تقرير البرامج للمركز الدولي للعدالة الانتقالية: مقابلة مع بول سيلز

09/08/2012

يطلق المركز الدولي للعدالة الانتقالية سلسلة جديدة من التقارير على موقعه الإلكتروني تحت عنوان "تقرير البرامج"، وهو تقرير شهري يتناول نشاط المركز الدولي للعدالة الانتقالية وآثاره في مختلف أنحاء العالم. ومن خلال المقابلات الشهرية المعمقة مع خبرائنا، سوف يستعرض "تقرير البرامج" العمل الذي يضطلع به المركز الدولي للعدالة الانتقالية بشأن جبر الضرر والعدالة الجنائية والحقيقة والذاكرة وغيرها من تطورات العدالة الانتقالية في مختلف البلدان التي نعمل فيها.

وفي مستهل هذه السلسلة الجديدة، نتحدث الى بول سيلز، نائب رئيس المركز الدولي للعدالة الانتقالية ورئيس مكتب البرامج بالمركز؛ ونستعرض في هذه المقابلة القضايا الملّحة التي تواجه المجتمعات التي تمر بمرحلة انتقالية، ومساهمات المركز الدولي في هذه السياقات في شتى البلدان من بورما إلى تونس، ومن كولمبيا إلى أوغندا. يناقش سيلز تطورات مهمة كان لها أثر عميق على هذا المجال وعلى عمل المركز الدولي للعدالة الانتقالية خلال العام الماضي، ويتناول بالتحليل المفهوم الناشئ للعدالة الانتقالية في أوساط صناع القرار وأصحاب الرأي في عالمنا اليوم. كما نفحص آفاق ومخاطر جهود المحاسبة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا، فضلاً عن التقدم الذي أحرزته برامجنا المواضيعية وهي تتأهب لمواجهة الفرص والتحديات في العام المقبل.

ونأمل أن تسلط هذه السلسلة الجديدة مزيداً من الضوء على عمل المركز وقضايا العدالة الانتقالية في عالمنا اليوم. ونرحب بتعليقاتكم وآرائكم؛ الرجاء إرسالها إلى mena@ictj.org، أو الاتصال بنا على الصفحة الخاصة بنا على فايسبوك وتويتر.

السيد سيلز، في تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز مؤخراً حول إرث الفظائع المرتكبة في أفغانستان، أشار الكاتب إلى ما وصفهم بـ "الخبراء فيما يسمى بالعدالة الانتقالية". وهو وصف يوضح بجلاء كيف أن وسائل الإعلام لا تزال تجد صعوبة في الاستيعاب الكامل لمفهوم العدالة الانتقالية، وفوائدها للمجتمعات التي تواجه إرث الماضي الثقيل من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. فهل ينطبق هذا الأمر أيضاً على صناع القرارات في الحكومات وغيرهم من الأطراف الفاعلة ذات الصلة؟ هل ما زلنا بحاجة لتوضيح جدوى العدالة الانتقالية وفوائدها؟

نعم، لا نزال بحاجة لتوضيح مفهوم العدالة الانتقالية وفوائدها. ومن أسباب ذلك أن مفهوم العدالة الانتقالية هو مفهوم معقد، وليس بسيطاً؛ فهو ليس مثل الدعوة لنبذ استخدام الألغام الأرضية أو الدعوة لتحقيق المحاسبة الأساسية، بل هو أكثر تعقيداً من ذلك؛ فالمصطلح في حد ذاته، قبل كل شيء، يجعل هذا المفهوم أكثر تعقيداً.

أما السبب الثاني فهو أن نظراءنا يتغيرون على الدوام. بل حتى بالنسبة للأشخاص الذين نعمل معهم منذ سنوات طويلة – في السفارات والأمم المتحدة – لا يزال من الواضح نسبياً أن العدالة الانتقالية ليست هي محور اهتمامهم الرئيسي. لديهم استيعاب لبعض جوانبها، ولكننا في كثير من الأحيان نراهم بحاجة لشيء من المساعدة لفهم القضايا التي نُعنى بها. ومن الافتراضات النموذجية السائدة لديهم أن العدالة الانتقالية هي بديل للعدالة الجنائية، بدلاً من الفهم الاستراتيجي للعدالة الجنائية باعتبارها جزءاً من آليات العدالة الانتقالية والمحاسبة.

هل هناك مفاهيم أخرى مغلوطة عن العدالة الانتقالية لا تزال سائدة بين صناع السياسات ووسائل الإعلام؟

من بين هذه المفاهيم افتراضٌ دائمٌ بأن العدالة الانتقالية هي تكرار لتجربة جنوب إفريقيا. وهناك وهم مقترن بهذا الافتراض اقتراناً شبه حتمي، وهو أن العدالة الانتقالية يدور محورها حول الاستعاضة عن آليات المحاسبة التقليدية بأساليب تحري الحقيقة والمصالحة. وأعتقد أنه لا تزال هناك فجوة هائلة – سواء من الناحية النظرية أم العملية – في قضية إصلاح المؤسسات؛ فلا نكاد نجد أي تجارب يمكن أن نشير فيها بحق إلى مناهج واضحة وفعالة لإصلاح المؤسسات. عندما نتحدث عن أهمية الثقة الوطنية، فلا بد أن نتوخى الحذر كيلا نعطي الانطباع بأن العدالة الانتقالية هي وصفة سحرية لإقامة أنظمة ديمقراطية سلمية، وإرساء البنية التحتية الضرورية برمتها التي سوف تنبثق منها ديمقراطية فعالة.

المحاسبة لا تخلق من تلقاء ذاتها الإطار الضروري لديمقراطية فعالة، بل هي بداية ضرورية وحاسمة
    أعتقد أن أهدافنا يجب أن تكون أكثر تركيزاً، ولا بد أن نحرص على توضيح أننا في مسعانا هذا لا نزال نسير على سفح الجبل إلى حد بعيد؛ فالمحاسبة لا تخلق من تلقاء ذاتها الإطار الضروري لديمقراطية فعالة، بل هي بداية ضرورية وحاسمة.

هل تعتقد أن هناك حاجة لمزيد من التقنين، أو الآليات الرسمية، أو الوثائق من أجل تحديد هذا المجال - من أجل مساعدة صناع السياسات على استيعابه بصورة أفضل؟

كلا، بالطبع لا. لقد عمل المركز الدولي للعدالة الانتقالية في نحو 40 بلداً على مدى السنوات العشر الماضية؛ وقلما يكون الأمر متعلقاً بوضوح نظري أو إجرائي فحسب؛ بل يرتبط في كثير من الأحيان بالفهم الأساسي لكيفية تحقيق المحاسبة باستخدام الأدوات المتاحة لك بالفعل.

لقد عملنا في بلدان كثيرة لا تتيح قوانينها الجنائية الإطار نفسه الذي قد تجده في نظام روما الأساسي من حيث الدافع والمسؤولية الجنائية؛ ولكنك في واقع الأمر لا تحتاج لهذا الإطار في 90 في المائة من الحالات. فالأرجح أن القانون الجنائي يتضمن من المواد والأحكام ما يكفي لمقاضاة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والجرائم الدولية. وبالتالي فإنك لست بحاجة لإجراء تعديل جديد على القانون الجنائي حتى وإن كان ذلك متيسراً لك بسبب قضايا الأثر الرجعي.

ينطبق الشيء نفسه على لجان الحقيقة. فنحن نرى نقاشات تدور حول كيفية إنشائها – هل لا يجوز إنشاؤها إلا بموجب تشريع أم بموجب مرسوم رئاسي، وتتباين آراء الناس بهذا الشأن. والحق أن بعض اللجان التي أنشئت بموجب مرسوم كانت ناجحة، وإن كانت هناك دائماً قضايا تتعلق بها. ومن ثم فإنني لا أعتقد أن القضايا تتعلق عادة بالوثائق والقوانين. ومن واقع خبرتي، أعتقد أن المسألة تتعلق بالأحرى بالإرادة والعزم على إيجاد السبل لتنفيذ ما هو قائم بالفعل.

لقد شهدنا خلال العام الماضي تطورات مهمة في هذا المجال، من بينها إنشاء تفويض للمقرر الخاص للأمم المتحدة لتعزيز الحقيقة والعدالة وجبر الضرر وضمان عدم تكرار الجرائم الخطيرة والانتهاكات الفاضحة لحقوق الإنسان، وتقرير البنك الدولي عن التنمية في العالم الذي يحدد بوضوح العلاقة بين العدالة الانتقالية والأمن والتنمية. ما هي في رأيك أهم التطورات وأعظمها أثراً على مجال العدالة الانتقالية والمركز الدولي للعدالة الانتقالية خلال العام الماضي؟

أعتقد أن الأمرين اللذين ذكرتهما يكتسبان أهمية بالغة باعتبارهما تعزيزاً للتقدم الذي أحرز في هذا المجال، سواء على المستوى البنيوي أم النظري. فإنشاء منصب المقرر الخاص هو أمر ظلت الدول المعنية تسعى لتحقيقه طيلة خمس أو ست سنوات، وهو يمثل نجاحاً كبيراً. في الوقت ذاته، هناك تحديات كبرى لا بد من تخطيها لمنح هذا المنصب نطاقاً واقعياً للعمل. أعتقد أنه من غير الواقعي أن نتوقع أن يؤدي نشوء هذا المنصب إلى حدوث تغير في تنفيذ آليات العدالة الانتقالية بين ليلة وضحاها، أو حتى حدوث أي تغير على الإطلاق.

أما التقرير عن التنمية في العالم الأخير فهو يمثل بالفعل تحولاً هائلاً في محور تركيز البنك الدولي. أعتقد أنه من غير الإنصاف للآخرين الذين سبقوه في هذا الصدد ممن عملوا في مجالات التنمية القول بأن البنك الدولي هو أول من تنبه للعلاقات القائمة بين العدالة الانتقالية وقضايا من قبيل الأمن والتنمية؛ ولكن هذه خطوة هائلة ومهمة الى الأمام، وعظيمة الفائدة لتطور هذا المجال.

كما هناك تطورات أخرى مهمة، وإن كانت قيمتها الإخبارية أقل على المدى القصير. فهناك أربع دراسات كبرى على الأقل لا تزال مستمرة حول ما يمكن للجان التحقيق أن تقوم به فيما يتعلق بالمحاسبة والعدالة الانتقالية، وما هي هذه العلاقات. هذه قضية تتطور ببطء منذ أربع أو خمس سنوات، وتجد طريقها تدريجياً إلى دائرة النقاش الأوسع حول العدالة الانتقالية والمحاسبة. وتعكف منظمات غير حكومية كبرى، من بينها المركز الدولي للعدالة الانتقالية، على تحليل هذا الأمر ومناقشته وحسمه على المستوى العملي.

كما أن الجهود المستمرة الرامية لإرساء مبدأ التكامل بشكل راسخ في سياق العدالة قد شهدت أشواطاً بعيدة من التقدم خلال العام الماضي. ويتمثل جزء كبير من عملنا في وضع مبدأ التكامل داخل "صندوق" العدالة الانتقالية بدلاً من أن يكون نوعاً من المؤثرات الخارجية.

من ثم فإن كل هذه الأمور تجري معاً، ليست بالضرورة على المستوى نفسه من الصدارة، ولكنها تسهم في تشكيل هذا المجال بصورة بالغة الأهمية.

في أعقاب السنوات التي ساهم فيها المركز الدولي للعدالة الانتقالية في تطوير هذا المجال وتحديد مبادئه، تركز الخطة الاستراتيجية التي اعتُمدت مؤخراً تركيزاً جديداً ومهماً على جانب المساعدة الفنية من عمل المركز ، فضلاً عن تنفيذ ما يطلق عليه "المنهج الكلي" للعدالة الانتقالية. فما هو مؤدى ذلك في الواقع الفعلي، وكيف يشكل هذا المنهج الجديد رسالة المركز؟

نحن نحاول في عدد من البلدان طرح نموذج مختلف قليلاً للعمل يجمع بين خبرات مكاتبنا المحلية والخبرة الريادية العالمية لخبرائنا المواضيعيين.

والمقصود من هذا هو أن نحاول الذهاب إلى البلدان التي تسنح فيها الفرصة لطرح فهمنا للعلاقة بين مختلف آليات العدالة الانتقالية، ثم نضع نموذجاً لتنفيذها. وعلى هذا النحو، نأمل أن يكون للمحاسبة أثر أكبر ودور أقوى في المرحلة الانتقالية للمجتمع.
في الوقت الحالي، نحن نسعى لتحقيق ذلك في كولومبيا وساحل العاج وتونس؛ وتجري كل هذه العمليات على قدم وساق، وهي في مراحل مختلفة من حيث استجابتها لهذا المنهج.
    Image removed.

فقد أنشأت [تونس](ar/our-work/regions-and-countries/tunisia)، مثلاً، [وزارة للعدالة الانتقالية](ar/news/tunisia-leads-way-transitional-justice) مما يجعلها تبدو موطناً جيداً لمثل هذا النهج؛ ولكن ليس من الواضح، من ناحية أخرى، ما إذا كانت هذه الوزارة تتبنى بالضرورة المفهوم الكلي نفسه للعدالة الانتقالية الذي نأخذ به.

أما كولومبيا فهي تمثل تحدياً كبيراً في هذا الصدد. فهناك كثير من النشاط المتعلق بالعدالة الانتقالية بكافة جوانبها، مثل شمول الضحايا، والتعويضات، وبرامج رد ملكية الأراضي لأصحابها، والتحقيقات الجنائية على جميع مستويات الجماعات شبه العسكرية، والمسؤولين السياسيين، والمؤسسة العسكرية، إلخ. يتمثل التحدي الحقيقي في السعي لمساعدتهم على التركيز بصورة استراتيجية، والتحقق من أنهم يدركون آثار هذه الإجراءات على بعضها البعض. والخطر في بلد مثل كولومبيا هو أن تتم هذه الأمور بصورة متقطعة، غير منتظمة، أو بصورة مجزأة لا تراعي بالضرورة الآثار الهائلة لكل من هذه الإجراءات على غيرها.

لقد كانت الانتفاضات الشعبية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مدفوعة بالمطالبات بالعدالة والكرامة وكشف الحقيقة بشأن الانتهاكات التي اقترفها الحكام الديكتاتوريون، وهي في الواقع الأعمدة التي يقوم عليها مفهوم العدالة الانتقالية. وعلى نحو ما نراه اليوم، فإن العمليات الانتقالية في مختلف بلدان المنطقة تجري وفق أنماط مختلفة إلى حد بعيد، ولكن إجراءات العدالة الانتقالية لا تزال على رأس الأولويات. كيف تقيّم السيناريوهات المختلفة في هذه البلدان، وكيف ترى انخراط المركز الدولي للعدالة الانتقالية ودوره في تلك التحولات؟

في الوقت الحالي، يُشير الجميع إلى تونس باعتبارها أخصب بيئة لتحقيق العدالة الانتقالية
    فيما يتعلق بدول الربيع العربي، فقد حرصنا أشد الحرص منذ البداية على التواجد على أرض الواقع لمتابعة الأحداث عن كثب، وتحديد مختلف العوامل الديناميكية. ونحن لنا نشاط الآن، أو سبق أن كان لنا نشاط، في تونس وليبيا ومصر واليمن وسوريا، بقدر ما يمكن إدراج سوريا ضمن هذه القائمة الآن على الإطلاق.

ومن الواضح أن كلاً من هذه البلدان لديه ظروفه المختلفة والعوامل الديناميكية الخاصة به. أعتقد أن هناك دورة من نوع ما تحدث في كل منها – فهناك الفورة الأولى من الإثارة والاهتمام والقلق، التي تتجلى مظاهرها بطبيعة الحال على نحو يختلف باختلاف البلد. ثم يرى المرء بعد ذلك قوى ديناميكية شديدة الاختلاف تبدأ في التبلور، في إطار ما يبدو وكأنه مظلة واحدة واسعة.

ففي ليبيا، يبدو لنا أن هناك قوة دافعة كبيرة تدفع نحو تحقيق المحاسبة الجنائية، رغم كل المشاكل التي تكتنف الإجراءات الواجبة للإنصاف القضائي وقدرة النظام القضائي. ولئن كانت هناك آفاق لتحقيق بعض قضايا المحاسبة في ليبيا، فهناك في الوقت ذاته صعوبات جمة في تقييم أفضل السبل للمضي قدماً. فليبيا بلد لا يزال يسعى جاهداً للتعامل مع بعض هذه القضايا، ولأي مدى يريد مساعدة خارجية في هذا المجال.

أما في تونس، فنحن ننتهج أسلوباً أقل كثافة نسبياً إزاء العدالة الجنائية، ونأخذ بمنظور أشد وضوحاً وتماسكاً وانسجاماً لعملية مصالحة تقوم على أنواع أخرى من رد الحقوق والبحث عن الحقيقة. وفي الوقت الحالي، يُشير الجميع إلى تونس باعتبارها أخصب بيئة لتحقيق العدالة الانتقالية.

أما اليمن فهو بلد لا يحظى بقدر كبير من الاهتمام، ولكن لديه إمكانيات مثيرة للاهتمام فيما يتعلق بالعدالة الانتقالية. فهو مقارنةً بدول أخرى يمر بعملية انتقالية من نوع يمكن وصفه بالانتقال بموجب "اتفاق سياسي" (وثيقة العهد والاتفاق) على خلاف الانتقال الثوري، ولا يزال رجال صالح ينعمون بحريتهم إلى حد بعيد، ولا تزال المفاوضات مستمرة هناك. ولكن البعض يرى أن اليمن يحرز في الواقع قدراً أكبر من التطور على صعيد آليات العدالة الانتقالية من مصر مثلاً؛ فلا تزال مصر إلى حد بعيد في مرحلة اكتشاف الذات فيما يتعلق بالعدالة الانتقالية. نحن نعمل الآن في جميع هذه الحالات، وسوف نواصل هذا العمل في العام القادم. القضية المهمة سوف تكون هي تحديد نوع المساهمة والدعم الذي يمكننا تقديمه لهذه المجتمعات.

حينما يثار النقاش حول العدالة الانتقالية يشير الكثيرون إلى إفريقيا باعتبارها مهداً من مهودها بالنظر إلى آثار لجنة الحقيقة والمصالحة الجنوب إفريقية. وهناك بلدان أخرى في القارة الإفريقية لا تزال تكافح وتناضل لتحقيق المحاسبة على فظائع الماضي، أو التصدي لأعمال العنف المستمرة حتى الوقت الحاضر. والمركز الدولي للعدالة الانتقالية له وجود في بلدان مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية وكينيا وساحل العاج؛ فهل لك أن تعطينا لمحة عامة لنشاط المركز في هذه البلدان؟ ما هي الفرص السانحة والتحديات الرئيسية الماثلة فيها؟

من بين الكتب والأبحاث التي تتناول العدالة الانتقالية، هناك كتاب مهم من تأليف أليكس بوراين يتعقب منشأ الأفكار الأولية في جنوب إفريقيا التي تستند إلى حد كبير إلى تجارب الأرجنتين وتشيلي، وإلى حد ما السلفادور.

إنها قضية عقيمة نوعاً ما، ولكني أعتقد أننا ينبغي أن نكون على بينة من أن تجربة العدالة الانتقالية في مجملها بصورتها الحديثة ترتد أصولها إلى التجربة الأمريكية اللاتينية. صحيح أنه قد طرأ عليها قدر كبير من التغيير والتحوير والتحسين على ضوء التجارب الأخرى، بما في ذلك تجربة جنوب إفريقيا، ولكني أعتقد أننا مدينون بالكثير للنشطاء الحقوقيين في أمريكا اللاتينية بوجه خاص، وسوف يكون من المضلل ألا نسجل هذه الحقيقة للتاريخ. وفي الوقت ذاته، فمن الحماقة ألا نعترف بأن كل ما حدث في ألمانيا فيما بعد الحرب كان على الأرجح، وإلى حد بعيد، سابقة لكل شيء نسميه الآن عدالة انتقالية.     Image removed.

تمثل القضايا التي نشهدها في إفريقيا أكبر صعوبات نواجهها في الدراسة التي نجريها حالياً بشأن دور العدالة الانتقالية في سياق الصراع في مقابل دورها في سياق القمع. فكل الأحوال التي نعمل فيها هي في الواقع الفعلي سياقات للصراع، ربما باستثناء كينيا. ونحن نعمل الآن في السودان، وكينيا، وأوغندا، وساحل العاج، وجمهورية الكونغو الديمقراطية.

فساحل العاج، مثلاً، خرجت لتوها من براثن أزمة استمرت ما لا يقل عن 10 سنوات، حرب أهلية أشعلت فتيلها توترات عرقية. أما في جمهورية الكونغو الديمقراطية فنجد دولة غير قادرة بكل بساطة على إحكام سيطرتها على أراضيها، ولا يزال العنف مستمراً في منطقة كيفو على نحو مرعب.

وتُعدُّ هذه البلدان بمثابة تحديات هائلة، وكل منها مختلف عن غيره. فساحل العاج تظهر حالياً قدراً من الانفتاح للدعم الدولي في تطوير آليات المحاسبة، وقد أنشئ بها عدد كبير من الآليات: لجان التحقيق الوطنية، وخلايا التحقيقات الوطنية، ولجنة حقيقة. وقد أصدرت بالفعل صحائف اتهام ضد كبار المسؤولين في النظام السابق.

التحدي القائم في ساحل العاج يتمثل في مساعدتهم على إرساء عملية منهجية مجدية بدلاً من التسرع في معالجة القضايا على نحو يمكن أن يبدو وكأنه "عدالة المنتصرين."

وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية، نواجه دائماً تحدياً يتمثل في تحديد الشراكات الأكثر فعالية؛ فهل ينبغي أن تكون مثلاً على المستويات الوطنية مع الحكومة؟ أم هل ينبغي تطويرها على المستوى المحلي مع مسؤولي الحكم المحلي؟ وكيف عسانا أن نحفز أنشطة المجتمع المدني كي تكون مساهمته مفيدة؟

لقد سعينا جهدنا لإنشاء المحاكم الخاصة وتنفيذ قانون نظام روما الأساسي؛ ولكني أعتقد أنه ينبغي علينا التركيز على كيفية استخدام نظام القضاء العسكري، وتحديد كيفية إنشاء آليات البحث عن الحقيقة التي قُوِّضت أو ضُرب بها عرض الحائط. وحتى بعد مضي كل هذا الوقت، لا تزال أمامنا معركة حقيقية وطويلة في الكونغو لإحراز تقدم في مجال العدالة الانتقالية.

أما كينيا وأوغندا فهما مختلفتان قليلاً عن غيرهما من البلدان الإفريقية. ففي كينيا نجد قاعدة أصغر من الانتهاكات مقارنة بغيرها من البلدان، نجمت عن أعمال العنف التي أعقبت الانتخابات خلال عامي 2008 و2009؛ وتلوح في الأفق نذر قوية لتدخل المحكمة الجنائية الدولية، بل لعل هذه النذر حتى أقوى وأبرز من نظيرتها في ساحل العاج وجمهورية الكونغو الديمقراطية. نحن نساعد لجنة الحقيقة في المراحل النهائية من تفويضها؛ ولكن لا يزال يتعين بذل مزيد من الجهود في كينيا من أجل تنفيذ توصيات لجنة الحقيقة. سوف نواصل العمل بجد في هذا الصدد، والسعي لتقييم الرغبة في تحقيق المحاسبة هناك على الصعيد المحلي بدلاً مما بُذل حتى الآن من محاولات لتجنبها.

وفي أوغندا، لا نزال ننظر في قضايا تتعلق بجبر الضرر ونستكشف إمكانيات إنشاء لجان الحقيقة؛ كما أننا نعمل في الوقت ذاته مع قسم الجرائم الدولية بالمحكمة العليا بهدف دفع الإجراءات قدماً.

هناك منطقة أخرى من العالم تتجذر فيها العدالة الانتقالية وهي أمريكا اللاتينية. فقد شهدت هذه المنطقة إنشاء لجان الحقيقة والملاحقات القضائية في أعقاب سقوط أنظمة الحكم الديكتاتوري في بيرو وتشيلي والأرجنتين وغيرها من دول المنطقة، مما أسهم في تشكيل مجال العدالة الانتقالية إلى حد بعيد. لكن الإرث الثقيل من الانتهاكات لا يزال قائماً، ولا يزال الكثير من هذه الإجراءات مستمراً، ولا سيما في بلدان مثل غواتيمالا وكولومبيا. فما هو دور المركز الدولي للعدالة الانتقالية في أمريكا اللاتينية، وما هي احتمالات نجاح آليات العدالة الانتقالية القائمة حالياً هناك؟

عند الحديث عن أمريكا اللاتينية، ينبغي أن أذكر ثلاث دول: كولومبيا، وغواتيمالا، والبرازيل.

في كولومبيا، كما ذكرت، تتسم الأوضاع بتعقيد مخيف. فقد سعت آخر حكومتين لتطوير آليات تبدو وكأنها تتعامل مع قضية المحاسبة، ولكن تنفيذ هذه الآليات كان معيباً إلى أبعد الحدود، بل كان من بعض النواحي أشبه بجنين وُلد ميتاً.

وتسعى الحكومة في كولومبيا الآن للحفاظ على منظور استراتيجي لفهم العلاقات بين الآليات، ونحن نساعدهم في هذا المسعى. ويتعين علينا أن نجد سبيلاً لإعمال قانون العدالة والسلام، لأن قائمة الأشخاص المشمولين بهذا القانون الذين يمكن إخضاعهم للتحقيق والمقاضاة كانت تضم عدداً كبيراً من الأفراد.

Image removed.    ويجب أن تنظر عملية العدالة والسلام إلى هذه التحقيقات من زاوية مختلفة تماماً. وهذا بدوره قد يكون له أثره على نوع الحقيقة التي تتمخض عنها عملية العدالة والحقيقة، ثم أن هذا بدوره يمكن أن يكون له تأثير على ما يحصل عليه عامة أعضاء المنظمات شبه العسكرية من غير القيادات من فوائد مختلفة؛ ويجب عليهم الإفصاح عن الحقيقة. وكل هذا بالطبع يؤثر على قضية التعويضات ورد الحقوق.


ومن ثم فإن المعلومات المنثبقة عن العمليتين السابقتين سوف يكون لها أثر مباشر على ما يتمكن الضحايا من إثباته بشأن حقهم في جبر الضرر ورد الحقوق.


والقضية المسكوت عنها إلى حد بعيد، وإن كانت تحدث وراء الكواليس، هي مجال إصلاح المؤسسات؛ فقد ألغوا في الواقع واحداً من أجهزة المباحث والمخابرات الجنائية يعرف اختصاراً باسم "داس". ولا يجري ذلك بصورة علنية تماماً، ولكن هناك قضايا أساسية في جميع العمليات لا يتم التصدي لها على المستوى المؤسسي. ثمة ضرورة لإصلاح الأسلوب الذي يتم به تعيين المسؤولين في المناصب، وما يفعلونه في تلك المناصب.

وبالتالي فإن كولومبيا تطرح تحدياً استراتيجياً وفنياً هائلاً. نحن نسعى جهدنا هناك لتحقيق هذه الأمور على مستوى تفصيلي بالغ.

أما غواتيمالا، فهي من بعض النواحي تمثل تحدياً أقل تعقيداً. نعمل في الواقع بجد مع عدد من الأطراف المعنية بالعدالة، بما في ذلك سلطات الادعاء، والقضاء بصورة أعم. لقد نظمنا دورات تدريبية مفصلة للغاية مع القضاة حول نظام روما الأساسي، وطبيعة الجرائم الدولية، نتيجة لانضمام غواتيمالا لمعاهدة روما. كما نقدم بعض المساعدة الفنية لسلطات الادعاء وهي تستعد لتحريك الدعاوى القضائية ضد الزعماء العسكريين بتهمة ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية وجرائم حرب.

تمثل غواتيمالا حالة تلمس فيها دعماً مؤسسياً واضحاً للغاية من داخل سلطات الادعاء والسلطات القضائية، ولكن لا تلمس مثل هذا الدعم من الحكومة بوجه عام. وهناك حالياً توترات وتهديدات ومشاكل حقيقية ناجمة عن ذلك.

في البرازيل، نشارك بجد بالغ في عملية ديناميكية مثيرة للاهتمام من أجل تطوير لجنة الحقيقة. وقد قدمنا بالفعل نصائح فنية مفصلة بشأن القضايا المتعلقة بتفويض اللجنة وخطتها الأولوية. ومما يبعث على التفاؤل البالغ أن نرى البرازيل تتبنى مثل هذه الآلية، وتقرّ حق الضحايا في معرفة الحقيقة. نعتقد أن ذلك يمكن أن يكون له تأثير هائل على دور البرازيل باعتبارها من أهم الدول المساهمة في العدالة الانتقالية، وباعتبارها مثالاً نموذجياً يمكن أن تحتذيه الدول الأخرى.

في القارة الآسيوية، أنهينا مهامنا في عدد من البلدان التي عملنا فيها، من بينها تيمور الشرقية وجزر سليمان، وإندونيسيا، وأفغانستان، ولا نزال نقوم بنشاط في نيبال وبورما. وفي بورما، في أعقاب التفاؤل الأولي بشأن إمكانيات تحقيق المحاسبة، تدهورت الأوضاع، وأفادت الأنباء بوقوع جرائم واسعة النطاق ضد الأقليات العرقية على الحدود مع بنغلاديش. في الوقت ذاته، يبدو أن الأمور قد وصلت إلى طريق مسدود خلال ما بدت وكأنها فترة تبشر بمستقبل واعد في نيبال؟

لقد قلصنا حجم أنشطتنا في إندونيسيا وأفغانستان تدريجياً استعدداً لإنهائها، وسوف ننهي عملنا في تيمور الشرقية قبل نهاية العام. فحينما أمعنا النظر في خطتنا الاستراتيجية الجديدة والعمل الذي كنا نقوم به، أدركنا أنه وإن كان لا يزال هناك عمل مهم لا بد من إنجازه في بلدان مثل تيمور الشرقية وإندونيسيا، إلا أنه ليس بالضرورة من نوع المساعدة التي يقدمها المركز الدولي للعدالة الانتقالية في العادة. فخلصنا إلى أن المنظمات غير الحكومية المحلية أقدر على النهوض بالعمل المطلوب على نحو أكثر فعالية، لأن هذا العمل يتضمن السعي لإرساء وترسيخ مفهوم العدالة الانتقالية على مستوى القاعدة الشعبية العريضة، أو أنه في مرحلة مبكرة من العملية بدرجة لن تكون معها قيمتنا الإضافية ذات جدوى باعتبارها سابقة لأوانها.

وليس معنى هذا أننا لن يكون لنا دور في هذه البلدان، أو أننا لم نعد نهتم بما يحدث فيها، ولكنه يعني أنه نظراً لمحدودية الموارد وقيمتنا المضافة، فإن فائدتنا سوف تكون أكبر وأجدى إن تم توظيفها في بلدان أخرى يمكن أن نحدث فيها أثراً أعمق. الأمر هنا يتعلق بإتاحة الموارد واستخدامها في الاستجابة بصورة أكثر مرونة، وبذل مزيد من الجهد المتضافر في تلك البلدان التي نعتقد أن الظروف فيها مهيأة للأخذ بمنهج كلي متضافر للعدالة الانتقالية. ودورنا في نيبال وبورما هو من مثل هذا النوع الاستراتيجي الطويل الأمد.

أعتقد أن جميع المراقبين ينتظرون الآن ليروا ما الذي ستؤول إليه الأوضاع في بورما. فقد جرت بعض التغيرات في الحرس القديم، ولاحت بعض المؤشرات الإيجابية نسبياً على أن العملية الانتقالية هناك غير عكسية، ولو في الظاهر على أقل تقدير. من الناحية العملية، هناك بعض التطورات المثيرة للاهتمام في بعض الأساليب الممكنة لتحقيق العدالة الانتقالية في بورما؛ وأجدرها بالذكر التعهدات بإلغاء ممارسات تجنيد الأطفال، والتحقيق فيما حدث واستقصاء أسبابه. من الواضح أن بورما سوف تكون تطوراً بالغ الأهمية في مجال العدالة الانتقالية، ولكن نظراً للسياق الثقافي والتاريخي، فيجدر بنا أن نتحلى بالصبر نسبياً. لقد قمنا بزيارة لبورما في وقت سابق من العام الحالي لإجراء تقييم مفصل للاحتياجات، وأعتقد أننا مهيئون الآن لوضع خطة حكيمة للمشاركة.

لا يزال نيبال بلداً يتسم بالتعقيد البالغ. فكلما تراءى لنا مثلاً أن هناك تقدماً تشريعياً يتم إحرازه، بدا هذا التقدم وكأنه يتبخر أمام أعيننا بسبب الاضطرابات السياسية. لكننا نشعر بالحماس والإثارة لأننا في موقف قوي جداً يهيئ لنا تطوير عملنا، فلدينا الآن رئيس جديد لمكتبنا في بورما سوف يبدأ مهامه في سبتمبر/أيلول القادم، وسوف نواصل التركيز على جهود استعادة الحقيقة، والحقيقة، وقضايا الذاكرة، من بين قضايا أخرى.     Image removed.

الصعوبة التي نواجهها في نيبال هي أن هيكل الحكومة قد اختفى نوعاً ما. وسوف يتعين علينا التكيف مع هذا الواقع، والعمل على إعادة تركيز جهودنا بالنظر إلى ما يمكن أن تتمخض عنه الشهور الاثنا عشر المقبلة.

حينما ننظر إلى المجالات المواضيعية من عملنا، يحق للمركز الدولي للعدالة الانتقالية أن يزعم نجاحه في الدعوة لإرساء مبدأ التكامل في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. وقد ساهمنا في التقرير الأول بشأن التعويضات في قضية لوبانغا التي من المرجح أن تكون سابقة قضائية مهمة. وقد خطونا خطوات مهمة في تعزيز مبادرات الحقيقة والذاكرة، وسعينا بجد لإدراج العدالة الانتقالية في النقاش الدائر حول حقوق السكان الأصليين. وفي الوقت ذاته، يحق للمركز الدولي أن يفخر بما أحرزه من نجاح في تعزيز المناهج والمقاربات التي تراعي اعتبارات النوع الاحتماعي وحقوق الأطفال في مجال العدالة الانتقالية. وبالنظر لهذا الطيف الواسع من العمل، فما الذي يحمله المستقبل لبرامج المركز الدولي للعدالة الانتقالية؟

المركز الدولي للعدالة الانتقالية رائد في تطوير نماذج للجان الحقيقة
    لقد أصبح المركز الدولي للعدالة الانتقالية يتبوأ مكان الصدارة في السعي لتعزيز الملاحقات القضائية الوطنية على نحو ربما لم يفعله حتى عهد قريب نسبياً. ومما ساعدنا على تبوء هذا الموقع ما أنجزناه من عمل بشأن التكامل، وكذلك ما نتمتع به من قدرة فائقة على التركيز على المساعدة الفنية في عدد من البلدان المحددة.

ولكن من المهم أن نشير أيضاً إلى أن المركز الدولي كانت أكبر مساهماته على الأرجح في مجال الفهم النظري والعملي للحقيقة والذاكرة. ولا تزال لنا الريادة في تطوير نماذج يتسنى فيها للجان الحقيقة المحلية، الرسمية منها وغير الرسمية، تحقيق قدر من المحاسبة. نبذل جهداً ونشاطاً هائلاً في تقديم المساعدة العملية للجان التي تسعى جاهدةً لتنفيذ التفويض المنوط بها في مختلف أنحاء العالم. ففي كينيا، مثلاً، نستثمر قدراً كبيراً من الجهد في مساعدة اللجنة بالرغم من الظروف السائدة البالغة الصعوبة.

كما أن عملنا الخاص بالمقاربات المواضيعية لآليات الحقيقة، بما في ذلك القضايا المتعلقة بالسكان الأصليين أو الأطفال المجندين، يضع الحقيقة والذاكرة في موقعها الصحيح – أي في طليعة خطاب العدالة الانتقالية، جنباً إلى جنب مع العدالة الجنائية، وجبر الضرر، وإصلاح المؤسسات.

أما بالنسبة لجبر الضرر، فإن إجراءات المحكمة الجنائية الدولية في قضية لوبانغا تشكل تطوراً مهماً؛ ولكن إيجاد السبل لتنفيذ برامج التعويضات بنجاح ينطوي على عدد من التحديات في مختلف أنحاء العالم. فكولومبيا بوجه خاص تمثل تحدياً ضخماً ليس بسبب النطاق فحسب، بل أيضاً بسبب الإجراءات الشكلية التي ينبغي علينا تجاوزها. وفي نيبال يتمثل التحدي القائم في تحديد ما يمكن اعتباره بمثابة مساعدة، أي مساعدة مالية فورية في مقابل ما يعد بمثابة تعويض مالي أي مبلغ مالي لجبر الضرر، وما هو موقف المركز الدولي للعدالة الانتقالية إزاء تلك القضايا.

بالإضافة إلى هذه المجالات المواضيعية، نرى مساهمات قيمة بصورة متزايدة في مجالات متقاطعة مثل مناهج أو مقاربات العدالة الانتقالية التي تراعي الاعتبارات والاحتياجات الخاصة بالنوع الإجتماعي والأطفال والشباب. ففي كينيا، على سبيل المثال، تم إنجاز عمل مهم لضمان استجابة لجنة الحقيقة والعدالة والمصالحة بصورة إيجابية لاحتياجات الأطفال، فأصبحت الآن لجنة رائدة تفتح باباً جديداً بقبولها شهادات الأطفال وتركيزها عليهم.

كما قدمنا مساهمة كبرى، في كافة المجالات، ولا سيما في بلدان الربيع العربي، للتحقق من أن للمرأة صوتاً مسموعاً في جميع إجراءات وآليات العدالة الانتقالية.

أما فيما يتعلق بالمستقبل، فحري بنا أن نتحدث عن المخاطر أولاً. فأنا، مثلاً، أرى خطراً يتمثل في أخذ العدالة الانتقالية مأخذ التسليم؛ فقد أظهرت بلدان الربيع العربي وغيرها أن هناك ضرورة واضحة لآليات العدالة الانتقالية لضمان احترام حقوق الإنسان في خضم التحولات الهائلة والتحولات الاجتماعية. هذه فرصة عظيمة سانحة لإظهار أهمية العدالة الانتقالية. أما في كولومبيا، فلا يمكن لأهمية العدالة الانتقالية أن تبلغ مستوى يفوق مستواها الآن بينما تسعى البلاد لبناء مجتمع أكثر عدالة وإنصافاً.

ويتحدث التقرير عن التنمية في العالم عن الدورات الانتقالية التي يشهدها العالم الآن. فنحن نشهد الآن فرصاً سانحة في العديد من بلدان العالم، من بينها غواتيمالا التي تعد مثالاً لدورة جديدة، وفرصة جديدة - محدودة ولكن مهمة. فهي محدودة من حيث الأطراف الفاعلة الحريصة على نجاحها، ولكنها مهمة من حيث آثارها المحتملة على تحقيق المحاسبة.

إن المركز الدولي للعدالة الانتقالية لديه تركيز واضح تماماً على الكيفية التي يريد أن يحقق بها ما يريد، والبلدان التي يريد تحقيقه فيها. والنهج الكلي للمشاركة الذي سوف نأخذ به في بعض البلدان سوف يؤتي ثماراً هائلة خلال السنوات الثلاث أو الأربع المقبلة. وبمقدور المركز الدولي أن يظهر أن العدالة الانتقالية يمكن تحقيقها بأسلوب عاقل ومنهجي من شأنه أن يحرز نتائج كانت في الماضي صعبة المنال.