقوات العميلة أو الحلفاء الذين يرتكبون جرائم. ومن المستحيل عملياً الوفاء بمعيار إثبات "توجيه الدعم بصفة محددة" لأن البلدان التي تقدم المساعدة للجماعات الإجرامية نادراً ما تقدم توجيهات صريحة بشأن استخدام المساعدة لارتكاب جرائم، على الرغم من أن هذا الغرض مفهوم من جميع الجهات المعنية.

أصداء الحكم القضائي تتردد في جميع أنحاء العالم

لقد ترددت أصداء الحكم في قضية بريستيش عالياً في قاعات المحاكم وكليات الحقوق في جميع أنحاء العالم، ولكن أيضاً في أروقة المؤسسات العسكرية المنخرطة في دعم قوات متنوعة في عدة نزاعات جارية أو انتهت منذ فترة قريبة. علاوة على ذلك، وفر الحكم لتشارلز تيلور والمدافعين عنه طوق نجاة. ونظراً إلى أن المحكمة الخاصة لسيراليون كانت ملزمة أن تأخذ باعتبارها الولاية القضائية للمحكمة الخاصة ليوغوسلافيا والمحكمة الخاصة لراواندا وأن تسترشد بأحكامهما، فقد توقع عدد من المراقبين بأن يحصل تيلور على حكم براءة نظراً لصعوبة إثبات معيار "توجيه الدعم بصفة محددة" [لارتكاب الجرائم] حسبما ورد في السابقة التي كرسها الحكم الصادر عن المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة.

ومع ذلك، وبعد أن درس قضاة المحكمة الخاصة لسيراليون السوابق القانونية للمحاكم الدولية والقانون العرفي الدولي، فإنهم لم يلتزموا بتفسير المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة بشأن "المساعدة والتحريض" حسبما جرى في محاكمة بريستيش، وقررت المحكمة تثبيت إدانة تيلور.

"وبعد أن درس قضاة المحكمة الخاصة لسيراليون السوابق القانونية للمحاكم الدولية والقانون العرفي الدولي، فإنهم لم يلتزموا بتفسير المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة بشأن ’المساعدة والتحريض‘ حسبما جرى في محاكمة بريستيش."
    في خلاصة الحكم، أوضح القاضي جيلاغا كينغ قرار القضاة بطريقة لا يرقى إليها الشك، إذ قال: "محكمة الاستئناف لم تقتنع بمبررات الحكم الصادر مؤخراً عن المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة في قضية بريستيش التي تقتضي أن معيار ’توجيه الدعم بصفة محددة‘ يمثل عنصرا من عناصر المسؤولية عن المساعدة والتحريض بموجب القانون العرفي الدولي. ولاحظت المحكمة أن قرار المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة لم يتضمن تحليلا واضحا ومفصلا للمرجعيات التي تدعم الاستنتاج بأن معيار ’توجيه الدعم بصفة محددة‘ هو عنصر بموجب القانون العرفي الدولي."

وذهب رأي القاضيتين شيرين أفيس فيشر ورينات وينتر خطوة إضافية في فهم هذا النهج، فقد رفضتا رفضا صريحا حجة تيلور بأنه من دون اعتماد معيار "توجيه الدعم بصفة محددة" في تحديد المسؤولية عن المساعدة والتحريض فسيكون الحكم متعسفا وسيضفي صفة الجرمية على سلوك الدول التي تساعد حركات الثوار في البلدان الأخرى، والتي قد تكون من الدول الداعمة للمحاكمة الخاصة لسيراليون والمحاكم الدولية الأخرى. وكانت القاضية فيشر قاطعة في رأيها إذ قالت: "أن التلميح بأن قضاة هذه المحكمة سيتقبلون الحجة بأنه ينبغي علينا تغيير القانون أو تكييف قراراتنا لمصلحة المسؤولين في الدول التي توفر الدعم لهذه المحكمة أو أي محكمة دولية أخرى هو إهانة للقانون الجنائي الدولي ولقضاة المحكمة".

يتسم حكم المحكمة الخاصة لسيراليون بأهمية كبيرة للغاية، فهو لا يقتصر على إحقاق العدالة أخيراً لضحايا تشارلز تيلور الكثيرين في سيراليون، وإنما وفر أيضاً إشارة قوية للأخرين الذين يريدون ارتكاب جرائم شنيعة عبر وكلاء وعملاء، بأنه ما عاد بإمكانهم الاختفاء بسهولة وراء القواعد القانونية المعقدة، وأن الاحتمال كبير بأنهم سيواجهون العدالة. وهذا انتصار للعدالة في كل مكان وتحذير لأولئك الذين يعتقدون بأن بإمكانهم ارتكاب فظائع متعددة من بعيد دون أن يواجهوا أية تبعات.


ديفيد تولبيرت هو رئيس المركز الدولي للعدالة الانتقالية

تم نشر هذه الافتتاحية على الجزيرة الانجليزية.

الصورة: رئيس ليبيريا السابق، تشارلز تايلور، ينتظر صدور الحكم في القضية المرفوعة ضده من قبل المحكمة الخاصة لسيراليون في لايدسندام قرب لاهاي في هولندا، في 26 أبريل 2012. (من صور الأمم المتحدة/AP Pool/SCSL/بيتر ديونغ)