تقرير البرامج للمركز الدولي للعدالة الانتقالية: جبر الضرر

27/05/2013

في هذا العدد من تقرير البرامج للمركز الدولي للعدالة الانتقالية، نطلع على عمل المركز في مجال جبر الضرر في بلدان مختلفة من حول العالم.

يسعى جبر الضرر الى الاعتراف ومعالجة لضرر الذي ألحق بالضحايا نتيجة الانتهاكات الممنهجة لحقوق الانسان. يوفر برنامج جبر الضرر التابع للمركز المعرفة وتجارب مقارنة بشأن جبر الضرر لمجموعات الضحايا والمجتمع المدني وصانعي السياسات.

في هذا التقرير يناقش مدير برنامج جبر الضرر لدى المركز، روبن كارانزا والمنتسب الأول للبرنامج كريستيان كوريا أهمية برامج جبر الضرر التي تترافق مع آليات العدالة الانتقالية الأخرى مثل البحث عن الحقيقة والعدالة الجنائية. وبالإضافة الى توفير نظرة معمقة حول مشاريع المركز وأبحاثه العالمية يتحدث كارانزا وكوريا بالتفصيل عن برامج جبر الضرر في شيلي والأرجنتين كما يشرحان كيفية عمل لجان الحقيقة مع برامج جبر الضرر ويلقيان الضوء على التحديات في كولومبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية.

نرحب بتعليقاتكم ونرجو إرسالها الى العنوان الإلكتروني التالي communications@ictj.org، أو عبر صفحتنا الرسمية على فيسبوك وتويتر.


يعمل برنامج جبر الضرر التابع للمركز الدولي للعدالة الانتقالية في عددٍ من سياقات العدالة الانتقالية حول العالم والتي يواجه كلٌ منها مجموعةً فريدةً من التحديات. يسود الاعتقاد في كثير من الأحيان أن جبر الضرر ينحصر في تقديم تعويض مالي لعدد من الضحايا، ويتم تبنيها في بعض الأحيان باعتبارها الاستجابة الوحيدة للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في غياب آليات البحث عن الحقيقة والمحاسبة. هل لكم أن تخبرونا عن التحديات التي تواجهكم في تحقيق فهمٍ دقيقٍ لمفهوم جبر الضرر في أوساط واضعي السياسات والمجموعات الأخرى ذات الصلة؟

لا بد من النظر إلى جبر الضرر، بوصفه أحد آليات العدالة الانتقالية، كسلسلةٍ من الخطوات: يشكِّل بعضها أشواطاً فاصلة ويكون بعضها الآخر أكثر تدرجًا، ولكنها كلها تقود إلى الوفاء بحق ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في التعويض.

إن من الأهمية بمكان أن نتخلى عن الافتراض بأن العدالة الانتقالية تشكِّل سلسلةً متصلة تنبثق فيها برامج جبر الضرر بالضرورة من عمل لجان الحقيقة، أو أن العدالة التعويضية يمكن أن تتحقق بأمرٍ قضائي بسيط.

لقد شهدت سياقات كثيرة مختلفة تطبيق تدابير ذات أثر تعويضي، ومن أمثلتها المبكرة الأرجنتين وشيلي وحتى جنوب أفريقيا، ومن أمثلتها في الآونة الأخيرة سيراليون وتيمور الشرقية والمغرب وبيرو ونيبال. وقد حاولت تلك البلدان جميعها أن تستجيب للاحتياجات الخاصة بفئات محددة من الضحايا، مثل عائلات المختفين، أو قدمت منافع لفئات عديدة من الضحايا، مثل التعويض عن التعذيب أو القتل أو العنف الجنسي.

إن ما نسميه في الغالب "برامج جبر الضرر" في تلك الحالات جميعها هو في الواقع مجموعةٌ من السياسات التي تتبناها على مدى فترةٍ زمنية الحكومات ومؤسسات العدالة الدولية – التي تقر، من الناحية المثالية، بأن حقوق الضحايا قد انتُهكت، وتحاول إصلاح عواقب تلك الانتهاكات بطرقٍ رمزية ومادية.

غير أن التطبيق في الممارسة العملية لا يزال أقل من مثالي، وهو في حالات كثيرة إما يفقتر إلى عنصر الإقرار أو يتسم بمحدودية تأثيره المادي في حياة الضحايا.

ما هي أهمية "الإقرار" بالنسبة لبرنامج جبر الضرر وما معناه في الواقع العملي؟

إن الإقرار بالمسؤولية هو عنصرٌ أساسي في جبر الضرر، وهو يربط بين برامج جبر الضرر وغيرها من تدابير العدالة الانتقالية مثل البحث عن الحقيقة ، وتخليد الذكرى، والعدالة الجنائية، وضمانات عدم التكرار.

غير أن التطبيق في الممارسة العملية لا يزال أقل من مثالي، وهو في حالات كثيرة إما يفقتر إلى عنصر الإقرار أو يتسم بمحدودية تأثيره المادي في حياة الضحايا.
    تساعد هذه العناصر مجتمعةً في إكساب جهود التعويضات معنى وجدية. ومع ذلك، فهي نادراً ما تُطبَّق في الممارسة العملية تطبيقاً متكاملاً. لذا، فإن التحدي الذي يواجهنا هو كيفية تنفيذ عملية جبر الضرر في غياب سياسات العدالة الانتقالية الداعمة.

إن غياب عنصر الإقرار كأحد عناصر جبر الضرر ينبع دائماً من سوء الفهم بأن التعويض، إنْ أُعطي، كان في حد ذاته كافياً لجبر الضرر. لذا فإن بعض الحكومات تعطي المال للضحايا دون تحمل المسؤولية عن إخفاق الدولة في منع الانتهاكات ودون الالتزام بعدم تكرار تلك الانتهاكات. والأسوأ من ذلك أن بعض القادة السياسيين يعتقدون أن برامج التنمية يمكن أن تكون بديلاً للتعويضات.

وهذا الاعتقاد يغفل أن للمواطنين كافة، سواء كانوا ضحايا أم لا، حقاً في الرفاه الاقتصادي والاجتماعي الذي تجلبه عملية التنمية، وأنه ليس كل مواطن يتعرض لتلك الانتهاكات الجسيمة لحقوقه الإنسانية وللقانون الدولي التي ينبغي أن تقر بها برامج جبر الضرر.

هذا لا يعني أن التعويضات لا يمكن إطلاقاً أن تتخذ شكل خدمات وسلع ترتبط ببرامج التنمية الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية والإسكان وسُبل العيش. ولكن الشكل لا يمكن أن يكون هو نفسه مضمون التعويضات، فمن دون وجود عنصرٍ آخر يربط أنواع التعويضات، تنفيذاً ومضموناً، باحتياجات الضحايا وتجاربهم المحددة، فإنها ستعجز عن توفير العدالة التعويضية.

يركز المركز الدولي للعدالة الانتقالية على مساعدة أصحاب المصلحة المعنيين كافة، ومن ضمنهم الحكومات والضحايا والمجتمع المدني والجهات المانحة ومؤسسات العدالة الدولية، في تصميم وتنفيذ برامج جبر الضرر تنطوي على الإقرار، وتعظِّم أثر تدابير التعويضات في حياة الضحايا، وتأخذ بعين الاعتبار التحديات السياسية والعملية في تصميمها وتطبيقها. وهو يولي اهتماماً وثيقاً لسُبل تنفيذ عمليات البحث عن الحقيقة والتحقيقات الجنائية وسياسات تخليد الذكرى وإصلاح المؤسسات لأنها جزء من الرسالة نفسها التي تعطي التعويضات معناها.

Image removed.
#### يمكن أن تتباين نُهُج جبر الضرر تبايناً كبيراً بحسب السياق. ففي أوغندا، على سبيل المثال، تمتلك الحكومة فرصةً جديدة لإنصاف ضحايا الحرب والاعتراف بهم وبنزاعات سابقة في أوغندا ضمن خطة تعويضات وطنية. وفي الوقت نفسه، نرى أن برنامج الإغاثة المؤقتة في نيبال هو آليتها الوحيدة لإعمال العدالة الانتقالية، ولكنه فشل في عدد من الجوانب المهمة في تلبية المعايير الدولية. هل لكم أن تقدموا لمحةً عامة عن حالة التعويضات حاضراً ومؤخراً: أين توجد برامج جبر الضرر قيد التنفيذ الآن، وما هي طبيعة مشاركة المركز الدولي للعدالة الانتقالية فيها؟

لقد قدمنا في الماضي المساعدة الفنية لواضعي سياسات جبر الضرر ومجموعات الضحايا في بيرو وسيراليون وغانا والمغرب والعراق وإندونيسيا (آتشيه) - حيث طُبِّقت أو لا تزال تُطبَّق برامج جبر الضرر تتفاوت في شموليتها - بما في ذلك دراسة متابعة استمرت لأربع سنوات وتناولت كيفية تنفيذ التعويضات الجماعية في بيرو ونظرة المجتمعات المحلية المستفيدة إليها. وقدّمنا معارف متخصصة لمنظمات المجتمع المدني والجهات الفاعلة الدولية ووكالات الأمم المتحدة في تيمور الشرقية وليبريا والسودان المنخرطة في وضع سياسات أو توصيات في مجال التعويضات.

ونعكف في الوقت الحاضر على مساعدة مختلف أصحاب المصلحة في السياقات والبلدان التي تواجه قضايا معقدة في صياغة برامج جبر الضرر أو تنفيذها. ونقدم مساعدات إلى "وحدة مساعدة الضحايا وتعويضهم" في مديرية الازدهار الاجتماعي في كولومبيا بشأن الخطوات اللازمة لتطبيق قانون استرداد حقوق الضحايا وإعادة الأراضي لسنة 2011.

يركز المركز الدولي للعدالة الانتقالية على مساعدة أصحاب المصلحة المعنيين في تصميم وتنفيذ برامج جبر الضرر تنطوي على الإقرار، وتعظِّم أثر تدابير التعويضات في حياة الضحايا.
    حيث حدد منشورٌ صدر مؤخراً الثغرات في برنامج الإغاثة المؤقتة والسُبل التي يتسنى من خلالها لسياسة تعويضات شاملة أن تساعد في معالجة الأسباب الجذرية للنزاع في البلاد.

وفي تونس، قدمنا للجمعية الوطنية التأسيسية ولوزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية ملاحظات متعمقة أثناء صياغة قانون جبر الضرر الذي صدر مؤخراً، ونعمل في الوقت الراهن مع جمعيات تأسست حديثاً وتتكون من معتقلين سياسيين سابقين وضحايا ومجتمعات الضحايا المحلية وجماعات نسائية في أنشطة بناء قدراتها. ونواصل تقديم مدخلات بشأن تنفيذ إجراءات التسجيل في الأرض الفلسطينية المحتلة التي يضطلع بها مكتب سجل الأمم المتحدة للأضرار الناشئة عن تشييد إسرائيل للجدار في الضفة الغربية.

وفي أفريقيا، رفعنا مؤخراً توصياتنا إلى الفريق المشترك بين الوكالات في قطاع العدالة والقانون والنظام في الحكومة الأوغندية والمعني بكيفية الشروع في تنفيذ سياسة جبر الضرر الوطنية.

وفي كينيا، لا تزال مناقشات التعويضات، التي تشمل ضحايا أعمال العنف التي أعقبت انتخابات 2007 وضحايا التعذيب في ظل الأنظمة السابقة والناجين من الانتهاكات المرتكبة أثناء قمع تمرد الماو ماو، تسترشد بدراسة أُجريت سنة 2011 لتحديد احتياجات ضحايا الفترات المختلفة من القمع والعنف السياسي في البلاد من حيث العدالة التعويضية.

وفي ساحل العاج، بدأ عملنا باقتراح إرساء إطار لتحديد جبر الضرر وسُبل تنسيق الجهود التي تبذلها أجهزة الدولة المختلفة في تقديم تعويضات عاجلة وشاملة، بما فيها لجنة الحقيقة والأمانة الوطنية للتضامن مع ضحايا الحرب والصندوق الاستئماني للضحايا المنبثق من المحكمة الجنائية الدولية فيما يتصل بقضية غباغبو.

وفي جنوب أفريقيا، قمنا بصياغة مذكرة شاملة حول أهمية وجود نهج شامل لتوفير الرعاية الصحية والتعليم، وقد استخدمت شبكة العدالة الانتقالية الجنوب أفريقية هذه المذكرة في تعاملها مع سياسات التعويضات التي وضعتها الحكومة في مرحلة ما بعد لجنة الحقيقة والمصالحة.

والتقينا مؤخراً مع قضاة وأعضاء بالنيابة العامة في القضاء العسكري بجمهورية الكونغو الديمقراطية، ومع مسؤولين ماليين وقضائيين ومسؤولين عن الميزانية، ومع منظمات مجتمع مدني من أجل مناقشة سُبل التغلب على العقبات السياسية والعملية التي تعوق إنفاذ قرارات المحاكم التي تمنح تعويضات للضحايا، وإمكانيةِ إصدار الأمر برد الاعتبار، وإعادة الحقوق، وإصلاح القضاء وقطاع الأمن كضمانة لعدم تكرار الانتهاكات بموجب القانون الكونغولي الحالي.

بالإضافة إلى عملنا الخاص بكل بلد، يتناول برنامج العدالة التعويضية التعويضات المنبثقة من التقاضي جنائياً أو مدنياً أو حقوقياً أمام المحاكم المحلية والأجنبية. ونحن نساعد القضاة في الدوائر الاستثنائية بمحاكم كمبوديا في تحديد ولايتهم على صعيد تقديم التعويضات المعنوية والجماعية. وفي برنامج كولومبيا، قمنا بتحليل القرارات الأولى بشأن التعويضات المنبثقة من قانون العدالة والسلام. ونحن نواصل مشاركتنا في التنفيذ المحتمل للأمر الصادر من المحكمة الجنائية الدولية بتقديم التعويضات في قضية توماس لوبانغا. وقمنا بصياغة الرأي الرسمي الذي سيقدمه المركز الدولي للعدالة الانتقالية في دعوى تعويضات لوبانغا، ولنا مشاورات مستمرة مع الصندوق الاستئماني للضحايا، وقسم مشاركة الضحايا وتعويضاتهم التابع لقلم المحكمة الجنائية الدولية، وبرنامجنا القطري في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وما فتئنا نعمل مع مجتمعات الضحايا المحلية في شرق الكونغو ومع محامي حقوق إنسان كونغوليين يمثلون الضحايا في القضية.

Image removed.
#### تُعتبر شيلي والأرجنتين أحياناً أنجح مَن نفذ برامج جبر الضرر. هل لكم أن توضحوا ماهية تلك البرامج وإلى أي مدى نجحت؟

قامت شيلي والأرجنتين بفعل ما فعله قِلةٌ آخرون، ألا وهو: تقديم جبر الضرر لمجموعةٍ كبيرة ومتنوعة من الضحايا، ومعالجة الآثار الناجمة عن الانتهاكات من خلال تدابير شاملة.

ونحن نعني بكلمة "شاملة" برامجَ تقدِّم أشكالاً أخرى من التعويض إلى جانب التعويض المالي مثل نظام الرعاية الصحية المتخصصة للناجين وأسر الضحايا في شيلي، ونظام تحديد أماكن أطفال المعتقلين السياسيين أو المختفين الذين انتزعوا من عهدة أسرهم في الأرجنتين. تنطوي حالتا الأرجنتين وشيلي على ثلاثة عوامل مثيرة للاهتمام:

  1. استطاعت التعويضات المقدَّمة، من حيث السخاء، أن تحسن حياة الضحايا وأن تعالج بعضاً من أسوأ العواقب المترتبة على الانتهاكات التي ارتبكت بحقهم.
وقامت الدولة بتوزيع التأثير الذي لحق بالميزانية جراء برنامج التعويضات الباهظ على مدى عدة سنوات. أما شيلي فدفعت للتعويضات من المعاشات، ممّا أتاح لها أن توزع التكاليف على مدى عدة سنوات، وأن تضمن أيضاً عدم وقوع الضحايا في الفقر إذا ما كبروا. وفي شيلي، اشتملت برامج التعويضات على إرساء نظام رعاية صحية متخصص يراعي احتياجات الضحايا، وعلى برنامج يقدم المنح الجامعية للضحايا وأبنائهم.    
"قامت شيلي والأرجنتين بفعل ما فعله قِلةٌ آخرون، ألا وهو: تقديم جبر الضرر لمجموعةٍ كبيرة ومتنوعة من الضحايا، ومعالجة الآثار الناجمة عن الانتهاكات من خلال تدابير شاملة."

وفي شيلي، اشتملت برامج التعويضات على إرساء نظام رعاية صحية متخصص يراعي احتياجات الضحايا، وعلى برنامج يقدم المنح الجامعية للضحايا وأبنائهم.

  1. نُفِّذت برامج جبر الضرر في شيلي والأرجنتين بالتوازي مع بذل جهود كبيرة للإقرار بالحقيقة، والتعبير عن تقبل مسؤولية الدولة، والتحقيق مع مرتكبي الجرائم الجسيمة ومقاضاتهم، وإصلاح المؤسسات. وفي كلا البلدين، لم يكن ذلك كاملاً أو التزاماً واضحاً ومستمراً، وكانت هناك انتكاسات خطيرة منذ شرعا في هذه السياسات، وقد أضرت تلك الانتكاسات بمصداقية برامج جبر الضرر (ولا تزال إلى درجة ما).

غير أن كلا البلدين حققا تقدماً كبيراً على المدى الطويل في هذه المجالات، مقارنةً بالمغرب أو جنوب أفريقيا أو البرازيل أو غواتيمالا أو أوروغواي، ممّا يضفي مصداقيةً على التعويضات. فضلاً على أن كلا البلدين قد نفَّذا سياسات تخليدية، من خلال عملية تشاركية تهدف إلى بناء نصب تذكارية ومتاحف، ممّا يُظهر للضحايا أن الدولة تحاول أن تتعلم من تجربتها وأنه لم يتم نسيانهم.

يعود الفضل جزئياً في إمكانية تطبيق هاتين التجربتين إلى وجود مجتمع مدني نشط ومنظمات للضحايا أبقت النضال من أجل العدالة حياً، وإلى وجود تقاليد لمؤسسات قوية، وحكومات أدركت أن العدالة الانتقالية يجب أن لا تكون ميداناً للمنافسة السياسية، وإلى الاستقرار السياسي والاقتصادي. ورغم أن التجربتين بعيدتين عن المثالية، فإنهما تبرهنان على ما يمكن فعله حينما تؤخذ العدالة الانتقالية وحقوق الضحايا على محمل الجد.

Image removed.
#### هل تجربتا الأرجنتين وشيلي مهمتان بالنسبة للبلدان الأخرى التي تفكر في تنفيذ برامج جبر الضرر؟

لا يمكن ببساطة مقارنة ما قامت به بعض البلدان واتخاذها معياراً للبلدان الأخرى دون النظر في الوقائع الاجتماعية والاقتصادية المختلفة في كلٍ منها.

ففي معرض تقييم مدى قدرة البلدان على إعمال الحق في جبر الضرر، فلا بد من النظر إلى "السخاء" والشمولية التي ميزت حالتي الأرجنتين وشيلي في سياق قدرة تلك الدولتين على تمويل برنامج جبر الضرر الخاص بكلٍ منهما وتنفيذه.

فقد استثمرت شيلي نحو 3.2 مليار دولار أميريكي في التعويضات وشملت أقارب 3،225 ضحية من ضحايا الاختفاء القسري والقتل، و38،254 ضحية من ضحايا السجن السياسي والتعذيب، و114,225 ضحية من ضحايا الفصل السياسي من الخدمة المدنية أو الشركات العامة. أما الأرجنتين فخصصت 1.17 مليار بيزو أرجنتيني لدفع تعويضات مالية لِما مجموعه 15،573 ضحية من ضحايا الاحتجاز المطول والتعسفي، وحوالي 1.9 مليار بيزو لأسر 7،785 ضحية من ضحايا القتل والاختفاء، في وقت كان البيزو يعادل الدولار الأميريكي (وهو ما تغير لاحقاً نظراً لانخفاض قيمة العملة).

وفي المقابل، فإن العديد من البلدان في مرحلة ما بعد النزاع والدكتاتورية، ولا سيما في الشطر الجنوبي من الكرة الأرضية، التي حاولت منذ ذلك الحين أن تنفذ توصيات لجان الحقيقة الخاصة بها أو أن تضع برامج قائمة بذاتها لمنح الضحايا درجات متباينة من العدالة التعويضية، ظلت مقيدةً بفعل الاحتياجات الملحة لسكانها الفقراء الأكثر عدداً، ونقص القدرات الإدارية اللازمة لتقديم التعويضات والتي تلبي معايير "الكفاية والسرعة والفعالية" التي وضعتها الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 2005.

وبالمقارنة مع شيلي والأرجنتين، فإن البلدان في مرحلة ما بعد النزاع مثل سيراليون وليبريا وتيمور الشرقية ونيبال تواجه عقبات اقتصادية وسياسية أصعب بكثير في حشد الموارد والدعم السياسي اللازم لتقديم التعويضات. فلولا المساهمة البالغة 3 ملايين دولار أميريكي والمقدمة من صندوق بناء السلام التابع للأمم المتحدة لسيراليون (التي قابلت المساهمة بتخصيص 250,000 دولار أميريكي من ميزانيتها الخاصة)، ما كان برنامج التعويضات الذي انطلق في 2009 ليبدأ في سيراليون.

أما برنامج الإغاثة المؤقتة في نيبال، الذي يقدم تعويضات مالية ورعاية صحية للجرحى ومساعدات تعليمية لأسر القتلى والمختفين في النزاع المسلح الذي استمر 10 سنوات بين الجيش الماوي والدولة، فقد اعتمد بكثافة على مبلغ 23 مليون دولار منحها البنك الدولي في إطار برنامج الدعم الطارئ للسلام. وبالمثل، استخدم برنامجُ تعويضات مؤقت نفذته لجنة الحقيقة في تيمور الشرقية، المعروفة باسمها المختصر باللغة البرتغالية (CAVR)، مبلغ 10 ملايين دولار كان البنك الدولي قد رصدها في الأساس لصندوق تمكين الحكومات المحلية.

ومع ذلك، فإن غياب الإرادة السياسية الهادفة إلى التغلب على هذه التحديات هو بالتأكيد عاملٌ في حد ذاته، حيث جرى حشد الموارد في تيمور الشرقية وجنوب أفريقيا من أجل تقديم تعويضات ومنافع لقدامى المحاربين.

ويعود بعض الفضل في النجاح النسبي لبرامج جبر الضرر المبكرة في أميركا اللاتينية، كالتي في شيلي والأرجنتين، إلى بناء التحالفات السياسية الفعالة بين الزعماء السياسيين في مرحلة ما بعد الدكتاتورية، وجماعات الضحايا، ومنظمات حقوق الإنسان. وهذه التحالفات، مثلاً، كانت غائبةً في جنوب أفريقيا، حيث إن الحكومات في مرحلة ما بعد الفصل العنصري إما عارضت جهود الضحايا للحصول على تعويضات من الجناة الذين اعتبروهم متواطئين في الانتهاكات المرتبكة إبان حقبة الفصل العنصري أو حرمت مجموعات الضحايا فرصةَ المشاركة في صنع سياسات جبر الضرر. وهناك صعوبةٌ أكبر في التوليف بين الشبكات المتماثلة في سياقات ما بعد النزاع ويعود السبب الأكبر في ذلك إلى أن التوترات بشأن الهوية أو الطبقة أو القدرة على الوصول إلى الموارد الاقتصادية تكون لا تزال قائمةً حتى بعد انتهاء النزاع.

انطوت الصراعات الأيديولوجية في حقبة الحرب الباردة بين الحركات السياسية اليسارية والدكتاتوريات اليمينية في أميركا اللاتينية على العديد من القضايا الاقتصادية والاجتماعية عينها الحاضرة في بعض النزاعات في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وآسيا والتي تناولتها في وقت لاحق أو تتناولها في الوقت الراهن عمليات العدالة الانتقالية في مرحلة ما بعد النزاع؛ بيد أن اختلال مؤسسات الدولة وظيفياً وهشاشتها، وتخلف الاقتصادات بشدة، واستمرار التوترات الاجتماعية والسياسية في هذه السياقات الأخيرة يتطلب نُهُجاً لصنع وتنفيذ سياسات جبر الضرر تأخذ في الاعتبار هذه التحديات من ناحية استراتيجية.

وعلى الأرجح، سوف تواجه هذه التحديات جهود تقديم التعويضات في البلدان الأحدث عهداً في مرحلة ما بعد النزاع وما بعد الدكتاتورية مثل ساحل العاج وأوغندا وتونس وحتى بورما. لذا فإن المركز الدولي للعدالة الانتقالية سيراعي تجارب أميركا اللاتينية أثناء عمله على التعويضات في تلك البلدان، وبالقدر ذاته من الأهمية، سوف يعكس عمل المركز تباين إرث انتهاكات حقوق الإنسان والفوارق الاقتصادية التي يتفرد بها كل بلد ويتميز بها عن غيره. هيءؤسث

Image removed.
#### تخوض كولومبيا الآن مفاوضات مع القوات المسلحة الثورية لكولومبيا في محاولة لإنهاء حربٍ مضى عليها خمسون عاماً. وفي هذه الحالة، فإن الانتهاكات لم تُرتَكب من جانب الدولة وحسب، بل أيضاً من جانب جهة فاعلة وراسخة غير حكومية هي القوات المسلحة الثورية لكولومبيا. ما هو نهج المركز الدولي للعدالة الانتقالية لضمان حصول الضحايا على سُبل الانتصاف التي يحتاجونها.

ليس بوسع تجربةٍ واحدة أن تقدم إجابات للتساؤلات المعقدة التي يطرحها السياق الكولومبي. ولكن من حيث تقديم جبر الضرر للضحايا، فإن التحدي الرئيس في حالة كولومبيا لا يكمن في التوصل إلى اتفاق مع القوات المسلحة الثورية لكولومبيا وحسب، بل لعله يكمن أيضاً في ضمان السلام والأمن والظروف المؤاتية للقاطنين في مناطق كثيرة من البلاد من أجل ممارسة حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

إن قدرة المركز الدولي للعدالة الانتقالية على توفير المساعدة الفنية للحكومة مع الحفاظ على استقلاله هي إحدى المزايا المهمة التي يتمتع بها.
    وهذا يتطلب إقامة قنوات مباشرة للتواصل مع منظمات المجتمع المدني المحلية ومجموعات الضحايا، ليصير لديها صوت أقوى للاحتجاج على الانتهاكات أو حتى تهيئة الأرضية لإيجاد شكلٍ ما من سياسة فحص أهلية الموظفين ، ولا سيما على المستوى المحلي.

ويتطلب ذلك أيضاً سياسةً قوية لتشييد البنية التحتية وتوفير الخدمات في مجالات التعليم والرعاية الصحية، والاستدامة الاقتصادية للمناطق التي تخلت عنها الدولة عملياً منذ عقود.

إن سياسة إعادة الأراضي المعمول بها حالياً تمنح شيئاً من الأمل إذا ما اقترنت بسياسةٍ للتنمية الريفية، ولكن من الواضح أن مخاطر الفشل الرئيسية التي تواجهها تنبع من التهديدات التي يواجهها القادة المطالبون بإعادة الأراضي.

يوفر المركز الدولي للعدالة الانتقالية المساعدة الفنية لوحدة الضحايا المسؤولة عن تقديم جبر الضرر في كولومبيا، حيث يوفر دروساً مستقاة من تلك التجارب. ولقد ساعدنا للتو في تدريب موظفي الوحدة العاملين كحلقة وصلٍ بين الضحايا ومختلف البرامج الاجتماعية وبرامج جبر الضرر المتاحة لهم، ممّا يمكن أن يكون له دورٌ حاسمٌ في مساعدة الضحايا في ممارسة حقوقهم والتعبير عن الإقرار وهو عنصرٌ أساسي في مجال جبر الضرر. ونحن عاكفون كذلك على تقييم تطبيق قانون إعادة الأراضي والضحايا لسنة 2011 منذ نفاذه ولغاية الآن من أجل التعرف إلى الدروس المستفادة من التجربة والتي يمكن أن تساعد في تحسين بعض الجوانب.

إن قدرة المركز الدولي للعدالة الانتقالية على توفير المساعدة الفنية للحكومة مع الحفاظ على استقلاله هي إحدى المزايا المهمة التي يتمتع بها. فثمة فائدةٌ تجنيها هذه العملية من وجود مَن يقدم الدعم والأفكار والتوصيات والتقييمات المستقلة والنقد للسياسات المطبقة. إن وجود فريقٍ قوي في بوغوتا يعمل على نحو وثيق مع الخبرات الموضوعاتية المتوفرة لدى المركز الدولي للعدالة الانتقالية والتي تقدم تجارب مقارنة هو مزيجٌ جيد لتقديم المساعدة النوعية وتأمين الاستقلالية مع المعرفة المحلية الضرورية.

Image removed.
#### هل ثمة نزاعات أخرى يمكن أن تقدم دروساً تُفيد في مواجهة التحديات التي تعترض كولومبيا؟

يتطلب جبر الضرر وجهود توطيد السلام توفير بعض الظروف الأساسية لتنمية المناطق المهجورة تاريخياً، وإعطاء السكان المستهدفين صوتاً لمعرفة ملاحظاتهم بشأن تنفيذ تلك السياسات.

يضرب برنامج جبر الضرر الجماعي المنفذ في المغرب مثالاً مثيراً للاهتمام، حيث اشتمل على برنامجٍ إنمائي يرمي إلى إقامة البنية التحتية في المناطق التي تعمّد النظام استهدافها، وصندوقٍ للمشاريع المقدمة من منظمات المجتمع المدني القائمة في تلك المناطق.

يقدم برنامج جبر الضرر الجماعي المنفذ في بيرو بعض الدروس المثيرة للاهتمام أيضاً، ولا سيما لأن تنفيذه جرى على نحو سريع، إذ غطى ما يقارب 2000 مجتمعٍ محلي في ست سنوات، في حين أن كولومبيا لم تستطع في الفترة نفسها أن تفرغ من وضع سياسات معقدة لسبعة مشاريع رائدة. إن هناك حاجة لإيجاد توازن بين التعقيد والشمول من جهة والقدرة على التنفيذ السريع من جهة أخرى.

فقد كان تنفيذ برنامج جبر الضرر الجماعي في بيرو سريعاً جداً لدرجة أنه افتقر إلى صِلة أوثق بسياسات التنمية الإقليمية، لذا فإنه ينبغي اتباع نمط وسطي تقترن بموجبه التعويضات بسياسةٍ إقليمية للتنمية.

ومن الدروس الأخرى المستفادة من تجربة بيرو كيفية فهم التعويضات. فقد عانت بيرو من نزاع داخلي مسلح اتسم بالقسوة والتدمير، ولم يسلم منه حتى القاطنون في المناطق الريفية والتاريخية المهمشة من البلاد. ومع ذلك، استطاعت لجنة الحقيقة والمصالحة البيروفية أن تدرك أبعاد الصراع، وتُقرَّ بتفاوت درجات المسؤولية التي تتحملها الجماعات المتمردة والدولة.

وجرى تحديد التعويضات لجميع الضحايا على أساس الإقرار بمسؤولية الدولة. وهذا يساعد في رؤية الضحايا على أساس الاعتراف بحقوقهم الإنسانية، لا على أساس هوية مرتكبي الجرائم ضدهم. وبالمحصلة، باتت هناك منظمات للضحايا تضم في عضويتها ضحايا جماعة الدرب الساطع وضحايا وكلاء الدولة. إن الإقرار بمسؤولية الدولة وتساوي الضحايا كافة قد يساعد في مفاوضات السلام، وفي تنفيذ جبر الضرر وسياسات إعادة الأراضي.

Image removed.
#### خلَّفت عقودٌ من النزاع المسلح في جمهورية الكونغو الديمقراطية ضحايا لم تعترف بمعاناتهم ولم تمنحهم وسائل للتعامل مع العواقب. وقد حظيت تعويضات ضحايا النزاع في جمهورية الكونغو الديمقراطية باهتمام كبير في أعقاب صدور قرار التعويضات من المحكمة الجنائية الدولية في القضية التي أدين فيها أمير الحرب الكونغولي توماس لوبانغا دييلو. وفي ظل استمرار عدم الاستقرار، كيف يتسنى للحكومة والمجتمع المدني في جمهورية الكونغو الديمقراطية والمجتمع الدولي العمل على ضمان أن يتلقى الضحايا التعويضات المستحقة لهم؟

إن وضع تدابير جبر الضرر وتنفيذها في جمهورية الكونغو الديمقراطية يمثل تحدياً شاقاً. فكما في حالة كولومبيا، يستحيل مع استمرار النزاع وانعدام أبسط الحقوق الاجتماعية والاقتصادية وضع برنامج جبر الضرر يركز فقط على تقديم التعويضات المالية. وصدور قرار من المحكمة الجنائية الدولية في قضيةٍ واحدة، من بين قضايا كثيرة أخرى، لا يزيد الأمور إلا تعقيداً.

فقد اتُهم لوبانغا ومن ثم أُدين بتهمة تجنيد أطفال، ينتمون لجماعته العرقية "هيما"، ومُنِحت التعويضات لمجتمعات هيما (لم تنفذ بعد)، في حين أن جُلَّ ضحايا لوبانغا من الجرائم الأخرى، كالمذابح والاغتصاب، ينتمون إلى جماعة ليندو العرقية، ممّا ترك جماعة الليندو دون الحصول على المحاسبة، ودون شعور بأن أحداً يعترف بمعاناتهم.

ينبغي أن يقوم جبر الضرر على أساس الاعتراف بالانتهاكات التي تعرض لها الضحايا، وليس الجانب الذين كانوا ينتمون إليه إبان النزاع. ولكن عندما تكون التعويضات قائمةً على أساس قضية واحدةٍ اختيرت لأغراض الملاحقة الجنائية، ومقتصرةً على عددٍ قليل من الضحايا لا يشكلون حتى عينةً ممثلةً لمجمل الضحايا الذين عانوا في ظل الجاني، فإن تلك التعويضات يمكن أن تفاقم التوترات بدلاً من المساهمة في إحلال السلام والأمن والشعور العام بإحقاق العدل.

Image removed.
#### ما هو التحدي الأخطر برأيكم: انعدام الموارد اللازمة لتمويل برامج جبر الضرر أو انعدام الإرادة السياسية لإيجاد تلك الموارد وتوظيفها؟ هل سبق وأن نجحت أفكارٌ خلاقة في تأمين الأموال؟

لعل من غير المناسب الحديث عن انعدام الموارد، وإنما عن كيفية تحديد أولويات تخصيص الموارد وكيفية التعامل مع تزاحم الاحتياجات.

فعندما تهتم الحكومة بمجموعةٍ ما، فإنها حتماً ستجد طريقةً لمنحها الأولوية. وللأسف، فإن ذلك يحدث في الغالب لأجل قدامى المحاربين في النضال من أجل الاستقلال عن الأحزاب الحاكمة أكثر من حدوثه لأجل الضحايا، كما حصل في جنوب أفريقيا، والبوسنة والهرسك، وكوسوفو، وتيمور الشرقية. ففي كل هذه الحالات، أُعطي المحاربون القدامى الأولوية على الضحايا في تلقي المساعدات، ممّا يدل على أن توفر الموارد ليس دائماً المشكلة.

ومع ذلك، يمكن أن يفرض تزاحم الاحتياجات تحدياً بالنسبة لجبر الضرر، حين تتمثل تلك الاحتياجات في إعادة الإعمار أو توفير الخدمات الأساسية في مجال الرعاية الصحية أو التعليم لمناطق كاملة في البلاد.

. إن الإجابة على هذه الأسئلة يتطلب دراسةً للميزانية الوطنية برمتها، وليس فقط الميزانية الاجتماعية. فلا ينبغي للتعويضات أن تزاحم خدمات التعليم أو الرعاية الصحية، بل ينبغي أن تخضع الميزانية كلها للدراسة، بما في ذلك رواتب العاملين في السلطتين التشريعية والتنفيذية والقوات المسلحة. وعلاوةً على ذلك، وفي حالات الفقر، يجب أن تتلائم سياسات جبر الضرر مع سياسات التنمية، لا أن يُنظر إلى كل منها بمعزلٍ عن الأخرى. وهذا ما نعكف على استكشافه في سياق عملنا في أوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وتونس وأماكن أخرى.

إذا اعتُبر جبر الضرر عمليةً طويلة الأجل توفر الدعم المستدام (وهو ما يوفر فرصاً أكثر لتحسين حياة الضحايا)، فينبغي أن تكون مصادر التمويل جزءاً من السياسات التي تضمن استمرار التدفق. ففي كثير من الأحيان يجري التشجيع على إنشاء صناديق، وهي جيدة للحصول على مدفوعات لمرة واحدة وليس على دعمٍ طويل الأجل أو متوسط الأجل كما في مجالي الرعاية الصحية والتعليم. وينبغي لاستراتيجيات التمويل أن تكون متساوقةً مع سياسة التنمية الاقتصادية التي يختارها البلد المعني.

إن فرض الضرائب على أنشطة خاصة هو تدبيرٌ مستَحب لدى الضحايا، لكنه قلما يحدث. فالسلطات الواضعة للسياسة الاقتصادية قد تعترض على فرض مثبطات، كما في حال التوصية التي قدمتها لجنة الحقيقة والمصالحة في سيراليون بشأن فرض ضرائب على استخراج الماس، حيث لم تحظَ تلك التوصية بالموافقة. لقد أقدمت الأرجنتين على خطوة غير مدروسة عندما قدمت مبالغ كبيرة للضحايا من خلال سندات توحيد الدين العام. فضلاً على أنها لم تتوقع انهيار الاقتصاد برمته بعد ست سنوات بما فيه سوق السندات. ولحسن الحظ، كان معظم الضحايا قد باعوا سنداتهم بحلول ذلك الوقت.

إن الإفراط في تعليق الأمل على تلقي المساهمات من الجهات المانحة والقطاع الخاص أو على دفع التعويضات من الأصول المستردة من الجناة أو الفاسدين هو مشكلةٌ أيضاً. فلم يتلق صندوق التعويضات الذي أنشأته سيراليون سوى مساهمات ضئيلة. تتسم منح "صندوق بناء السلام" في سيراليون بأنها محدودةٌ للغاية للمشاريع المتدرجة أو التعويضات المؤقتة وأنها محدودة التأثير.

حصل المغرب على دعم من الاتحاد الأوروبي لصالح سياسته لتنمية المناطق المهمشة والتعويضات الجماعية، ولكنه كان في الغالب بسبب العلاقة الخاصة التي تربط الاتحاد الأوروبي بالمغرب وليس لشأنٍ آخر يمكن استنساخه. وفي بيرو، لم تتكفل الموارد الورادة من صندوق الأموال المستردة من الفساد والتي جُمعت من التبرعات الطوعية من شركات التعدين سوى بمبالغ صغيرة من التكاليف الإجمالية للجزء المحدود للغاية من التعويضات المنفذة في البلاد.

إن النتائج الاستثنائية المتحققة جراء التقاضي والعمل السياسي الهادف إلى استرداد أصول فرديناند ماركوس تشكِّل حالة ملهمة، بيد أن برنامج جبر الضرر الذي سيستخدم تلك الموارد لم ينل الموافقة سوى مؤخراً، أي بعد 27 عاماً على اندلاع ثورة سلطة الشعب. أمّا في كولومبيا، فإن الأصول المحدودة للغاية المستردة من القوات شبه العسكرية المسرَّحة، المطلوب تسليمها من أجل الاستفادة من المزايا القضائية، لم تكفِ حتى لتمويل قرار المحكمة الأول الذي منح تعويضات لضحايا المذابح وغيرها من الجرائم التي ارتكبتها تلك القوات (غطت الأصول المستردة 18% فقط من المبالغ التي حكمت بها المحكمة، واضطرت الميزانية الوطنية لدفع ما تبقى).

ولعل المصدر الأكثر موثوقية هو الميزانية الوطنية، إذ يمكن لتدفق الموارد سنوياً أن يضمن تمويلاً دائماً أو طويل الأجل. وهذا يقيم الحجة لصالح دفع التعويضات على هيئة خدمات تُقدَّم على مدى سنوات، أو بالتقسيط، أو معاشات تقاعدية.

Image removed.
#### ما هي أهمية لجان الحقيقة بالنسبة لعمل برامج جبر الضرر الواسعة النطاق؟ كيف يمكن تأسيس برامج جيدة لجبر الضرر في ظل غياب لجان حقيقة ناجحة ؟ هل من أمثلة جيدة؟

بوسع لجان الحقيقة أن توفر أُسُساً مهمة لبرامج جبر الضرر تساعدها في بلوغ مستويات من الشمول والتعقيد تستجيب على نحو أفضل للضحايا كافة وللعواقب المترتبة على الجرائم التي ارتكبت بحقهم.

ومن خلال مقابلة آلاف الضحايا، يمكن للجان الحقيقة أن تخرج بتوصيات بناءً على تقييمات ملموسة، بمشاركة الضحايا. ويمكنها أيضاً أن توفر فرصةً للاستماع لقصص الضحايا والاعتراف بهم وهما عنصران مهمان للتعويضات يميِّزانها عن الإغاثة أو المساعدات الإنسانية.

وبوسع لجان الحقيقة أيضاً أن تقدم روايةً تضم القصص الفردية للضحايا، ويمكن أن تساعد في شمول الضحايا كافة في مظلة التعويضات بغض النظر عن الجانب الذي ينتمون إليه، أو يمكن أن تساعد في إيلاء الأولوية لمن عانوا أكثر من غيرهم.

وأخيراً، يمكن للجان الحقيقة أن تساعد في حشد الدعم للإرادة السياسية القوية الضرورية من أجل تنفيذ التعويضات وتخصيص الموارد لها.

لكن بالرغم من أهميتها، فإن لجان الحقيقة ليست ضرورية لتصميم برامج جبر الضرر وتنفيذها. فإذا تسنى إدراك الشروط المذكورة أعلاه عبر عمليةٍ تشاورية وتشاركية أخرى، وإذا توفرت الإرادة السياسية الكافية للإقرار بالمسؤولية، وشمول الضحايا كافة وفقاً لمعايير موضوعية أو مشتركة بشأن الجرائم التي ارتكبت بحقهم أو درجة تعرضهم لها، فإن ذلك يمكن أن يساعد في تحديد الأولويات تحديداً متوازناً.

وبالإضافة إلى ذلك، قد يكون عدم انتظار لجان الحقيقة الخيار الأفضل في بعض الحالات، ولا سيما في إيصال بعض أشكال الإغاثة المؤقتة أو التعويضات لِمن هم في أمس الحاجة لها.

يُعتبر برنامج جبر الضرر المنفذ في كولومبيا من أبرز برامج جبر الضرر التي يجري تنفيذها دون وجود لجنة حقيقة. فبعد عدة سياسات حافلة، أرسى قانون إعادة الأراضي والضحايا لسنة 2011 الإطار لتقديم التعويضات لضحايا أطراف النزاع كافة، بموازاة المساعدات الإنسانية، بما في ذلك تدابير رمزية ومادية.

تشمل التجارب المهمة الأخرى التجربة الرامية إلى إدراج عنصر جبر الضرر في سياسات تنمية المناطق المتضررة من النزاع والإهمال التاريخي في شمال أوغندا من خلال خطة إعادة السلام والتنمية، أو من خلال جهود مختلفة قيد المناقشة حالياً في جمهورية الكونغو الديمقراطية بشأن كيفية شمول الضحايا وأوضاعهم في برامج تحقيق الاستقرار والتنمية. ومع ذلك، فإن هذه المبادرات تواجه خطر التلاعب السياسي فيها أو حصر جبر الضرر في العناصر المادية فقط دون الإقرار بالمسؤولية أو تبني تدابير لضمان عدم التكرار.


الصور: من الأعلى: امرأة تمشي بجانب لافتة عن جبر الضرر الجماعي في بيرو واشتمل هذا المشروع على رصف نصف شارع في بلدة أكومايو في هوانوكو حيث توجد عيادة البلدة (كريستيان كوريا/ المركز الدولي للعدالة الانتقالية)؛ نصب تذكاري لمحمد بوعزيزي في تونس؛ نساء في بارانكويلا في كولومبيا يحضرن الطعام وهن يعملن من أجل ضمان جبر الضرر لضحايا النزاع المسلح (كاميلو ألداما سانين/المركز الدولي للعدالة الانتقالية)؛ مشاركون يشكلون حلقة في ورشة عمل حول جبر الضرر الجماعي في بيرو (المركز الدولي للعدالة الانتقالية)؛ القاضي لورانس غيدودو يخاطب الحضور عند اطلاق تقرير للمركز الدولي للعدالة الانتقالية حول سياسات محتملة ومقاربات لتحقيق جبر الضرر في أوغندا (المركز الدولي للعدالة الانتقالية)؛ القوات الكولومبية شبه العسكرية (AUC) خلال حفل للتسريح في كازيبار في كولومبيا (جان سوشور)؛ امرأة كونغولية جالسة في مركز اجتماعي في 29 أيار/مايو 2012 في مخيم موغنغا 3 للنازحين قرب مدينة غوما الواقعة في جمهورية الكونغو الديمقراطية (فيل مور/ أ ف ب/ (GettyImages؛ أطفال محليون في نيبال يستمعون الى مدرسهم في مدرسة حكومية في قرية ماوية اسمها رونينبانغ تقع في منطقة تيراي الغربية (جوناثن ألبيري/GettyImages).