ثلاث تحديات تهدد نجاح محاكمة مبارك وأعوانه

06/08/2011

بقلم معتز الفجيري

المحاكمات المحلية فى المجتمعات الانتقالية تواجه تحديات عظيمة، خصوصا إذا كان التحول السياسى غير مكتمل، أو أن تكون مؤسسات الدولة التى ارتكبت وتسترت على جرائم حقوق الإنسان فى ظل النظام السابق، هى ذاتها المؤسسات التى تقود عملية التحقيقات والمحاسبة بعد سقوط النظام الاستبدادى، دون أن يطولها عملية إصلاح وإعادة هيكلة جذرية، بحيث تنال ثقة المجتمع. النموذج المصرى ليس غريبا عن هذا النسق، فعلى الرغم من أهمية اتساع نطاق وسرعة مثول رؤوس النظام السابق بشكل غير مسبوق للتحقيق والمحاكمة، بالمقارنة مع دول فى مناطق أخرى من العالم مثل تشيلى والأرجنتين وبيرو، التى أخذ مسار العدالة الجنائية فيها سنوات طويلة قبل أن يرى الضحايا الجلادين وراء القضبان، إلا أن مسلسل المحاكمات فى مصر يواجه تحديات قد تفرز نتائج غير مرجوة بالمرة من عملية المحاكمات فى المجتمعات الانتقالية، تهدد من ثقة الرأى العام فى القضاء، وتعزز من الشعور بالانتقام السياسى، والانقسام فى المجتمع، الأمر الذى يتطلب استراتيجية جديدة من جانب القضاء المصرى، النيابة العامة، والسلطة الانتقالية فى مصر.

أول أهم هذه التحديات هو عدم قدرة القضاء المصرى فى وضعه الحالى على إتمام المحاكمات بشكل فعال وكفء.

لا شك أن القضاء المصري له تقاليد رفيعة وتاريخ بارز بين دول المنطقة العربية، لكنها المرة الأولى التى يواجه فيها القضاء المصرى هذا الكم من القضايا والمتهمين ذوى الخلفيات السياسية والأمنية الحساسة، فضلا عن جرائم تتسم بالغموض والتعقيد، راح ضحيتها هذا العدد الكبير من الضحايا. إن مواجهة هذا الأمر تحتاج إلى إجراءات غير عادية، ربما تختلف عن الإجراءات التى يتبعها القضاء فى القضايا الجنائية العادية.

فالتحقيقات التى أجريت على مدار الشهور القليلة الماضية لم تكتسب ثقة الرأى العام، ممثلا فى منظمات حقوق الإنسان المصرية، والمحامين، وعدد من القضاة الإصلاحيين، وأهالى الضحايا. السبب الرئيسى وراء غياب الثقة يرجع إلى عدة أسباب، فى مقدمتها أن هذه التحقيقات تشرف عليها النيابة العامة، بقيادة النائب العام المعين من قبل مبارك.

التحقيق فى مقتل وإصابة المتظاهرين فى أثناء الثورة المصرية تم فى عجالة شديدة، وتحت ضغط شعبى زاعق، ومن الصعب تصور تحقيق مهنى دقيق فى جرائم على قدر كبير من الخطورة فى هذا المناخ. ويكفى القول إنه حتى الآن هناك التباس كبير فى تحليل بعض وقائع العنف التى حدثت وقت الثورة، التى لم يكشفها تقرير لجنة تقصى الحقائق الرسمية التى شكلت بقرار من رئيس الوزراء أو تحقيقات النيابة. ما يهدد أيضا التحقيقات هو غياب إجراءات خاصة فى القانون المصرى، لحماية الشهود والضحايا، وقد رصدت منظمات حقوق الإنسان فى مصر حالات كثيرة لضغوط تمارس على الشهود وأسر الضحايا من قبل ضباط شرطة متهمين بقتل المتظاهرين، لتغيير شهاداتهم أو عدم التقدم ببلاغات للنيابة العامة.

ثانى الإشكاليات المتعلقة بالمحاكمات الجنائية التى تجرى حاليا فى مصر هى تزايد لغة الانتقام السياسى من جانب المجتمع، والضغوط الشعبية على القضاة لسرعة المحاكمات. للوهلة الأولى فإن مطالب الرأى العام بسرعة المحاكمات يمكن تفهمها على ضوء غياب الشفافية الكاملة فى عملية المحاكمات، وصعوبة مشاركة الضحايا وأسرهم للمحاكمات، كما أنه ليس من تقاليد القضاء فى مصر أن يقيم علاقة اتصالية بالرأى العام والإعلام، لإطلاعه على تفاصيل وإجراءات المحاكمات، مما يفتح الباب أمام التكهنات والشائعات حول التحقيقات والمحاكمات، وعلى الرغم من أهمية بعض الإجراءات التى تم اتخاذها مؤخراً من جانب مجلس القضاء الأعلى، لضمان علانية المحاكمات ومشاركة الضحايا، فإن هناك خطوات أخرى يحتاج أن يعتمدها القضاء المصرى، لبناء جسور الثقة مع الرأى العام. فالعدالة وحكم القانون هى الأسس التى قامت عليها الثورة المصرية، وليس اعتماد النهج، الذى كان يتبعه نظام مبارك مع خصومه السياسيين.

ثالثا: من الواضح أن معظم الخطوات الإصلاحية فى ظل العملية الانتقالية تأتى فقط فى إطار رد الفعل لضغوط الشارع، دون أن يكون هناك خارطة طريق واضحة لتقصى الحقيقة، وتعويض ضحايا انتهكات حقوق الإنسان، وإصلاح مؤسسات الأمن والقضاء وتخليد ذكرى الضحايا.

ثانى الأمور التى تضعف من أثر المحاكمات الجنائية الجارية الآن هى أن التحقيقات والاتهامات الموجهة إلى أعضاء النظام السابق لم تتجاوز وقائع جرائم القتل والعنف التى وقعت خلال الـ18 يوما للثورة المصرية، دونما العودة إلى الوراء لتقديم صورة شاملة عن إدارة الدولة خلال العقود السابقة. إن منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية، فضلا عن لجان حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، طالما وثقت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان تجرى فى مصر، خصوصا فى سياق مكافحة الإرهاب مثل التعذيب والقتل خارج نطاق القانون، والاعتقال طويل المدة بشكل تعسفى، والاختفاء القسرى. لكن حتى الآن لا يبدو أن هناك إرادة سياسية لكشف مثل هذه الجرائم والمحاسبة عنها.

إن اللحظة السياسية الحالية فى مصر يمكن توظيفها، من أجل ترسيخ دولة القانون والديمقراطية وحقوق الإنسان، ويمكن للمحاكمات الجنائية التى تجرى الآن لرموز النظام السابق، وعلى رأسهم مبارك، أن تسهم فى هذا المسار. لكن ما لم يتم التعامل مع التحديات التى تهدد سلامة هذه المحاكمات، فإن مسار العدالة الجنائية قد تنتج عنه آثار خطيرة على تماسك المجتمع واستقراره، وثقة الشعب فى القضاء.

معتز الفجيري هو نائب مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال افريقيا في المركز الدولي للعدالة الانتقالية.

نشرت هذه المقالة في جريدة التحرير

الصورة: 4 آب/أغسطس 2011 - شاشة عملاقة تنقل وقاءع محاكمة وزير الداخلية السابق حبيب العادلي في محكمة جنايات القاهرة. . مروان نعماني/أ ف ب/Getty Images