تقرير البرامج للمركز الدولي للعدالة الانتقالية: كولومبيا

08/10/2012

يبحث أحدث تقرير برنامج للمركز الدولي للعدالة الانتقالية في قضايا العدالة الانتقالية في كولومبيا ويستعرض عمل المركز في هذا البلد الذي شهد أطول نزاع مسلح جارٍ في العالم. في هذه المقابلة، تجيب السيدة ماريا كاميلا مورينو، مديرة مكتب كولومبيا التابع للمركز الدولي للعدالة الانتقالية، عن أسئلة حول الآليات الحالية للعدالة الانتقالية في كولومبيا، وتصف عمل المركز مع جماعات المجتمع المدني بشأن قضايا العدالة الجنائية وجبر الضرر والذاكرة. وتلقي نظرة إلى الأمام بشأن مفاوضات السلام الجديدة بين الحكومة الكولومبية وبين القوات المسلحة الثورية لكولومبيا (FARC)، وتحدد القضايا الرئيسية المرتبطة بالعدالة الانتقالية في هذه المفاوضات.

كولومبيا هي موطن أطول نزاع مسلح في النصف الغربي من الكرة الأرضية والذي طال بتأثيره مئات آلاف المواطنين والنسيج الاجتماعي للمجتمع الكولومبي. وهناك الكثير من المحاولات السابقة والحالية لضمان المحاسبة وإصلاحات المؤسسات والإنصاف لضحايا النزاع. نرجو أن تعطينا لمحة موجزة حول أهم مبادرات العدالة الانتقالية التي جرت أو تلك الجارية حالياً في كولومبيا؟

إن أهم مبادرات العدالة الانتقالية في كولولمبيا لغاية الآن هي تلك التي استُحدثت بعد عام 2005، عندما بدأت عملية لتسريح أكثر من 30,000 عضو في الجماعات شبه العسكرية. وقد كانت تلك الجماعات مسؤولة عن مئات الآلاف من انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك العديد من الانتهاكات التي تُعتبر جرائم دولية.

لقد استحدث قانون العدالة والسلام الذي أُقر في عام 2005 إجراءات جنائية خاصة من شأنها أن تسمح بإصدار أحكام مخففة كثيراً (السجن ثماني سنوات كحد أقصى) في مقابل الإدلاء باعترافات كاملة، وأن يساهم الذين يُحاكمون بتقديم تعويضات. وقد حددت الحكومة ما يقارب 4,000 عنصر من المنتمين للجماعات شبه العسكرية (الميليشيات) لمحاكمتهم بموجب هذا النظام. وثمة ما يقارب 2,000 من تلك القضايا في مراحل مختلفة من الملاحقة القضائية، ولكن للأسف وبعد مرور سبع سنوات على إقرار القانون، أدين 3 أشخاص فقط وصدرت بحقهم أحكام قضائية.

ولغاية الآن، فإن تنفيذ قانون العدالة السلام لم يحقق العدالة والحقيقة ولم يوفر تعويضات على نحو كافٍ. وقد أدت الاعترافات التي تم الإدلاء بها خلال هذه العملية إلى إنشاء سجل من آلاف الجرائم، وأتاحت استخراج بقايا جثث ما يقارب 42,000 شخص من المختفين، ولكن لم يتم الكشف عن الحقيقة بأكملها حتى الآن.

"إن تنفيذ قانون العدالة السلام لم يحقق العدالة والحقيقة ولم يوفر تعويضات على نحو كافٍ."
    وعلى سبيل المثال، لم تكشف جلسات المحاكمات عن الجهات التي نسقت الجماعات المسلحة وشجعتها ومولتها، وهذه معلومات مهمة جداً [لتفكيك هذه الجماعات على نحو كامل](http://www.ictj.org/node/15227). كما لم تنجح العملية في إعادة الممتلكات المسلوبة بطرق غير مشروعة إلى أصحابها الشرعيين، ولم تحقق سوى القليل لتقديم جبر الضرر للضحايا، وفقاً لما سعى القانون لتحقيقه.

ومنذ عام 2010، انتهجت حكومة الرئيس خوان مانويل سانتوس نهجاً أكثر انتظاماً بشأن العدالة الانتقالية. فأولاً، تم إقرار تشريع جديد القانون رقم 1424، الصادر في كانون الأول/ ديسمبر 2010) لمعالجة قضية الآلاف من عناصر الجماعات شبه العسكرية (الميليشيات) المسرّحين والذين لم تشملهم إجراءات قانون العدالة والسلام، ويتطلب القانون من عناصر الجماعات شبه العسكرية (الميليشيات) الذين يُعتقد بأنهم لم يرتكبوا جرائم خطيرة أن يشاركوا في عملية جديدة للبحث عن الحقيقة. وسيدير هذه العملية الجديدة مركز الذاكرة التاريخية، وهو مؤسسة حكومية مسؤولة عن سياسات البلد فيما يخص الذاكرة المرتبطة بالنزاع المسلح. وسيقدم عناصر الجماعات شبه العسكرية (الميليشيات) من خلال هذه الآلية الجديدة، والتي من المتوقع أن تبدأ في وقت لاحق من هذا الشهر، معلومات حول نشاطات الجماعات المسلحة غير القانونية وهياكلها والجهات التي تدعمها، وفي مقابل ذلك ستصدر بحقهم أحكام مع وقف التنفيذ عن اتهامات التآمر المشدد، وحيازة السلاح بصفة غير قانونية، وجرائم أخرى شبيهة أقل خطورة. ويعمل المركز الدولي للعدالة الانتقالية بصفة وثيقة مع مركز الذاكرة التاريخية لتطوير منهج للقيام بهذا الجهد واسع النطاق، والذي يُؤمل بأن يوفر عناصر جديدة بشأن حقيقة النزاع أمام المجتمع الكولومبي.

إضافة إلى ذلك، أُقر في حزيران/يونيو 2010 قانون الضحايا، وهو قانون شامل يهدف إلى توفير تعويضات متكاملة للضحايا من خلال إجراءات فردية وجماعية من بينها تعويضات اقتصادية، وإعادة تأهيل، واستعادة الأراضي، وإجراءات أخرى. ولكن كون عدد ضحايا النزاع يتجاوز 4 ملايين شخص فإن تنفيذ القانون هو أمر معقد جداً. وقد أنشأت الحكومة الكولومبية مؤسسة جديدة، تُعرف باسم ’وحدة الضحايا‘، كي تقوم بتنسيق هذه المهمة. ويتمثل التحدي الرئيسي أمامها في ضمان التنسيق المطلوب بين المؤسسات الحكومية العديدة وضمان إيجاد آليات تتيح مشاركة قوية من الضحايا.

ونحن نستند في عملنا لدعم تنفيذ قانون الضحايا إلى الخبرة التي اكتسبناها في بلدان أخرى، لذا فإننا نركز بصفة خاصة على تصميم التعويضات الجماعية، والتي بوسعها أن توفر ميداناً لإضفاء التكامل على النشاطات التي تقوم بها الدولة بخصوص الحقيقة وجبر الضرر وحتى العدالة الجنائية.

وخلال الأشهر العشرة الأخيرة، بدأت الحكومة أيضاً بتهيئة بعض الظروف الضرورية لصياغة حل سياسي للنزاع مع منظمات حرب العصابات (وأقواها القوات المسلحة الثورية لكولومبيا).

أما الأمر الأهم والأكثر ارتباطاً بالعدالة الانتقالية، فهو الإصلاح الدستوري الذي أقره الكونغرس الكولومبي بعد نقاشات مضنية، والمعروف باسم الإطار القانوني للسلام. ويوفر هذا الإصلاح قاعدة قانونية لترتيب الأولوليات للقضايا واختيارها مما يسهّل توجيه عملية الملاحقة القضائية في مسارات أكثر استراتيجية، مع تركيز قوي على تحديد الأشخاص الذين يتحملون المسؤولية الأكبر عن الانتهاكات التي ارتُكبت أثناء النزاع ومقاضاتهم.

إضافة إلى ذلك، وفّر الإصلاح الدستوري إطاراً للكونغرس كي يسنَّ عدة قوانين أخرى، بما فيها تشريعات لإعادة تعريف السلوكيات التي تُعتبر أعمالاً مرتبطة بالجرائم السياسية (وبالتالي إمكانية خضوعها لشكل من أشكال العفو أو المسامحة) لغرض السماح للمتمردين السابقين بالمشاركة في المجال السياسي؛ ولتحديد معاملة مختلفة للاطراف المختلفة في النزاع؛ واستحداث آليات قضائية وغير قضائية لضمان التزامات الدولة بالتحقيق بالجرائم المرتكبة أثناء النزاع ومعاقبة مرتكبيها؛ وتأسيس لجنة الحقيقة.    
"وخلال الأشهر العشرة الأخيرة، بدأت الحكومة أيضاً بتهيئة بعض الظروف الضرورية لصياغة حل سياسي للنزاع مع منظمات حرب العصابات"

لقد كان الحوار العام الذي جرى على امتداد الأشهر الأخيرة مهماً جداً لتحقيق فهم عام للتحديات التي تعيق إرساء السلام، وساعد على تحديد بعض المعايير بشأن ما يمكن اعتباره مقبولاً فيما يخص المحاسبة على الجرائم التي ارتُكبت أثناء النزاع. وفي حين تمثل الإصلاحات الدستورية خطوة مهمة للمفاوضات، إلا أن العديد من التفاصيل المتعلقة بالمحاسبة ستتحدد في الواقع من خلال قوانين التنفيذ.

ونحن سنتابع تلك الحوارات متابعة حثيثة وسنحاول المساهمة بمدخلات مستمدة من أفضل الممارسات على الصعيد الدولي ومن الواقع السياسي والقضائي الشديد التعقيد في كولومبيا.

من المخطط أن تبدأ جولات جديدة من المفاوضات بين حكومة كولومبيا والقوات المسلحة الثورية لكولومبيا في 14 تشرين الأول/ أكتوبر في أوسلو. وهذه المحادثات تبعث الأمل لدى العديد من الكولومبيين لتحقيق سلام دائم. فما هي التحديات الرئيسية التي تواجه المتفاوضين عندما يتعلق الأمر بقضايا المحاسبة؟ وكيف ستؤثر عمليات العدالة الانتقالية الجارية حالياً على المفاوضات، والعكس؟

يتمثّل التحدي الرئيسي للمفاوضات في حقيقة أن إنهاء النزاع مع القوات المسلحة الثورية لكولمبيا يعتمد على نبذ السلاح في مقابل المشاركة في الميدان السياسي. وهذا قد يعني إتاحة الإمكانية بأن يشمل العفو جرائم سياسية وجرائم مرتبطة بها وتطبيق إجراءات محاسبة أخرى بخصوص جرائم أخرى. ويُعتبر أن قادة القوات المسلحة الثورية لكولومبيا يتحملون المسؤولية الأكبر عن ارتكاب انتهاكات خطيرة، ولن يكونوا مؤهلين بموجب القانون الجنائي الطبيعي للمشاركة السياسية مستقبلاً.

ومع ذلك، يصنّف الدستور الكولومبي أنواع قليلة من النشاط الإجرامي، مثل التحريض، على أنها جرائم سياسية، ويتيح إمكانية العفو للذين ارتكبوا مثل هذه الجرائم وما يسمى "الجرائم المرتبطة"، لذا يمكنهم المشاركة في النشاطات السياسية وأن يتم انتخابهم.

"إنهاء النزاع مع القوات المسلحة الثورية لكولمبيا يعتمد على نبذ السلاح في مقابل المشاركة في الميدان السياسي."
    وفي الغالب، يواجه المشرعون أثناء مفاوضات السلام مشكلة كيفية تعريف الجرائم السياسية والجرائم المرتبطة بها بطريقة غير متشددة بحيث لا تصبح عقبة لا يمكن تجاوزها في طريق إرسال السلام، وفي الوقت نفسه ألا يكون هذا التعريف مفرطاً في مرونته بحيث ينتهك القانون الدولي أو يطلق رسالة للعامة بأن الجناة سيفلتون من العقاب. ولمراعاة هذا الأمر، فإن الإصلاح الدستوري المذكور أعلاه يستثني بوضوح الجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية من السلوكيات التي تُعتبر جرائم سياسية.

وضمن هذه الحدود، لا تزال التحديات في غاية التعقيد أمام كولومبيا؛ ويأمل المركز الدولي للعدالة الانتقالية بتطوير تحليلات حول هذه القضايا من شأنها المساهمة في هذه المفاوضات.

لقد وفر الوعي المتزايد بين الجمهور حول عمليات العدالة الانتقالية الجارية أساساً مفيداً للنقاشات التي تتناول الإجراءات المستقبلية للعدالة الانتقالية التي ستنشأ في سياق اتفاقية السلام التي ستُوقع في نهاية المطاف مع القوات المسلحة الثورية لكولومبيا. كما أن العمل الذي أُنجز خلال السنوات السبع الماضية بشأن هذه القضايا ساعد أيضاً على خلق إقرار عام بحقوق الضحايا وزاد الوعي الاجتماعي بشأن العمليات التي تتعامل مع الحقيقة والذاكرة. وقبل عام 2005، كانت مفاهيم مثل العدالة الانتقالية ومصطلحات مثل "الضحايا" نادراً ما تُذكر في مجتمعنا. وتُظهر خبرتنا في كولومبيا، حيث يمثل السلوك الإجرامي مشكلة هائلة ومنهجية، أن العدالة الانتقالية التي تُعتبر نهجاً متكاملاً لتحقيق المحاسبة، تؤدي دوراً رئيسياً في إرساء السلام الدائم.

على الرغم من الملاحقات القضائية القليلة التي قامت بها الدولة في كولومبيا، إلا أن هذه الأخيرة لم تحقق مع الأشخاص الذين يتحملون المسؤولية الأكبر عن ارتكاب الجرائم المنهجية الهائلة ولم تقاضيهم. ويزعُم البعض بأنه من دون الكشف عن دور الجهات السياسية والتجارية الفاعلة في ارتكاب الجرائم والفساد في مؤسسات الدولة، لا يمكن أن يحدث انتقال ناجح في كولومبيا. فما هي برأيكِ الأولويات لمعالجة هذا الأمر، وهل توجد إرادة سياسية لدى المؤسسات المعنية لملاحقة الأشخاص الذين يتحملون المسؤولية الأكبر؟ وهل يقدم المركز الدولي للعدالة الانتقالية دعماً لنظام العدالة لتحقيق هذه الغاية؟

لقد شدد المركز الدولي للعدالة الانتقالية على الحاجة إلى تفكيك الهياكل الجنائية المسؤولة عن الانتهاكات الجماعية الهائلة لحقوق الإنسان. ولغاية الآن، لم يكشف قانون العدالة والسلام كشفاً كاملاً عن هوية الأشخاص الذين يتحملون المسؤولية الأكبر عن الانتهاكات، بمن فيهم الأشخاص الذين قدموا دعماً سياسياً ومالياً الجماعات شبه العسكرية (ميليشيات) وحددوا نشاطاتها. وعلى الرغم من أن بضعة أسماء بدأت تظهر من التحقيقات خلال عام 2012، إلا أن التركيز ما يزال منصباً إلى حدٍّ كبير على القادة العسكريين لتلك المنظمات، وذلك لا يعكس التعقيد الفعلي لتلك الهياكل ولجميع العوامل التي جعلتها قابلة للاستمرار.

إن العقبة الرئيسية أمام الدفع بالملاحقات القضائية هي الافتقار إلى نهج فاعل للتعامل مع الجرائم النظامية والذي ينبغي أن يركز على تحليل الكيفية التي عملت فيها تلك الهياكل، وتحديد الأشخاص الذين يتحملون المسؤولية الأكبر. وقد وفّر المركز الدولي للعدالة الانتقالية مساعدة فنية لمحكمتي العدالة والسلام في بوغوتا وفي ميديلين من أجل إعداد تحليلات تكشف عن تعقيد الهياكل وشبكات الدعم التي مكنتها من ارتكاب الجرائم. وخلال الفترة الأخيرة، بدأ المركز بتوفير خبرات فنية لمكتب الادعاء العام من أجل إقامة ’وحدة السياق والتحليلات‘، واستند المركز في ذلك إلى خبرته العملية السابقة في تحليل السياق في كولومبيا وعدد من البلدان الأخرى.

تتسم قضايا الذاكرة وتخليد الذكرى بأهمية كبيرة للمجتمع الكولومبي. وثمة مبادرات عديدة للمجتمع المدني المحلي في هذا المجال؛ كما رعت الدولة تقارير للمحافظة على ذاكرة النزاع تعدّها مجموعة ’الذاكرة التاريخية‘و ’اللجنة الوطنية جبر الضرر والمصالحة‘؛ وقد أقام المركز الدولي للعدالة الانتقالية شراكات مع منظمات مثل ’مركز الذاكرة التاريخية‘ و ’مركز بوغوتا للذاكرة والسلام والمصالحة‘ بهدف تشجيع إرساء الذاكرة الوطنية بشأن النزاع. كيف يمكن للمبادرات المعنية بالذاكرة أن تساهم في تعاطي المجتمع مع المعاناة التي نجمت عن النزاع؟

المبادرات المعنية بالذاكرة تساعد على معالجة التأثير الذي تركه العنف على الضحايا وعلى المجتمع الأوسع. وفي كولومبيا، تدرك المجتمعات المحلية التي عانت من العنف أهمية هذه المبادرات إدراكاً فطرياً، وهي تقوم باستمرار بتنظيم نشاطات لتخليد الذكرى مثل مسيرات الشموع والعودة الرمزية إلى البلدات التي فروا منها، ونشاطات أخرى للمحافظة على التقاليد. وتساعد هذه المبادرات على الإقرار بكرامة الضحايا وبوسعها نشر الوعي بين الجمهور حول كلفة النزاع التي تحملها آلاف المواطنين.

وعلى الرغم من هذه الجهود، ما زال أمامنا طريق طويل كي نتمكن من القول إن معظم الكولومبيين يدركون التأثير الحقيقي الذي تركه العنف على الضحايا أو على المجتمع ككل. كما أن الطريق أطول حتى يدرك المجتمع كيف أدى النزاع إلى إفساد مؤسساته، وحتى يسعى إلى إصلاحها.

وعلى الرغم من هذه الجهود، ما زال أمامنا طريق طويل كي نتمكن من القول إن معظم الكولومبيين يدركون التأثير الحقيقي الذي تركه العنف على الضحايا أو على المجتمع ككل. كما أن الطريق أطول حتى يدرك المجتمع كيف أدى النزاع إلى إفساد مؤسساته، وحتى يسعى إلى إصلاحها.    
"ما زال أمامنا طريق طويل كي نتمكن من القول إن معظم الكولومبيين يدركون التأثير الحقيقي الذي تركه العنف على الضحايا أو على المجتمع ككل."

لقد قدمنا الدعم لبعض المجتمعات المحلية في مبادراتها لتخليد الذكرى، مثل جماعة ’ناسا‘ من السكان الأصليين في منطقة كاوكا، وذلك من خلال منظمتهم الرئيسية ’جمعية حكومات الشعوب الأصلية لشمال كاوكا‘ (ACIN). كما قدمنا دعماً للمساعدة في التأثير على السياسات العامة المعنية بالذاكرة، مثلاً من خلال مشاركة الضحايا في نشاطات مثل مؤتمر "الذاكرة: السياسات العامة من أجل التحوّل"، والذي نظمناه بالتعاون مع منظمات آخرى في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. وقد شاركت عشرات المنظمات المعنية بهذا الموضوع من جميع أنحاء البلاد للتحاور مع المسؤولين الحكوميين حول مقترحاتها بشأن دور متحف الذاكرة ومركز الذاكرة التاريخية، وكلاهما أقيم نتيجة لإقرار قانون الضحايا.

ربما تكون القوة الأكثر فاعلية في عمليات العدالة الانتقالية في كولومبيا هي المجتمع المدني الحيوي. وقد شرعت العديد من جماعات حقوق الإنسان ومنظمات الضحايا بنشاطات معنية بالمصارحة والذاكرة التاريخية على مستوى الأوساط الشعبية، إضافة إلى عمليات محلية أخرى مثل التي وصفتها. ما هو تأثير مبادرات المجتمع المدني وكيف يعمل المركز الدولي للعدالة الانتقالية على دعمها؟

يؤدي المجتمع المدني في كولومبيا دوراً مهماً جداً في العدالة الانتقالية. وتعمل منظمات غير حكومية في جميع أنحاء البلاد على دعم الضحايا في ميادين مختلفة: فبعضها يوفر مساعدة قانونية للضحايا، في حين يتخصص بعضها الآخر في توفير الدعم النفسي والاجتماعي أو في مساعدة الضحايا في الحصول على جبر الضرر. كما قامت منظمات المجتمع المدني بدور مهم جداً في إقامة النُصب التذكارية، كما ذكرتُ سابقاً. وعملت بعض المنظمات على إجراء أبحاث حول قضايا النوع الاجتماعي والأطفال في سياق النزاع.

يعمل المركز الدولي للعدالة الانتقالية للمساعدة على زيادة مشاركة المجتمع المدني وتعزيز تأثيره في تطوير إجراءات العدالة الانتقالية، خصوصاً من خلال إتاحة الفرص لإجراء حوارات بين مسؤولين رسميين وممثلي المجتمع المدني. إضافة إلى ذلك، لدينا منتدى دائم مع منظمات المجتمع المدني في عدة مدن حيث نناقش قضايا محاسبة مرتكبي الانتهاكات، ونوفر خبرات بشأن قضايا العدالة الانتقالية. وقد كان هذا المنتدى مفيداً لنا إذ أنه وفر لنا أساساً حقيقياً نبني عليه تحليلاتنا وتوصياتنا العامة.

ظل المركز الدولي للعدالة الانتقالية يعمل في كولومبيا منذ عدة أعوام، كما أن أكبر مكتب له خارج المقر في نيويورك هو مكتبه في بوغوتا. فما كان تأثير تواجد المركز في كولومبياعلى عمليات العدالة الانتقالية في البلد، وكيف ترين مستقبل انخراطه في هذه العملية؟

أعتقد أن المركز الدولي للعدالة الانتقالية لعب دوراً رئيسياً في عملية العدالة الانتقالية في كولومبيا بسبب سعيه للعمل مع جميع الجهات المعنية بهذه العملية. فأولاً، قدم خبراته وتوصياته إلى المسؤولين عن وضع السياسات العامة بشأن العدالة الانتقالية وإلى المؤسسات الحكومية التي تقوم بتنفيذ هذه السياسات. كما عملنا باستمرار مع النظام العدلي، مثل محكمة العدل العليا والمؤسسات المعنية بالعدالة وعملية السلام.

"ما تزال كولومبيا أحد أصعب الأماكن في العالم للعدالة الانتقالية: ولكن أظهر المركز الدولي للعدالة الانتقالية أنه جاهز وقادر على التصدي لهذا التحدي."
    ويواصل المركز الدولي للعدالة الانتقالية عمله لتحقيق فهم مشترك للعدالة الانتقالية مع مجموعة من منظمات المجتمع المدني ومنظمات الضحايا ويعمل معها للمساعدة على ضمان المساهمة بمدخلات فاعلة في القرارات السياسية ذات الصلة. ونحن نواصل تطوير تعاملنا مع أعضاء المجتمع الدولي الذين يعملون على دعم العدالة الانتقالية في كولومبيا من أجل تبادل التحليلات ووجهات النظر بشأن التحديات المشتركة.

وعلى امتداد السنوات السبع الماضية، ساهم المركز الدولي للعدالة الانتقالية في تحقيق فهم أفضل للعدالة الانتقالية في هذا البلد الذي يحتاج إلى نهج متكامل لمعالجة انتهاكات حقوق الإنسان المنهجية والمستمرة منذ فترة طويلة. ونظراً لتنوع الجهات الفاعلة، والتي يرتبط كل منها بالنزاع بطرق مختلفة، فإن اعتماد نهج متكامل بشأن إجراءات العدالة الانتقالية الحالية والمستقبلية أهم من أي وقت مضى.

ما تزال كولومبيا أحد أصعب الأماكن في العالم للعدالة الانتقالية: ولكن أظهر المركز الدولي للعدالة الانتقالية أنه جاهز وقادر على التصدي لهذا التحدي.

الصورة: مواطنون يشاركون في تظاهرة ضد الحرب خارج المحكمة الدستورية في بوغوتا في 13 حزيران/ يونيو 2012. إيتان أبراموفيتش / وكالة الأنباء الفرنسية/ GettyImages