تقرير البرامج للمركز الدولي للعدالة الانتقالية: العدالة المتعلقة بالنوع الاجتماعي

08/03/2013

في التقرير الأول لبرنامج المركز الدولي للعدالة الانتقاليّة للعام 2013، نلتقيكيلي موديل، مديرة برنامج العدالة المتعلقة بالنوع الاجتماعي لدى المركز.

في هذه المقابلة، تبحث كيلي موديل في رؤية المركز الدولي للعدالة الانتقاليّة حول العدالة المتعلقة بالنوع الاجتماعي والتحديات التي تواجه الناجين من العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماع في المراحل الانتقاليّة، وكيفيّة عمل المركز لمعالجة اختلال المساواة في بلاد مثل كولومبيا، والنيبال، وتونس.


ما هي فلسفة برنامج العدالة المتعلقة بالنوع الغجتماعي؟ وهل يمكنك وصف العمل الّذي نقوم به، ومهمّتنا في هذا البرنامج ، كما الأهداف التي نريد تحقيقها؟

ترافق إنشاء برنامج العدالة المتعلقة بالنوع الاجتماعي عام 2005 مع الاعتراف بأنّ النساء والرجال يختبرون تجربة النزاع وقمع الدولة بشكل مختلف جدًّا. فغالبًا ما يكون للرجال وصول أكبر إلى الموارد السياسيّة والاقتصاديّة، وهو ما لا ينطبق على النساء، فهنّ بالتالي معرّضات لأنواع محدّدة من العنف.

ولسوء الحظّ، غالبًا ما استُعيدت أوجه عدم المساواة هذه في تصميم الكثير من التدابير الأولى للعدالة الانتقاليّة التي كانت تميل إلى عدم إقامة اعتبار لمنظور النوع الاجتماعي.

لم تعترف هذه التدابير بأن النساء يختبرن بعض الانتهاكات الخطيرة بشكل غير متناسب، على غرار العنف الجنسي والإنجابي، وهي في الغالب أيضًا لم تعترف بأن النساء يعانين من الانتهاكات نفسها التي تطال الرجال، مثل الاغتصاب، والقتل، والتعذيب، والاعتقال، وإن بأعداد أقل.

وميدانيًّا، لم يتمّ لحظ الطرق الفريدة التي تتأثر بها النساء عند مقتل أزواجهنّ أو اعتقالهم، ولا السبب في إمكانيّة تأثير النزوح الداخلي على النساء وزيادة تعرّضهنّ لبعض أنواع الاستغلال.

لقد أدرك المركز الدولي للعدالة الانتقاليّة أنّه بغية المساعدة في جعل تدابير العدالة الانتقاليّة تعترف بتجربة النساء في النزاع أو القمع ومعالجتها، نحن بحاجة إلى برنامج محدّد مخصّص لاستعراض أبعاد النوع الإجتماعي لانتهاكات حقوق الإنسان.

Image removed.

تشير الخطّة الاستراتجيّة للمركز الدولي للعدالة الانتقاليّة بشكل محدّد إلى حقوق الضحايا ومعالجة العنف القائم على النوع الاجتماعي، كما تفسّر أنّ الوحدة المعنية بهذا البنامج لدى المركز "تعمل على ضمان مشاركة ضحايا الانتهاكات المرتكبة على أساس النوع في تصميم تدابير العدالة الانتقاليّة". كيف يتكامل عمل هذه الوحدة مع عمل الوحدات الأخرى ومكاتبنا القطرية؟

يُقصد بعبارة "العدالة المتعلقة بالنوع الإجتماعي" الوصول المتساوي إلى الحقوق المدنيّة، والسياسيّة، والاقتصاديّة، والاجتماعيّة.

فهذه العدالة إقرارٌ بأن النساء يواجهن عوائق معيّنة تمنعهنّ من الوصول إلى هذه الحقوق، وجهدٌ لتحديد كيف يمكن للعدالة الانتقاليّة تخطّي هذه العوائق، وعدم إعادة ترسيخ أوجه عدم المساواة هذه الموجودة في المجتمع في الحدّ الأدنى.

يهدف المركز أيضًا إلى ضمان عدم اعتماد الممارسين وغيرهم من العاملين في الميدان على القوالب الجنسانيّة النمطيّة للرجال والنساء دون غيرها، حيث يُعتبر الرجال مرتكبين والنساء ضحايا. فقد نفّذنا على سبيل المثال مشاريع حول كيفية وصول المقاتلات السابقات في بلدان مختلفة إلى العدالة الانتقاليّة.

لكنّنا نذهب إلى ما هو أبعد من التركيز على تجارب النساء دون غيرها. فهي لحقيقة أن النساء عادةً ماتيتأثّرن بشكل غير متناسب بالعنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي. إلاّ أنّنا ندرس العنف الجنسي الممارس ضدّ الرجال والصبيان، وندرك أنّ جذور هذا العنف متأصّلة في الدوافع نفسها التي تؤدّي إلى ممارسة العنف الجنسي ضدّ النساء.

يتمثّل أحد أهداف البرنامج في دمج مسائل النوع الاجتماعي في كافة برامج المركز.

"يُقصد بعبارة 'العدالة المتعلقة بالنوع الإجتماعي' الوصول المتساوي إلى الحقوق المدنيّة، والسياسيّة، والاقتصاديّة، والاجتماعيّة"
    ونحن نعتمد على المكاتب القطرية لأنّها موجودة على الأرض. وهي تجري التحاليل السياسيّة لتوفير المعلومات حول مشهد العدالة الانتقاليّة ورصد الفرص المتاحة. ونعتمد على المكاتب أيضًا في المساعدة على تطوير الشراكات مع العاملين على مسائل العدالة الانتقاليّة، كما على تحديد الشواغل المتعلقة بالنوع الاجتماعي.

فحين ترصد المكاتب مجالاً تتعرّض النساء فيه للإقصاء، نحاول تأمين المساندة الفنيّة لتلك المجموعات النسائيّة، لمساعدتها على التأثير على مسار العدالة الانتقاليّة.

وغالبًا ما نتمكن من القيام بعمل أكثر ابتكارًا مع الوحدات الأخرى في المركز، لأنّنا نقوم بذلك بشكل شامل لكلّ المواضيع. على سبيل المثال، ناقشنا مع وحدة جبر الضرر الروابط من منظور النوع الاجتماعي بين التعويضات والتنمية من جهة، وبين واضعي السياسات والجهات التنموية الدوليّة من جهة أخرى.

Image removed.
#### ما هي أكبر التحديات عند التعامل مع إرث من العنف أو القمع استهدف النساء؟

ثمّة مسألة نعاني منها كثيرًا، وباعتقادي أنّ مجال العدالة الانتقاليّة بأسره يعاني منها، وهي استمرار العنف الموجود في حياة النساء. فبالنسبة إلى العديد من النساء، لا ينتهي العنف الّذي يواجهنه بانتهاء النزاع. ففي العديد من سناريوهات ما بعد النزاع، تبقى معدّلات العنف الجنسي والمنزلي مرتفعة بشكل مقلق. وعندما يتحوّل ذلك إلى عنف مخصخص، لا يعود لمسلسل الرعب نهاية.

يسود في مجال العدالة الانتقاليّة ميل إلى تحديد الأمور، بحيث يتمّ وضع تاريخ نهائي للعنف الممارس في حقبة النزاع أو القمع، يفصله عمّا يمكن تسميته بـ"العنف الاعتيادي."

لكن لا شكّ أنّ آمالاً كثيرة تعلّق على تدابير العدالة الانتقاليّة، فلا يمكنها معالجة حالات العنف المستمرّة بشكل مباشر.

غير أنّني أعتقد أنّه يتعيّن علينا أن ندرس هذا الرابط، وأن نسأل عن السبب وراء تعرّض النساء إلى هذه الأنواع المحدّدة من الانتهاكات في الأصل، وعمّا جعلهنّ معرّضات إلى هذه الدرجات الاستثنائيّة خلال النزاع؟    
"بالنسبة إلى العديد من النساء، لا ينتهي العنف الّذي يواجهنه بانتهاء النزاع"

من شأن ذلك أن يتيح للجنة الحقيقة تقديم توصيات تعالج أوجه عدم المساواة هذه التي جعلت النساء معرّضات إلى هذا الحدّ، وتسعى إلى المساهمة في عدم تكرار هذا العنف.

لقد سبق لبعض الهيئات أن قامت بذلك، مثل لجنة الحقيقة والمصالحة في سيراليون، ولجنة الاستقبال والحقيقة والمصالحة في تيمور الشرقيّة.

ولقد أقرّت اللجنة في سيراليون بأنّه ما لم تؤمّن للنساء قانونًا يضمن تدابير حماية متساوية، فسيبقين معرّضات للعنف الجنسي ومرشّحات للتعرّض لمستويات غير اعتياديّة من أوجه العنف هذه في حال استئناف النزاع. وبالتالي، وضعت اللجنة التوصيات بضرورة إدخال التغييرات على قوانين ملكيّة الأراضي، والوراثة، والطلاق، والزواج.

يمكن لبرامج جبر الضرر أيضًا ان تعترف بأوجه عدم المساواة بين الجنسين وتعالجها، بالطريقة التي تصمّم فيها المنافع للضحايا. ففي تيمور الشرقيّة على سبيل المثال، اعترف برنامج جبر الضرر المؤقت الّذي نفّذته لجنة الحقيقة بأنّ النساء اللواتي فقدن أزواجهنّ خلال الاحتلال والنزاع مستضعفات بشكل خاص بسبب محدوديّة وصولهنّ إلى الوظائف، وبالتالي أوليت الأرامل أولويّة في الاستفادة من هذه المنافع.

ويبرز بين التحديات كيفيّة تصميم تدابير العدالة الانتقاليّة لتعالج بالشكل الملائم العنف القائم على النوع الاجتماعي.

فغالبًا ما يكون في لجان الحقيقة شخص واحد مسؤول عن النظر في كيفيّة تعامل اللجنة مع هذا النوع من العنف. إلاّ أنّ ذلك غير كافٍ، وغالبًا ما تمرّ البرامج على هذه المسألة مرور الكرام. فهذه الإجراءات تتطلّب موارد مهمّة حتّى تتمكّن من معالجة هذه الانتهاكات بشكل ملائم وتقدّم الدعم للضحايا من النساء.

Image removed.
#### كانت النساء في بعض البلدان كتونس ومصر واليمن في طليعة الثورات. إلاّ أنّ النساء في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يواجهن اليوم معركة عسيرة للاستفادة من الحريّات الجديدة في مجتمعاتهنّ. وهنّ يكتشفن أنّه يتعيّن عليهنّ خوض صراع جديد لضمان المشاركة السياسيّة الأساسيّة، ناهيك عن الحصول على تعويض عن سنوات من المعاناة من العنف والقمع المستهدف. وفي مصر، وصل هذا التدهور إلى واقع مروّع، مع الاعتداء جنسيًّا على نساء يشاركن في احتجاجات سياسيّة وتظاهرات عامّة. فما هي أهداف المركز الدولي للعدالة الانتقاليّة فيما خصّ العدالة المتعلقة بالنوع الاجتماعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وما هو التقدّم الحاصل؟

يُشرف المركز على إنجاز مشروع لسنتين يموّله الاتّحاد الأوروبي ويركّز على بناء قدرة المجموعات النسائيّة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. فالناشطات في الجزائر ومصر ولبنان والمغرب والأرض الفلسطينيّة المحتلّة وسوريا وتونس قد شاركن في ورش عمل إقليميّة وقطريّة مخصّصة تهدف إلى زيادة معرفتهنّ بموضوع العدالة الانتقاليّة وإمكانيّة توظيفها لمعالجة العنف الممارس على أساس النوع الاجتماعي.

وسوف يركّز هذا البرنامج بشكل كبير على تونس حيث رُفع قانون العدالة الانتقاليّة إلى الهيئة التشريعيّة. وسبق لنا أن ركّزنا جهودنا هناك للتأثير على تطوير هذا القانون وتكوين المعارف والمهارات المتعلّقة بالعدالة الانتقاليّة لدى المجموعات النسائيّة.

وقد أجرينا لقاءات وورشة عمل مع المجموعات النسائيّة، العلمانيّة منها والإسلاميّة، للتحدّث عن مختلف عناصر العدالة الانتقاليّة، سيّما منها البحث عن الحقيقة، بالإضافة إلى جبر الضرر، والعدالة الجنائيّة، وإصلاح المؤسسات.

"فمن دون حوار بين المجموعات النسائيّة العلمانيّة والإسلاميّة، فإنّ أيّ آليّة للعدالة الإنتقاليّة يتمّ إنشاؤها في تونس سيعتبرها أحد الطرفين مسيّسة."
    وقد يتمثّل التحدّي الأكبر الّذي نواجهه في تونس في كون جمعيّات الضحايا النسائيّة منقسمة بين المجموعات الإسلاميّة والمجموعات العلمانيّة. وبالرغم من أنّ المجموعات العلمانيّة قد استهدفت حتمًا في ظلّ نظام بن علي، إلاّ أنّ اللواتي تعرّضن للسجن من هذه المجموعات أقل من الإسلاميّات. وعندما نتكلّم مع الناشطات نجد أنّ ما يريده كلا الطرفين من العدالة الانتقاليّة يتشابه إلى حدّ بعيد، ولكن يسود بينهما الكثير من قلّة الثقة.

ونحن نعمل مع كلا الطرفين للبحث في العدالة الانتقاليّة، وأنواع مطالبهما الخاصّة بالعدالة، ونحاول أن نجد مستوىً معيّنًا من الحوار الّذي يمكن إجراؤه.

فمن دون حوار بين المجموعات النسائيّة العلمانيّة والإسلاميّة، فإنّ أيّ آليّة للعدالة الإنتقاليّة يتمّ إنشاؤها في تونس سيعتبرها أحد الطرفين مسيّسة، وسيشوبها نقص كبير في المصداقيّة، حتّى إذا كانت الآليّة فعلاً شاملة وشفّافة.

Image removed.
#### يمكن لآليّات العدالة الانتقاليّة أن تساعد المجتمعات على مواجهة حقائق الاغتصاب والاستغلال الجنسي وغيرها من أوجه العنف القائم على النوع الاجتماعي. لكن، يبقى من التحديات، سيّما في حالة مبادرات البحث عن الحقيقة، أنّه من غير السهل في الغالب بل من غير الآمن أحيانًا بالنسبة إلى ضحايا العنف الجنسي الاعتراف علنًا بما تعرّضوا له. فكيف يساعد هذا آليّات العدالة الانتقاليّة مثل لجان الحقيقة على مقاربة هذا التحدّي؟

يتمحور أحد الأسئلة التي تُطرح في مسألة تدابير العدالة الانتقاليّة، سيّما فيما خصّ هيئة البحث عن الحقيقة، حول كيفيّة بناء الثقة مع هذه الجماعات.

وننصح دائمًا بأن يتمّ العمل بشكل وثيق جدًّا مع المجموعات النسائيّة ومجموعات الناجين الّتي بدأت مسيرة بناء الثقة منذ وقت طويل، والتي قامت بتوثيق هذه الانتهاكات، وبمساعدة هؤلاء النساء، والتّي تستطيع الاضطلاع بدور المحاور.

فالنساء في غالب الأحيان لا يرغبن في الإفصاح. فهن لا يردن أن يعرف مجتمعهنّ أو عائلتهنّ بأنّهنّ تعرّضن للانتهاك بهذه الطريقة.

   
"تكمن إحدى الجدليّات المرتبطة بمنافع جبر الضرر في أنّه إذا تمّ تصميم أمر ما لضحايا العنف الجنسي تحديدًا، سيؤدّي ذلك إلى التعرّف عليهم ما أن يتقدّموا للمطالبة بالتعويض."
ومن الأمور التي غالبًا ما نستعيدها في النقاشات مع الممارسين وصانعي السياسات في مجال العدالة الانتقاليّة نذكر أهميّة خيار الضحيّة.

في سيراليون، أجريت جلسة استماع وطنيّة حول النساء في فريتاون، وقد سجّلت أعلى نسبة حضور بين جلسات الاستماع جميعها. وأثناء التحضير لهذه الجلسة، حرصت اللجنة على توفير إمكانيّة الإدلاء بالشهادة بشكل سرّي لجميع الشاهدات. وساد اعتقاد بأنهن سيلجأن إلى هذا الخيار.

إلاّ أنّ الكثيرات ممن أدلين بشهاداتهن أردن القيام بذلك علنًا. لقد أردن أن يرى الناس ما هن عليه، وأن يتمّ الاعتراف علنًا بما عانينه. لكن في الجلسات الإقليميّة لم تكن الحال كذلك: فقد ارادت النساء السريّة.

وعليه، فمن المهمّ أن نفهم بأنّ الضحايا يتعاملون مع هذه الأمور بطرق مختلفة جدًّا، وأنه يجب أن يعود الخيار لهم في نهاية المطاف. ويجب أن تكون إجراءات السلامة مؤمّنة لهم، لكن في النهاية يجب أن يعود لهم الخيار في كيفيّة التعاطي مع الشهادة أو المعلومات الّتي يدلون بها.

وأعتقد أن النصيحة ذاتها ستُعطى في أوغندا في حال أُنشئت لجنة حقيقة، وبرأيي أنّ هذه النصيحة تمثّل بلا شكّ مساهمتنا في تطوير سياسة العدالة الانتقاليّة في الوقت الحالي، إن لناحية البحث عن الحقيقة أو لجهة جبر الضرر.

وتكمن إحدى الجدليّات المرتبطة بمنافع جبر الضرر في أنّه إذا تمّ تصميم أمر ما لضحايا العنف الجنسي تحديدًا، سيؤدّي ذلك إلى التعرّف عليهم ما أن يتقدّموا للمطالبة بالتعويض..

وإنّ وصمة العار المرتبطة بالعنف الجنسي قويّة جدًّا في الشرق الأوسط. ذلك أنّ الضحايا يخشين نبذ عائلاتهن وأزواجهن لهم. وفي تونس، لزم الضحايا الصمت لسنوات طويلة. بالتالي، سيشكّل طمأنة هؤلاء الضحايا بما يكفي حيال إمكانيّة توفير السريّة في تونس تحديًا كبيرًا أمام أيّ تدبير للعدالة الانتقاليّة.

Image removed.

في النيبال، نشهد تقاطعًا فيما يُسمّى بالعنف الجنسي في "زمن السلم"، والمسائل الناشئة عن الانتهاكات المرتكبة في الماضي. وقد دفعت حادثة اغتصاب فتاة في مطار كاتماندو وردّات الفعل التي تلتها بمسائل العدالة الانتقاليّة إلى واجهة النقاش العام بشكل فجائي. فكيف يعمل المركز الدولي للعدالة الانتقاليّة حاليًّا في النيبال على معالجة العنف الجنسي؟

حتّى الآن، تجاهلت التشريعات الّتي عالجت النزاع على أنواعها العنف الجنسي إلى حدّ كبير.

وفي ظلّ برنامج الإغاثة المؤقّت الّذي تمّ تصميمه لتلبية حاجات ضحايا النزاع، لا يُسمح لضحايا العنف الجنسي بالوصول إلى المنافع. إلى ذلك، تضمّن أحد الاقتراحات الأخيرة لمشروع قانون لجنة الحقيقة منح العفو. ونصّ القانون على عدم جواز منح العفو لمن ارتكب الاغتصاب، إلاّ أنّه لم يوسّع التعريف ليشمل العنف الجنسي.

وقد قمنا بحملة مناصرة تجاه واضعي السياسات حول أهميّة التعامل بجديّة مع أوجه الاستغلال هذه، مع التذكير بالتزامهم بموجب القانون الدولي.

ونحن نشعر بأن هؤلاء الضحايا كانوا غير مرئيين البتّة في المسار بأكمله حتّى الآن، لذا ومع مراوحة الجهود لإنشاء لجنة حقيقة مكانها، يمكننا بذل جهد للدفع قدمًا باتّجاه تحقيق العدالة لهم.

إنّ الثغرة التي حدّدناها كما المجال الّذي قد نتمكّن فيه من ترك أكبر أثر على مشهد العدالة الانتقاليّة يتمحوران حول مسألة جبر الضرر.

لم يتمّ القيام إلا بالقليل للتواصل مع ضحايا العنف الجنسي فيما خصّ تحديد حاجاتهم المرتبطة بالانتهاكات التي تعرّضوا لها، وبالتالي فنحن نجري دراسة حول حاجاتهم – فإذا أمّنت لهم الحكومة بعض منافع جبر الضرر، ما أفضل ما يلبّي حاجاتهم؟ ما كانت الآثار القصيرة والطويلة الأمد للعنف الجنسي على حياتهم؟ بعد ذلك، سنستخدم هذه المعلومات لصياغة التوصيات للسياسات ورفعها للحكومة حول تدابير جبر الضرر المستقبليّة.


#### حاولت برامج جبر الضرر أن تعالج نتائج محددة طويلة الأمد ناشئة عن العنف الّذي يطاول النساء. هل يمكنك إخبارنا عن عمل الوحدة في هذا المجال؟

إضافةً إلى عملنا في النيبال، نعمل أيضًا في كولومبيا على مسألة جبر الضرر.

وقد تمحور نشاطنا في كولومبيا حتّى الآن حول العمل مع وحدة الضحايا الوطنيّة التي تساعد على تصميم مسار جبر الضرر، وهي تضمّ أيضًا في داخلها مجموعة للقضايا الجنسانيّة. ولا تزال الوحدة في بداية عمليّة وضع وثيقة السياسة التي سوف تحدد كيفيّة إدماج مسائل النوع الاجتماعي في كلّ مراحل مسار جبر الضرر، وكيفيّة معالجة العنف القائم على النوع الاجتماعي.

وتتمثّل إحدى النواحي الإيجابيّة في كولومبيا في أنّ قانون الضحايا يتضمّن أحكامًا حول كيفيّة مشاركة النساء في العمليّة.

الخطوة الأولى لنا كانت القيام بدراسة مع منظمة غير حكوميّة محليّة تُعنى بحقوق المرأة تمحورت حول الوضع الراهن إن من وجهة نظر الضحايا أو من منظور المسؤولين المحليّين الّذين يديرون التعويضات. وسوف تحدد الدراسة التحديات التي برزت حتّى الآن، ثمّ سنحاول تحويل هذه المعلومات إلى وحدة الضحايا، حتّى تتمكّن من الشروع في تذليل هذه التحديات.

Image removed.

هلاّ أمكنك شرح مفهوم "التعويضات التحويليّة" لناحية صلتها بالنساء من الضحايا؟

تشكّل هذه الفكرة موضع نقاش واسع في كولومبيا، سيّما فيما بين المجموعات النسائيّة. فهذا المفهوم يطرح في جوهره سؤال حول كيفية معالجة أوجه عدم المساواة البنيويّة في مجتمع يُعرّض النساء لانتهاكات حقوق الإنسان وكيف يمكن التأثير على النتائج البعيدة المدى لهذا العنف؟

في المغرب على سبيل المثال، وعند وضع قانون جبر الضرر، لم يتمّ إسناده إلى مفهوم الوراثة على غرار خطط التعويض الماضية، المرتكزة على الشريعة الإسلاميّة، بل تمّ الاعتراف بأنّ الحقّ بجبر الضرر هو من حقوق الإنسان ويجب أن يستند إلى المساواة بين الجنسين. وبالتالي، أعطيت الزوجات بصفتهنّ ربّات أسر الأولويّة في الحصول على القسم الأكبر من التعويضات، ومن ثمّ تمّ منح الأولاد حصصًا متساوية، بصرف النظر عن النوع الاجتماعي.

بناءً عليه، أعتقد أنّ التعويضات التحويليّة تهدف في الحدّ الأدنى إلى عدم إعادة ترسيخ أوجه عدم المساواة بين الجنسين. لكنّك في الحالة المُثلى تريد أن تحاول تغييرها. .

وأعتقد أنّ الجدليّة تكمن في عدم وجود الكثير من الأمثلة الحسيّة حول كيفيّة تغيير التعويضات لأوجه عدم المساواة بين الجنسين. لذا، أعتقد أنّ ما يحصل في بعض الأحيان هو أنّ التوقّعات المعلّقة على التعويضات التحويليّة تصبح كبيرة جدًّا.

سيظنّ ناشطو المساواة بين الجنسين، والناشطات النسويّات، وربّما أيضًا الضحايا، أنّ جبر الضرر سيترك أثرًا كبيرًا في تغيير أوجه عدم المساواة البنيويّة الّتي رمتهم في الفقر، أو حجبت عنهم الوصول إلى الحقوق السياسيّة والاقتصاديّة، لذا فما نريده هو وضع تعريف واقعي جدًا وحسّي جدًّا لما يمكن للتعويضات التحويليّة تحقيقه.

Image removed.

فيما يتعلّق بالعدالة الجنائيّة، رأينا قضايا وأحكامًا تاريخيّة صنّفت فيها المحاكم الدوليّة للمرّة الأولى الاغتصاب المنهجي كجريمة ضدّ الإنسانيّة. غير أنّ العنف الواسع النطاق ضدّ المرأة يتواصل في بلدان مثل جمهوريّة الكونغو الديمقراطيّة، وسوريا، وغيرها من الأماكن الّتي لا يزال الاغتصاب يُستخدم فيها كسلاح في الحرب. فكيف ترين قدرة مؤسسات العدالة الجنائيّة على الاستجابة بالشكل الملائم للجرائم المرتكبة ضدّ المرأة في ظلّ النزاع والقمع؟

كما قلت، أعتقد أنّه تمّ تحقيق أوجه تقدّم كثيرة في المحكمة الجنائيّة الدوليّة الخاصة بيوغوسلافيا السابقة والمحكمة الجنائيّة الدوليّة الخاصة بروندا وحتّى في صياغة نظام روما الأساسي، وفي كيفيّة تعريفه عن العنف القائم على النوع الاجتماعي، والأحكام المتعلّقة بتحقيق تمثيل عادل للرجال والنساء بين القضاة والموظّفين، والحرص على توافر الخبرة القانونيّة عند النظر في العنف الجنسي القائم على النوع الاجتماعي.

وبعد تحقيق هذا التقدّم، عظمت التوقّعات حول ما يمكن للمحكمة الجنائيّة الدوليّة القيام به، لكنّ ذلك اصطدم بما تمّ تنفيذه على أرض الواقع من ناحيتي صلابة القرارات الاتّهاميّة ومستوى التحقيقات التي أجريت، على الرّغم من المساهمات الجمّة من جانب الناشطات اللواتي حاولن في ذلك الوقت الدفع باتّجاه زيادة الاستجابة في سير العمليّة كما لدى المدّعي العام.

"عظمت التوقّعات حول ما يمكن للمحكمة الجنائيّة الدوليّة القيام به، لكنّ ذلك اصطدم بما تمّ تنفيذه على أرض الواقع من ناحيتي صلابة القرارات الاتّهاميّة ومستوى التحقيقات التي أجريت."
    وأعتقد أنّه قد تمّ تحقيق تقدّم. فقد التزمت فاتو بنسودا، بصفتها رئيسة الادعاء في المحكمة الجنائيّة الدوليّة، بإعادة إحياء النظر في العنف القائم على النوع الاجتماعي في جميع القضايا الّتي يتمّ تقديمها. ولديها أيضًا مستشارة لقضايا النوع الاجتماعي نشيطة جدًّا، وهي تنظر الى المحكمة الجنائيّة الدولية منذ سنوات عديدة جدًّا من منظور المنظمات غير الحكوميّة، ولذلك أعتقد أنّ هذا ممتاز.

وعندما يُحاسب بعض الأفراد في المحكمة الجنائيّة الدوليّة، نحتاج للنظر فيما يعنيه فعلاً عدم خضوع العدد الأكبر من المرتكبين للمحاسبة البتّة. فهل يردع ذلك الناس فعلاً من ارتكاب أوجه الاستغلال هذه؟

إنّ ما نحتاجه هو مقاربة شاملة للتعامل مع مسألة العنف الجنسي، والسؤال عن سبب تعرّض النساء لأوجه الاستغلال هذه، ومحاولة إزالة وصمة العار والخزي التي تحيط بها في المجتمعات. لذا فبرأيي أنّنا نشهد تحسّنًا طفيفًا في مجال العدالة الجنائيّة، لكننّي لا أزال أعتقد أنّه علينا البقاء متيقّظين لمراقبة هذه المؤسسات.

لقد اضطلع برنامج العدالة المتعلقة بالنوع الاجتماعي بدور في عمل المركز على مسألة التكامل. وبغية التوصّل إلى تنفيذ نظام روما الأساسي على الصُعد الداخليّة، يجب أن تتمتع السلطات القضائيّة الوطنيّة بالخبرة القانونيّة في مجال العنف الجنسي القائم على النوع الاجتماعي. وتدعو الحاجة إلى وجود محققين مدرّبين وذات مهارات تخوّلهم النظر في هذا الموضوع، كما في المسائل الأوسع المتعلّقة بالبنى التحتيّة، واستعراض المعايير الّتي سنقوم بموجبها بمحاسبة هذه المؤسسات.

في شاطئ العاج، نأمل أن نعمل خلال السنة المقبلة مع الخلايا الخاصّة في البلاد. وقد عرضنا المساعدة على تقييم قدرتهم على التعامل مع العنف القائم على النوع الاجتماعي خلال النزاع، وتوفير المساندة الفنيّة حول كيفيّة القيام بذلك.


أخيرًا، هل باستطاعتكم إعطاء لمحة سريعة عن البلدان والمسائل التي سيعمل عليها برنامجكم في السنة القادمة؟

كما يبدو حتّى الآن، سوف نعمل في ستّة بلدان نركّز عليها، ألا وهي شاطئ العاج، وكينيا، وأوغندا، والنيبال، وتونس، وكولومبيا، ويعتمد انخراطنا في تلك البلدان إلى حدّ كبير على المرحلة التي بلغها البلد في مسار العدالة الانتقاليّة، والآليّات التي تُطبّق فيه.

وسوف نعمل في جميع هذه البلدان مع واضعي السياسات والمجموعات النسائيّة حول الطريقة المثلى التي يمكن للعدالة الانتقاليّة اعتمادها في التعامل مع العنف القائم على النوع الاجتماعي.


الصور: الأولى: متظاهرة مصرية مناهضة للحكومة تعطي وردةً لجندي يحرس ميدان التحرير في القاهرة في 12 شباط/فبراير 2011، بعد يوم من سقوط الرئيس حسني مبارك أ ف ب/باتريك باز/Getty Images؛ جنديات من جيش التحرير الشعبي في النيبال يحملن أولادهن فيما يصلن الى مركز للتسجيل في موقع الإيواء شكتيخور في شيتوان في 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2011 براكاش ماثيما/أ ف ب/ Getty Images؛ امرأة تستجيب لطلبات الزبائن في متجر في فريتاون، سيراليون، في تشرين الثاني/نوفمبر 2012، غلينا غاردون/المركز الدولي للعدالة الانتقالية؛ إجتماع لأهالي السجناء السياسيين الاسلاميين من تنتظيم الجمعية الدولية لمساندة السجناء السياسيين في 13 آذار/مارس 2011 في تونس، فتحي بلعبد/أ ف ب/ Getty Images؛ امرأة تبيع الطعام الساخن في حي باراكيلا في لاس مالفيناس في كانون الأول/ديسمبر 2011، كاميلو ألدانا سانين؛ مجموعة من النساء يجتمعن في الهند بيتر باركر/بانوس؛ امرأة غواتيمالية من الشعوب الأصلية تتحدث خلال منتدى الأمم المتحدة الدائم المعني بقضايا الشعوب الأصلية في نيويورك في نيسان/ابريل 2012، مارتا مارتينيز/المركز الدولي للعدالة الانتقالية؛ رئيسة جمعية الدول الأطراف في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية السفيرة تينا انتلمان خلال مؤتمر غرينتري الذي ينظمه المركز الدولي للعدالة الانتقالية حول مبدأ التكامل، في نيويورك، كانون الأول/ديسمبر 2011 أرنالدو فالغاس/ المركز الدولي للعدالة الانتقالية.