في 4 شباط/ فبراير2021 انضمّ الناشط البارز والمُفكّر والكاتب والمنتج الفني لُقمان سليم إلى قائمة ضحايا العنف والإفلات من العقاب في لبنان. فقد عُثِرَ على الناشط السياسي والحقوقي مقتولًا في سيارته في جنوب لبنان.
وُلد لقمان سليم في العام 1962 في حارة حريك في ضاحية بيروت الجنوبية، ثمّ انتقل في العام 1982 إلى فرنسا حيث استقرَّ ودرس الفلسفة في جامعة السّوربون. عاد لُقمان إلى بيروت في العام 1988 حيث أسّس دار الجديد التي تهتم بنشر الأدب العربي والأبحاث الفكرية.
في العام 2001، أسّس لقمان شركة "أمم للإنتاج" فأنتجت عددًا من الأفلام الوثائقية الرّائدة التي حازت جوائز عدة مثل فيلم "المجزرة" (وعنوانه الأصلي بالألمانية Massaker) الذي يستعرض سِيَر ودوافع ستّة من الجناة المسؤولين عن مجازر صبرا وشاتيلا التي ارتُكِبَت في لبنان في العام 1982 وقُتل فيها بدمٍ بارد ما بين ألف وثلاثة آلاف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال والمسنّين. نال هذا الفيلم، الّذي شاركَ لقمان في إخراجه، جائزة فيبرسكي في المهرجان الدولي للأفلام في برلين في العام 2005. ومن الأفلام الأخرى الّتي حازت جوائزَ وشاركَ لقمان في إخراجها هو فيلم "تدمر" الّذي أُنتجَ في العام 2016 ويدور حول اثني وعشرين رجلًا يروي، كلٌّ منهم، قصّةَ تعذيبه ونجاته من واحدٍ من أكثر السجون السورية رعبًا.
وعلى مدى حوالى عقدَيْن من الزمن، كرّس لُقمان نفسه للحفاظ على ذاكرة الحرب اللبنانية ولنشر الوعي حول أهمية معالجة آثار الحرب. في العام 2004 شارك لقمان في تأسيس منظمة أمم للتوثيق والأبحاث التي تهدف إلى محاولة الحفاظ على ذاكرة الحرب الجماعية من خلال وضع أرشيفٍ في متناول العامّة من النّاس، يتضمن موادَّ اجتماعية وسياسية متعلقة بالحرب. هذا وتنظّم أمم نشاطات ثقافية، وعروضَ أفلامٍ، ومعارض صور ونقاشات عامة حول موضوع الذاكرة والنزاعات الأهلية.
خلال دورة العام 2005 من الانتخابات النيابية اللّبنانيّة، أطلق لقمان مشروع "هيا بنا" وهي مبادرة تشجّع اللبنانيين على الانخراط في العملية السياسية وعلى مقاومة ثقافة الخوف والتعصّب. وينفّذ مشروع "هيا بنا" حالياً مشاريع المناصرة الشعبية على الصعيد الوطني ولا سيما في المجتمعات الشيعية.
لطالما كان لقمان، طوالَ حياته وسيرته المهنيّة، مناصرًا دائمًا للحقيقة والعدالة ولقضية المفقودين والمخفيين قسرًا. ودائمًا ما كان يشدّد على أهمية معالجة الماضي وضرورة مشاركة الدروس المستفادة مع الجيل الجديد للمساهمة في منع تكرار العنف وانتهاكات حقوق الإنسان.
تعاون المركز الدولي للعدالة الانتقالية مع منظمة أمم ولقمان في العام 2011 على مشروع "بدنا نعرف" الذي جمع ملخصات حوالى مئة مقابلة مسجّلة أُجرِيَت مع ناس عاشوا خلال الحرب اللبنانية، وقد أجرى هذه المقابلات طلابٌ من اثنتي عشرة مدرسة في بيروت وضواحيها. وقد هدف هذا المشروع إلى نشر الوعي بين الشباب اللبناني حول الآثار السلبية الّتي يخلّفه العنف السياسي. وعلى مدى السنوات اللاحقة، واصلَ المركز الدّولي للعدالة الانتقاليّة العملَ مع لقمان عن كثبٍ. فقد شاركنا معًا كَعضوَيْن في ائتلاف منظمات المجتمع المدني في صياغة "برنامج للتغيير" كما شاركنا في عضوية منتدى الذاكرة والغد، وهو منصة مفتوحة تجمع عددًا من جمعيات المجتمع المدني والأفراد والأكاديميين الذين يعملونَ على مسائلَ تتعلّقُ بمعالجة الماضي ويهدفون إلى نشر الوعي حول أهمية التعامل مع الماضي وآثاره في الحاضر وفي المستقبل.
لقد استنكر المجتمع المدني والقادة السياسيون والمجتمع الدولي بشدّة اغتيال لقمان. وليسَ مَقتل لقمان الوحشي هذا سوى الاغتيال الأحدث ضمنَ سلسلةٍ متمادية من الاغتيالات التي طالت سياسيين وناشطين وصحافيين، كانت قد بدأت في العام 2004 بمحاولةِ اغتيال النائب والوزير السابق مروان حمادة وتلاها اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري ثمّ تبعتها اغتيالات أخرى. أمّا استنكار هذه الجريمة الرهيبة، فهو، على أهميّته، ليس كافيًا. إذ على السلطات اللبنانية إجراء تحقيق مستقل وحيادي وشفّاف وسَوق الجناة إلى المثول أمامَ العدالة.
إنّ مؤلّفات لقمان الثّاقبة وتعليقاته السّاخرة، وحكمته الرّاجحة، قد ألهمت كلَّ من قرأ كتاباته أو سمع أقواله. إنّ أفراد أسرة المركز الدولي للعدالة الانتقالية وغيرهم كثيرين من مجتمع حقوق الإنسان الّذين عرفوا لقمانَ معرفةً شخصيّةً يشعرونَ بحزنٍ عميق لفقدان أحد أركان المجتمع المدني اللبناني. فإنهاء حياته على أيدي أعداء حرية الرأي والتعبير إنّما هو صفعة ليسَ للمجتمع المدني اللبناني وحده بل لمناصري حقوق الإنسان حول العالم أجمع. ومع ذلكَ كلّه، سيبقى التزام لقمان تجاه كرامة الإنسان والحرية والسلام المستدام ومكافحة الإفلات من العقاب مصدرَ إلهامٍ للشعب اللبناني والمجتمع المدني في سعيهِما إلى تحقيق العدالة والمحاسبة.
الصورة (عام 2012): كرّس لقمان سليم حياته للدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على ذاكرة الحرب الأهلية اللبنانية وزيادة الوعي بأهمية معالجة تداعيات الحرب.