عندما تتصدّر المرأة اللّيبية المشهد

17/05/2024

لا تختبر النساء والرجال انتهاكات حقوق الإنسان بنفس الطريقة. فهذه الانتهاكات وأي استجابة رسمية لها تؤثر على حياة النساء بطرق مختلفة وعميقة وغالبًا ما تكون غير مرئية وغير معلنة. بالنسبة لمجتمع يتصارع مع الفظائع الجماعية، من المهم تسليط الضوء على هذه التجارب المتنوعة، إذا ما أريد الاعتراف بها وإصلاحها. لذلك وجب خلق مساحة للضحايا من النساء لتبادل تجاربهن، لا سيما في السّياقات التي لم يتم فيها بعد إِحْداث عملية بحث عن الحقيقة أو أي آلية رسمية أخرى للعدالة الانتقالية. وليبيا هي إحدى هذه الدول. للمساعدة في رفع أصوات النساء الضحايا والمدافعين عن حقوق الإنسان هناك، يتعاون المركز الدولي للعدالة الانتقالية مع منظمات مختلفة من المجتمع المدني تقودها النساء منذ سنة 2019، حيث يجمعها معًا ويساعدها على بناء قدراتها. وجزئيّا من خلال هذه الجهود، نمت هذه المنظمات لتصبح شبكة مناصرة حيوية تسعى جاهدة الآن إلى تشكيل أجندة العدالة الانتقالية في البلاد.

في ديسمبر 2022، التقت رئيسة برنامج ليبيا في المركز الدولي للعدالة الانتقالية ريم القنطري بالدكتورة تركية الوعر، مديرة منظمة أطوار التي تدعم العمل على بناء قدرات المجموعات النسائية وتعزيز مشاركتها في المجتمع إلى جانب إجراء ونشر البحوث حول مختلف الظّواهر المجتمعية. كما شاركت الدكتورة الوعر، وهي أستاذة في علم الاجتماع، في تأسيس تحالف النساء من أجل السلام والعدالة في ليبيا، الذي يتألف من 17 منظمة نسائية ليبيّة تمثل مختلف المناطق وشرائح المجتمع.

ويعمل التحالف على ضمان أخذ وجهات نظر النساء ومطالبهن في الاعتبار في العملية السياسيّة لوضع أساس دستوري للانتخابات، التي يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها البوابة لإنهاء النزاع الأهلي المستمر منذ سنوات، فضلاً عن الجهود المبذولة لبناء المصالحة الوطنية. "شاركت المرأة في ليبيا في الثورة وعملت جنبًا إلى جنب مع الرجل ومضت إلى جانبه خطوة بخطوة"، توضّح مستشارة الائتلاف الدكتورة فيروز النعّاس. وأضافت: "المرأة معنيّة بالاستقرار السياسي، ولهذا السبب نعمل على القاعدة الدستورية والقوانين الانتخابية."

 في ذلك اللقاء المصيري في شهر ديسمبر/كانون الأول، قامت السيدة القنطري والدكتورة الواعر بتأسيس شراكة بين المركز الدولي للعدالة الانتقالية والتحالف لا تزال مستمرة حتى اليوم. كجزء من هذا التعاون، بدأ المركز الدولي للعدالة الانتقالية باستضافة اجتماعات نصف شهرية عبر الإنترنت مع أعضاء التحالف المعني بالعدالة الانتقالية لتحسين معرفتهم بالمجال وبناء قدراتهم على الدفاع عن عمليات العدالة ذات الصلة ومشاركتهم الفعّالة فيها. 

Libyan Women listening to the Tunisian Women TJ network
ناشطات تونسيات وأعضاء شبكة "العدالة الانتقالية للنساء أيضًا" يعرضن كيفية تشكيل تحالفهن والتحديات التي واجهنها في ورشة عمل فبراير 2023 في تونس. (المركز الدولي للعدالة الانتقالية)

وقبل أشهر قليلة من هذه الاجتماعات، في يونيو/حزيران 2022، طرح المجلس الرئاسي الليبي استراتيجية المصالحة الوطنية التي تضمنت إنشاء لجنة فنّية مكلّفة بصياغة قانون العدالة الانتقالية. ولذلك كان من الأهميّة بمكان تزويد هؤلاء النساء بالمعرفة والأدوات اللازمة للدفاع بشكل فعّال عن نسخة من القانون تضمن مشاركة النساء بشكل هادف في أي عملية وتؤكّد حقوقهن في الإقرار بما كابدن والانصاف وقد كثّف المركز الدولي للعدالة الانتقالية دعمه لعضوات التحالف في هذا الصدد. وفي فبراير 2023، دعاهنّ إلى ورشة عمل حضوريّة في تونس حول أهميّة مشاركة المرأة في عمليات العدالة الانتقالية. وكان من بين الحضور أعضاء الشبكة التونسية "العدالة الانتقالية للنساء أيضا"، وقد شاركت بعضهن في جلسات الاستماع العلنيّة مع الضحايا التي عقدت قبل إنشاء هيئة الحقيقة والكرامة التونسية. وتمكنت المشاركات الليبيّات   من التعلم بشكل مباشر من تجارب نظيراتهن التونسيّات وفهم الأهمية العمليّة للتواصل والضغط بقوة من أجل إدماج المرأة ومشاركتها في هذه المسارات.

 وتصادف أن عقدت ورشة العمل هذه بعد أيام قليلة من إصدار مجلس النوّاب الليبي من جانب واحد التعديل الدستوري الثالث عشر المثير للجدل .. والجدير بالذكر أن أحد البنود الواردة في التعديل قد نصّ على تخصيص كوتا في المجلس تقضي بتخصيص 20 في المائة فقط من المقاعد للنائبات.

واغتنم التحالف الفرصة وأصدر بياناً في ورشة العمل رفض فيه التعديل وانتقد بشدة العملية التي جاء بها، والتي افتقرت إلى أي مشاركة حقيقية للنساء. وشدّد التحالف في بيانه على ضرورة إجراء مشاورات مع أبناء الشعب من كافة شرائح المجتمع وأخذ وجهات نظرهم ومطالبهم بعين الاعتبار قبل إصدار أي قانون وطني بشأن المصالحة. كما دعا المجتمع الدولي إلى احترام إرادة الشعب الليبي في السعي نحو الديمقراطية واختيار ممثليه وقادته من خلال انتخابات حرة ونزيهة. وقد تناقلت العديد من وسائل الإعلام في ليبيا البيان ونشرت تقارير عنه، حيث قام أعضاء التحالف بمشاركته مع وسائل الإعلام. ونجحت التغطية الإعلامية الواسعة في نشر رسالة التحالف وكسب حلفاء جدد، حيث طلبت مختلف المنظمات والشخصيات العامة المشاركة في التوقيع على البيان. ووفقًا للدكتورة تركية الوعر،” كان للمركز الدولي للعدالة الانتقالية دورا كبيرا، حيث أتاح للتحالف مساحة للاجتماع والتشاور حول وضع رؤية لمساري العدالة الانتقالية وكذلك القاعدة الدستورية. “

وتُوّجت هذه الأنشطة بمؤتمر وطني حول العدالة الانتقالية، عُقد في طرابلس في يوليو/تمّوز 2023. وحضر هذا المؤتمر أعضاء من أكثر من 20 منظمة مجتمع مدني ليبية تمثل الضحايا من مختلف الحقب الزمنية وشرائح المجتمع. واتفق المشاركون في المؤتمر على إنشاء تحالف واسع النطاق من منظمات الضحايا بالإضافة إلى شبكة من المنظمات التي تمثل الضحايا من النّساء، وأمهات، وزوجات الضحايا، والمفقودين.

مشارك ليبي يقرأ مذكرة البرنامج والمفهوم لورشة عمل فبراير 2023 في تونس.
مشاركة ليبية تقرأ البرنامج والمذكرة المفاهيمية لورشة العمل - فبراير 2023، تونس. (المركز الدولي للعدالة الانتقالية)

واستناداً إلى هذا الزّخم، نظّم المركز الدولي للعدالة الانتقالية، في فبراير/شباط 2024، تدريبًا للناشطات الليبيات حول أهمية مشاركة المرأة في عمليات العدالة الانتقالية وصنع السّياسات ذات الصلة وكيفية ضمان حدوث ذلك في الممارسة العملية. حضر التدريب في تونس أكثر من 20 ناشطة ليبيّة من خلفيات ومناطق عديدة، حيث التقين بخبراء وممارسين في مجال العدالة الانتقالية من جميع أنحاء العالم للتعرف على الدور الفاعل الذي لعبته النساء في بلدان أخرى لكشف الحقيقة وتعزيز حقوقهن. وكانت استجابة المشاركات لورشة العمل إيجابية للغاية.  وعندما سُئلت إحدى الناشطات عن كيفية استخدام المعرفة التي اكتسبتها خلال التدريب، قالت:” أولاً عائلتي ... لقد تحدثت إليهم بكل تفاصيل التدريب ومسارات العدالة الانتقالية وشرحت لهم كل ما رأيت وسمعت في تونس ... بعد ذلك، سأعمل على نشر مفهوم العدالة الانتقالية في شكل جلسات حوارية وورش عمل للنساء في مختلف المناطق. “

يفتخر المركز الدولي للعدالة الانتقالية بما أنجزته هؤلاء النساء الليبيات حتى الآن في إيصال أصوات الضّحايا من النساء والمدافعات عن حقوقهن وضمان مشاركتهن بشكل هادف في عملية العدالة الانتقالية الناشئة في البلاد. ومع ذلك، فإن الطريق إلى السّلام والعدالة طويل، ومليء بالمنعطفات والمنعرجات. ومن جانبه، سيرافق المركز الدولي للعدالة الانتقالية التحالف في هذه الرحلة وسيواصل تقديم مشورة الخبراء والتجارب المقارنة والمساعدة الفنية.

______________

الصورة: مديرة برنامج ليبيا في المركز الدولي للعدالة الانتقالية، ريم القنطري، تقود مناقشة جماعية حول مشروع قانون المصالحة في ليبيا في ورشة العمل الأولى التي نظمها المركز الدولي للعدالة الانتقالية في تونس في فبراير 2023. (المركز الدولي للعدالة الانتقالية)