مقال رأي: محادثات السلام مع القوات المسلّحة الثورية لكولومبيا تمثل فرصة لإعادة تصوّر الدولة الكولومبية

30/10/2012

بقلم بول سيلز نائب رئيس المركز الدولي للعدالة الانتقالية.

بدأت الأربعاء الماضي محادثات السلام الرسمية بين حكومة الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس وقيادة القوات المسلحة الثورية لكولومبيا (FARC) اليسارية. وإذا ما نجحت المحادثات فلا يمكن قياس حصيلتها ببساطة بالتسريح الفعال لما يقارب 8,000 مقاتل، فالسلام الدائم يتطلب إعادة تصوّر الدولة الكولومبية التي أصبحت الجاني والضحية في آن معاً في النزاع الممتد منذ أكثر من نصف قرن.

من الطبيعي أن يشعر المرء بالتفاؤل في بداية مثل هذه العملية، ولكن الحكمة تقتضي أن نحترس. تأتي هذه المحادثات بعد عملية لتسريح مقاتلين امتدت عشرة أعوام سعت إلى حل القوات شبه العسكرية (الميليشيات) اليمينية التي وصل قوامها ثلاثين ألف مقاتل والتي أنشأتها وشجعتها الحكومات السابقة. وقد انبثقت العديد من تلك المجموعات من بدايات إجرامية، وانتهى مطافها جميعاً أن تصبح مشروعاً إجرامياً هائلاً – بين قتل واغتصاب وتشريد وتعذيب – وهدفها الرئيسي هو إثراء نفسها من خلال التهريب وتجارة المخدرات.

"فالسلام الدائم يتطلب إعادة تصوّر الدولة الكولومبية التي أصبحت الجاني والضحية في آن معاً في النزاع الممتد منذ أكثر من نصف قرن."
    وفي حين وصفت الحكومة عملية تسريح المقاتلين بأنها ناجحة، إلا أنه ينبغي علينا التحفّظ في حكمنا. فمن المقدّر أن جماعات إجرامية جديدة قد تشكلت، والعديد منها بقيادة مقاتلين سابقين، ويتراوح عدد عناصرها ما بين خمسة آلاف إلى اثني عشر ألف فرد. وإذا صحّت هذه التقديرات، فإن جزءاً كبيراً من المشكلة انتقل ببساطة من حالة إلى حالة أخرى ولكن المشكلة لم تُحل.

لقد بيّنت عملية تسريح القوات شبه العسكرية مدى وقوع الحكومة وسيادة القانون في كولومبيا ضحايا لهذا النزاع. وثمة فضيحتان أصابتا الدولة في الصميم. الأولى هي أن حركة القوات شبه العسكرية الهائلة أصبحت ظاهرة اجتماعية-سياسية، فقادة قطاع الأعمال والقادة السياسيين منهمكون فيها على نحو فاعل كداعمين لها وأعضاء فيها ومحرضين ومشجعين، أو يقدمون يد المساعدة في ارتكاب جرائم هائلة ضد المدنيين الذين يقفون في طريقها. ويرتبط بهذه المسألة فضيحة "السياسات المرتبطة بالجماعات شبه العسكرية"، حيث وُجهت اتهامات موثوقة لمئات رؤساء البلديات وحكام الأقاليم وأعضاء البرلمان بالمشاركة المباشرة في جرائم المنظمات شبه العسكرية، وقد أدين عدد منهم فعلاً. وبالتالي فإن الثقة بالدولة والقائمين عليها مهزوزة إلى حد بعيد.

هناك أيضاً مشكلة "الحصيلة الزائفة"، وهي تشير إلى ممارسة القوات المسلّحة بقتل المدنيين أو السجناء وعرضهم كأصابات حققها الجيش أثناء الاشتباكات المسلحة. ويحصل الجنود من خلال ذلك على جوائز نقدية وإجازات إضافية. إن اتساع هذه الممارسة وعمقها يجعل الزعم بأن المسؤولين عن هذه الجرائم هم عناصر مارقة زعماً مثيراً للسخرية. فالطريقة التي تتم بها هذه الممارسة بادية للعيان في عدة فرق عسكرية وفي أجزاء مختلفة من البلاد مما يكشف زيف هذا الزعم الكاذب. ويبدو أن آلاف الأشخاص قُتلوا على يد الجيش وفي ظروف تدل على أعظم غدر نظراً لمسؤولية الدولة عن حماية مواطنيها.

وكل هذا جزء من الخلفية التي تجري ضمنها مفاوضات السلام بين حكومة الرئيس سانتوس والقوات المسلّحة الثورية لكولومبيا. ولا تحدث هذه المحاثات في فراغ، بل في سياق يتطلب من قادة الدولة الكولومبية أن يُظهروا شجاعة وتبصّراً كبيرين. إن السلام الدائم يعني إقامة دولة تتمتع بالمصداقية حيث تُطبّق سيادة القانون على الجميع، وحيث يكون لدى الضعفاء والمهمشين سبب لوضع ثقتهم في الدولة، وحيث تؤمن النُخب بضرورة البداية الجديدة.

إن السلام في كولومبيا يحقق فوائد تتجاوز حدودها كثيراً، فالظروف التي تشابه الانهيار التي تعاني منها دول مثل غواتيمالا وهندوراس والمكسيك ترتبط على نحو وثيق بحروب المخدرات التي اجتاحت المنطقة حيث تم تدمير قاعدة النفوذ لعصابات المخدرات الكولومبية وحلّ محلها عصابات جديدة مرتبطة بالمنظمات الإجرامية المكسيكية.    
"إن السلام في كولومبيا يحقق فوائد تتجاوز حدودها كثيراً."

وقد علِقت كل من غواتيمالا وهندوراس في وسط هذه المعمعة، حيث وصلت معدلات القتل في هندوراس إلى مستوى يزيد عن المعدلات في بلدان تشهد نزاعات مسلحة.

وفي هذه البيئات شديدة التعقيد ثمة بضعة أشياء يجب أن نبقيها في الذهن. أولاً وقبل كل شيء، لقد أدين معظم قادة القوات المسلّحة الثورية لكولومبيا بارتكاب جرائم خطيرة. وليس ثمة حاجة لإعادة النظر في البرامج التي تم تطويرها لتحفيز تسريح القوات شبه العسكرية (مثلاً، الاعتراف بارتكاب الجرائم في مقابل الحصول على حكم مخفف). وستكون الشروط المتعلقة بأحكام السجن الطويلة مع تعليق الحكم، أو السجن الفعلي، أمراً حيوياً لنجاح المحادثات مع القوات المسلحة الثورية لكولومبيا. ومن الضروري ألا يشعر المفاوضون بأنهم مجبرون على نسخ العمليات ذاتها التي تم تنفيذها مع القوات شبه العسكرية؛ فالوضع مختلف ويتطلب حلاً مختلفاً.

ثانياً، يجب على الجهود الرامية إلى الكشف عن السرطان الذي ينهش في قلب الدولة جراء ظاهرة مؤيدي القوات الشبه العسكرية وفضيحة "الحصيلة الزائفة" أن تخرج بنتائج مهمة. وهذا يعني إجراء تحقيقات مناسبة، والقيام بجهود حازمة لتفكيك الجماعات والشبكات التي تدعم القوات شبه العسكرية، والإعلان عن التزام واضح بضمان أن ما حدث في السابق لن يحدث مرة أخرى.

ويستحق الرئيس سانتوس أن يُعزا له فضل كبير على امتلاكه مؤهلات رجل الدولة وإطلاقه لمحادثات السلام، حيث لم يظهر الرئيس السابق أي قدر من الاهتمام بهذا الأمر. كما قام الرئيس سانتوس بخطوات مهمة لتنظيف المؤسسات أو تفكيكها إذ كانت تنطوي على قدر كبير من المشاكل. ولكن القوات المسلحة الثورية لكولومبيا ما هي سوى عنصر واحد من المشكلة. ويتطلب الحل الشامل استعادة ثقة جميع الكولومبيين بمؤسسات الدولة. إن هذه المحادثات هي فرصة لتحقيق السلام، ولتجديد كولومبيا كدولة ديمقراطية قائمة على سيادة القانون للجميع – فرصة كي تسود فيها من جديد ظروف عادية.

الصورة: : مقاتلون من القوات المسلحة الثورية لكولومبيا يسيرون على أحد الجبال أثناء قتال مع الجيش بعد أن سلموا جثة طيار كولومبي قتل في طائرة سوبر توكانو أ-29ب المصنوعة في البرازيل، والتي كانت تتبع للقيادة الثالثة لسلاح الجو، وقد تحطمت في جبال منطقة جامبالو التابعة لإقليم كاوكا في كولومبيا، وذلك في 12 تموز/يوليو 2012. لويس روبايو/وكالة الأنباء الفرنسية/غيتي-إميجز