كوسوفو

بعدَ مضيّ أكثر من 20 عامًا على انتهاءِ أشدِّ نزاعٍ ضراوةً شهدته أوروبا منذ الحرب العالميّة الثّانية، لا تزالُ كوسوفو تُصارِعُ التّداعيات الوخيمة النّاجمة من الفظائع الجسيمة المرتكبة على أرضها. لذا، يدعمُ المركز الدّولي للعدالة الانتقاليّة مبادرات العدالة الانتقاليّة المُجدية الّتي يُديرها الضّحايا في البلد وترمي إلى معرفة الحقيقة وإحقاق العدالة وتحقيق المُصالحة فيه.

حالياً

الخلفية

مِن العام 1991 حتّى العام 2001، كانت دُولُ غرب البلقان ساحةَ قتالٍ جرَى عليها أشدُّ نزاعٍ ضراوةً شهدته أوروبا منذ انتهاء الحرب العالميّة الثّانية، وارتُكِبَت خلالَهُ انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وكانَت من جُملةِ تلكَ الانتهاكات، الاعتداءاتُ واسعة النّطاق على المدنيين، والتّهجير القسري، والاغتصاب المُمنهج، واستخدام معسكرات الاعتقال. فقُتِلَ أكثر من 140 ألفَ شخصٍ وهُجِّرَ حوالَى أربعة ملايين آخرين. وما بينَ العامَيْن 1993 و2013، سعَت المحكمة الجنائيّة الدّوليّة ليوغوسلافيا السّابقة إلى المُحاسبةِ على تلكَ الفظائع الجسيمة المُرتكبة. ففي تلكَ الفترة، قامَت المحكمةُ الّتي أنشأَها مجلس الأمن التّابع للأمم المُتحدة، بتوجيه الاتّهامات إلى 161 فردًا. غير أنَّ الأثرَ الّذي أحدثته المحكمة في المنطقة أوهَنَتْهُ الجدالات الّتي شكّكَت في مَا إن كانت أعمال المحكمة قد أجّجت التّوترات الإثنيّة بدلَ أن تُساهِمَ مُساهمةً حَسَنَة في تشكيل الذّاكرة الجماعيّة.

ولا تنفكّ كوسوفو تُصارِعُ تبعات هذا النّزاع الدّامِي حتّى اليوم. فقد مسّت الحربُ الشّعبَ برمّته، لأنّها اجتاحت أرجاء البلد كلّها. وكان من شأن الأعمال العدائيّة تلك أن صبّت الزيتَ على نارِ التوتّرات المُتأجّجَة أساسًا بين الشّعب الألبانِي والشّعب الصّربي. فقد كانت النُخب السّياسية تحكم سيطرتها على الخطاب العامّ في كوسوفو وصربيا، وهو الأمر الّذي أرخَى بظلاله على العلاقةِ القائمة بين الجماعات الكوسوفيّة الألبانيّة من جهة والجماعات الكوسوفيّة الصربيّة من جهةٍ أخرى. ولا تزالُ قضية المفقودين تقلق المنطقةِ كلّها: ففي اللّحظةِ الّتي توقّفت فيها الأعمال العدائية، كانَ نحو 35 ألف شخصٍ في عِدَادِ المفقودِين.

على مدار السّنوات العشرين المُنصرمة، وُضِعَت مُبادراتُ عدالة انتقاليّة عدّة من أجلِ تسليط الضّوء على الماضي. ففي العام 2008، التَأمَت مجموعاتُ المُجتمعات المدنيّة من مُختلفِ بلدان المنطقة، فشكّلت، مجتمعةً، اتّحادًا أُنيطَ به إنشاء لجنة حقيقة إقليميّة في دُول غرب البلقان الّتي ترمي إلى جمعِ الوقائع حولَ مَا ارتُكِبَ من جرائمِ حرب، وحولَ مَن قُتِلَ أو فُقِدَ أو سُجِنَ أو اعتُقِلَ خلالَ النّزاع. وفي العام 2012، شُكِّلَ الفريق العامل المُشترك بينَ الوزارات والمعني بالتعامل مع الماضي والمُصالحة، من أجلِ مُعالجة الاعتداءات الصّارخة لحقوق الإنسان والخروقات الفادِحَة للقانون الدّولي الإنساني الّتي وقعت إبّان الحربِ الأخيرة وخلالَ المرحلة الانتقاليّة ضمنًا. وقد انقضَت ولايةُ الفريق في العام 2016. وقبلَ ذلك، أي في العام 2015، أُنشِئَت المحكمةُ الخاصة بكوسوفو الّتي تتمتّعُ بولايةٍ قضائيّة على "الجرائم الدوليّة والعابرة للحدود" المُرتكبة خلال النّزاع وبعده.

في العام 2018، شكّلَ رئيس كوسوفو هاشم ثاتشي الفريق المُمهّد لإنشاء لجنة الحقيقة والمُصالحة. وقد أوكِلَت إليه مهمّةُ صياغة القانون المعياريّ المُنشِئ للّجنة وإعداد هيكليّتها ووضع مبادئها التوجيهيّة التّشغيلية على حدّ سواء. ولهذه الغاية، عقدَ الفريقُ الممهِّدُ سلسلةَ لقاءات تشاوريّة مع مُختلف الجماعات والفرِق المعنيّة حتّى توصّلَ إلى إصدارِ مسودّة القانون المعياريّ في العام 2020.

وفي تمّوز/ يوليو من العام 2021، اتّخذَ وزير العدلِ قرارًا مصيريًّا حينَ شكّلَ الفريق العامل المعني بوضعِ الاستراتيجيّة الوطنيّة للعدالة الانتقاليّة.

دور المركز الدولي للعدالة الانتقالية

عملَ المركز الدّولي للعدالة الانتقاليّة على كلٍّ من المُبادرات الآتي تعدادُها في كوسوفو:

  •    الحلقات التدريبيّة وأنشِطَة بناء القدرات. تمكّن المركز الدّولي للعدالة الانتقاليّة، بفضلِ دعمِ الاتحاد الأوروبي والشّراكة مع منظّمة السّلام "باكس" (PAX) وشُركاء محليّين، من مؤازرة الفاعلينَ في المجتمع المدني، عبرَ مُبادرات العدالة الانتقاليّة وبناء الثّقة. فقد ساهمَ المركز الدّولي للعدالة الانتقاليّة في تقديم حلقات التدريب المُعدّة خصيصًا لتقوية منظمات المُجتمع المدني، بمَا فيها مجموعات الضّحايا والشّباب، ولتوسيعِ معارفها حولَ إدارة المشاريع والتنظيم المؤسسّتيّ ومبادئ السّياسات. وقد يسَّرْنَا، مع شركائنا، تنفيذ المُبادرات في شأنِ الاتّصال والتّواصل والسّياسات مع السّلطات المحليّة والوطنيّة على حدّ سواء.
  •    دعم لجنة الحقيقة والمُصالحة. في العام 2019، عقدَ المركز الدّولي للعدالة الانتقاليّة استشاراتٍ وطنيّة تمهيديّة في شأنِ العدالة الانتقاليّة، وقدّمَ حلقاتٍ تدريبيّة حولَ إنشاء لجنة حقيقة، وأسدَى المشورة التقنية في هذا الصّدد، طوال فترة صياغة القانون المعياريّ الخاصّ بلجنة الحقيقة والمُصالحة.
  •    إسداء المشورة المُتقنة في شأنِ برامج جبر الضّرر. أسدَى المركز الدّولي للعدالة الانتقاليّة المشورة لواضعي السّياسات في المنطقة في شأنِ صياغة قانون جبر الضّرر وأطلَعهم على التجارب المُقارنة المُستمدة من مُختلف الدّول حولَ العمل مع منظمات حقوق الإنسان ومجموعات الضّحايا. وفي العام 2009، نشرَ المركز الدّولي للعدالة الانتقاليّة تقريرًا عن استرداد المُلكيّة في كوسوفو.
  •    المُؤازرة في مُبادرة المُصارحة. أسدَى المركز الدّولي للعدالة الانتقاليّة المشورةَ لفرقة العمل الخاصّة الّتي أسّسَها الاتّحادُ المعنيّ بإنشاء لجنة حقيقة إقليميّة في دُول غرب البلقان، وذلكَ في شأنِ كيفيّة صياغة ولاية اللّجنة آنفة الذّكر. وقد أجريْنا دراسةً للبحثِ عن السّبل المُتاحة لتوثيق جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان.