الحكم على تشارلز تايلور وغرب إفريقيا: أقلّ من نصف القصّة

07/05/2012

بقلم بول سيلز*

تترك إدانة رئيس ليبيريا السابق تشارلز تايلور بارتكاب جرائم ضدّ الإنسانيّة وجرائم حرب في سيرياليون المجاورة دولَ غرب إفريقيا والمنطقة في صراع مع إرثه الرهيب. فيما يرحّب الناس في سيراليون، بمن فيهم ضحايا تايلور على وجه الخصوص، بهذا الحكم بوصفه خطوة مهمّة ضمن جهود البلاد الهادفة إلى تخطّي نتائج الحرب الأهليّة الوحشيّة، لا يزال الليبيريّون بعيدين جدًّا عن تحقيق المحاسبة على ما قاسوه من معاناة. يشكّل الحكم على تايلور فرصة لإلقاء الضوء على هذا الواقع؛ يجب إذًا ألاّ ندع الاحتفال بصدور الحكم يحجب ذلك.

تجدر الإشارة إلى الأهميّة الكبيرة التي يكتسيها الحكم بالنسبة إلى المنطقة وفي مجال الكفاح العالمي ضدّ الافلات من العقاب، إذ تنتشر ببطء لكن بثبات، رسالة واضحة وذات مصداقية، مفادها أنّ قادة العالم ما عادوا يستطيعون التلطّي وراء صفقات ومصافحات سريّة. ينضمّ تايلور إلى لائحة متزايدة من رؤساء الدول الّذين تمّ جلبهم إلى العدالة لارتكابهم أعمالاً وحشيّة، وهو أوّل المدانين بينهم في محكمة دوليّة.

يضطلع تايلور بمسؤوليّة كبيرة في إشعال النزاع الّذي دار في سيراليون من العام 1991 إلى 2002، بدعمه الناشط لمتمرّدي الجبهة الثورية المتحدة برئاسة فوداي سنكوح، الذين نفّذوا أعمالاً وحشيّة للإطاحة بالحكومة في سيراليون. أمّا الجرائم التي ارتكبتها الجبهة الثوريّة المتحدة بحق مواطنيها فكانت مروّعة بكلّ المقاييس- فقد تعرّض الآلاف للقتل، والاغتصاب، والبتر، كما تمّ تجنيد الأطفال قسرًا وأجبروا على القتال وارتكاب الأعمال الوحشيّة بالنيابة عن سنكوح وتايلور. توفّي سنكوح أثناء احتجاز المحكمة الخاصّة بسيراليون له، لكنّ تايلور لم يتمكّن من الهروب من العدالة لضلوعه في الحرب الأهليّة في سيراليون.

في آذار/مارس 2003، وجّهت إليه المحكمة الخاصّة بسيراليون أحد عشرة تهمة بجرائم ضدّ الإنسانيّة وجرائم حرب. وتشبه قصّة توقيفه ومحاكمته، بعد نفيه إلى نيجيريا، مجريات فيلم جاسوسي. فقد تمّ توقيفه عام 2006 عند نقطة تفتيش حدوديّة بينما كان يحاول الهرب متخفيًا، ونُقل أوّلاً إلى فريتاون ومن ثمّ إلى لاهاي، حيث تمّ نقل الإجراءات لأسباب أمنيّة. أمّا محاكمته الّتي دامت أربع سنوات فقد مثلت فيها مجموعة من الشخصيّات التي قلّما برزت في مجال العدالة الدوليّة، بمن في ذلك ناومي كامبل وميا فارو.

تشكّل إدانة تايلور لتخطيطه لجرائم الجبهة الثورية المتحدة ومساعدته عليها موضع ترحيب من قبل الكثيرين في سيراليون، مّمن يعتقدون أنّ الحرب الأهليّة ما كانت لتحدث لولا وجود تايلور في السلطة في ليبيريا. وفي هذا الصدد، قال وزير الإعلام إبراهيم بن كارغبو في مقابلة حديثة له: "الآن وبعد إزاحة تشارلز تايلور، يمكن أن نقول بكلّ سهولة وثقة أنّنا بغيابه بدأنا نتنعّم بالسلام من دون أن نضطر إلى التلفّت وراء أكتافنا".

"يُجبرنا الحكم الصادر بحق تشارلز تايلور أن نطرح على أنفسنا أسئلة أعمق حول ما نتوقّعه من العمليّات القضائيّة."
    بالطبع، يمتد نضال سيراليون للتعامل مع إرث الجرائم التي ارتكبت خلال الحرب الأهلية الى أبعد من الحكم على تايلور. يجب فعل الكثير من أجل تحقيق المحاسبة، وإعادة التأهيل الكاملة للضحايا، واستعادة الثقة المدنية. انطلاقاً من عمل كل من المحكمة الخاصّة بسيراليون ولجنة الحقيقة والمصالحة، حيث تمت تسمية المرتكبين وأعطيت توصيات للحكومة، ثمة على الأقل شعور بين أبناء سيراليون أنه لا يتم إهمال العدالة.

أمّا في الجهة المقابلة من الحدود فقد اعتمدت الحكومة الليبيريّة نهجًا معقّدًا وغير مقنع تمامًا فيما خصّ السعي إلى تحقيق العدالة لضحايا تايلور – أو ضحايا سلسلة من الحروب الدامية التي ترجع على الأقلّ إلى العام 1979. فقد قدّرت لجنة الحقيقة والمصالحة الليبيريّة في تقرير صادر عام 2009 أنّ أكثر من 250 ألف شخص قتلوا في البلاد بين العامين 1979 و2003. وقد أوصت اللجنة بمحاكمة أكثر من 100 شخص ومنع 49 آخرين من تولّي مناصب سياسيّة لضلوعهم في النزاعات، بمن فيهم الرئيس الحالي. هذا التقرير ليس خاليًا من أيّ عيب، وقليلون هم الخبراء الّذين ينصحون بتنفيذ توصياته كاملة، لكنّ لم يتمّ بذل ما يكفي لمعالجة العديد من القضايا الفعليّة التي طرحتها اللجنة. فالسلطات الليبيريّة لم تقم حتّى الآن بمحاكمة أيّ شخص عن هذه الجرائم، كما أنّ كثيرين من مناصري تايلور، ومنهم من تورط بشكل كبير (ماليًّا وعسكريًّا) في النزاعات، يشغلون الآن مناصب عليا في الحكومة..

يُجبرنا الحكم الصادر بحق تشارلز تايلور أن نطرح على أنفسنا أسئلة أعمق حول ما نتوقّعه من العمليّات القضائيّة. فهذا الحكم لا يعوّض على العدد الهائل من ضحايا تايلور في ليبيريا، ولم يكن هذا الهدف المتوخّى منه أصلاً. والأهم هو أنّ هذا القرار قلّما يستطيع المساعدة بشكل مباشر على إعادة عنصر الثقة الأساسي بين مواطني ليبيريا ومؤسساتهم الحكوميّة.

حتّى في سياق الأزمة الاقتصاديّة، أتت آخر معدّلات النموّ في ليبيريا مذهلة (تشير الاسقاطات أن النمو سيبلغ نحو 9% في 2012)؛ فالبلاد تستفيد من سلّة متنوّعة من الصادرات مدعومة بالارتفاع الحالي لأسعار السلع. كذلك، ساعد التخفيف من الديون بنحو 4.6 مليار دولار وإصلاح الإدارة الماليّة على رسم صورة إيجابيّة. إلاّ أنّ الوضع الأمني الهشّ لا يزال يشكّل تهديدًا للتنمية في ليبيريا، الّتي تحدّها سيراليون، والكوت ديفوار، وغينيا. ذلك أنّ البلدين الأخيرين بعيدين كلّ البعد عن الاستقرار، لئلّا نتهّمها بسوء الجوار. أمّا على الصعيد الوطني، فلا تزال البنية التحتيّة المؤسسيّة في ليبيريا ضعيفة إلى حدّ خطير. فالتهديدات للقانون والنظام والحكم الدستوري لم تزُل بعد. في هذا الإطار، أشار البنك الدولي في تقرير التنمية في العالم للسنة الماضية أنّ التنمية تحتاج بعد الأزمة الديمقراطية إلى العدالة والمحاسبة للمساعدة على بناء الثقة في الديمقراطيّة وحكم القانون.

يمكن فهم رغبة إلن جونسن سيرليف بأن ترى بلادها تستجيب لفظاعات الماضي بشكل يُقنع الليبيريّين. يبدو أنّها من دعاة فكرة أنّ الادّعاء بأنّ الماضي لم يحصل ليس بين الخيارات المطروحة وهي من أشدّ داعمي مبادرة المصالحة الليبيريّة التي تقودها ليماه غبوي الحائزة على جائزة نوبل للسلام. هذا إيجابي، لكنّه لا يكفي لمعالجة الفراغ الواضح على صعيد المحاسبة، وهو يحول دون تحقيق ليبيريا للاستقرار المرجو.

كما لا تزال الحاجة تدعو إلى الاستجابة للدعوات المشروعة للضحايا الليبيريّين لتحقيق العدالة في وطنهم، كما يجب إيلاء الأهميّة نفسها للاعتراف بعدم إمكانيّة منح الثقة إلى الجهاز القضائي الوطني من دون جهد صادق لإظهار أنّ المؤسّسات التي فشلت في الماضي يمكن الآن الوثوق بها لإحلال العدالة عند الاقتضاء.

لا شكّ أنّ الخطوات التي على ليبيريا اتخاذها لتحقيق المحاسبة لن تكون سريعة، لكنّها على ما نأمل مؤكّدة. فالمنطقة ستشعر بأثر مباشر أكثر للحكم. ويبقى العديد من دول غرب إفريقيا أرضًا خصبة للنزاع والقمع، فيما فشلت كل جهود العدالة والمحاسبة لأعداد لا تُحصى من الضحايا في غينيا والكوت ديفوار وتشاد وتوغو. أمّا تايلور، فهو مثال عن ماض تريد الأكثريّة تركه خلفها، لكنّ ذلك لن يحصل إلاّ إذا لعبت المحاسبة دورها الصحيح في بناء عقد إجتماعي أقوى بين المواطنين والدولة. فالمسألة ليست حول ما إذا كان يتعيّن معالجة الماضي في ليبيريا أو لا، بل حول كيفيّة القيام بذلك بطريقة تضمن ثقة المواطنين الفعليّة بأنّ ماضيهم أصبح وراءهم.

بول سيلز هو نائب رئيس المركز الدولي للعدالة الانتقاليّة

الصورة: الرئيس الليبيري السابق تشارلز تايلور في جلسة الاستماع في محاكمته بتاريخ 26 نيسان/أبريل 2012 في المحكمة الخاصّة بسيراليون. PETER DEJONG/AFP/GettyImages.

تم نشر هذا المقال في The Independent.