بعد هيئة الحقيقة، على تونس أن تسعى إلى تحقيق العدالة الانتقالية الشاملة

07/14/2020

تم نشر التقرير الختامي لهيئة الحقيقة والكرامة في ٢٤ حزيران / يونيو، بعد ست سنوات على بدء عملها. يمثل هذا التقرير خطوةً هامةً في المرحلة الانتقالية في تونس، لكن مسار العدالة والديمقراطية ما زال طويلاً. يتحمل صانعو وممارسو السياسات الذين يقودون عملية العدالة الانتقالية في البلاد مسؤولية اتخاذ الخطوة التالية إلى الأمام. يجب عليهم، بالاستناد على نتائج التقرير وتوصياته، التشاور مع المجتمع المدني والجمهور لصياغة واعتماد السياسات التي تعزز الحقيقة والعدالة والكرامة وفقًا للقانون الأساسي للعدالة الانتقالية لعام ٢٠١٣.

تقول سلوى القنطري، مديرة مكتب المركز الدولي للعدالة الانتقالية في تونس: "يمثل نشر التقرير الختامي شكلاً من أشكال العدالة للضحايا وإقراراً بالسنوات الطويلة من القمع الذي تعرضوا له في ظل الدكتاتورية". "إنه أيضًا اعتراف رسمي بعمل الهيئة والشهادات التي جمعتها والتوصيات التي قدمتها. وعلى الدولة والمجتمع المدني أن ينظرا اليوم في ما يجب القيام به حتى تكون العدالة الانتقالية في تونس بناءة وشاملة أكثر."

                                                      جعل التقرير متاحاً على نطاق واسع

تتمثل إحدى الخطوات الفورية التي يجب على الحكومة اتخاذها في جعل تقرير هيئة الحقيقة والكرامة في متناول أكبر عدد ممكن من التونسيين. يقول روبين كارّانزا، وهو خبير اول في المركز الدولي للعدالة الانتقالية وعمل في تونس منذ بداية الثورة: "إن إمكانية الولوج لمضمون التقرير، تعني نشر محتواه بطرق ترتبط بالتجارب التونسية بشأن الانتهاكات الماضية وبمظالمها الاقتصادية والاجتماعية المستمرة". 

ومن الدروس المهمة التي يمكن لتونس أن تتعلمها من تجارب هيئات الحقيقة في البلدان الأخرى هو أن التقرير الختامي للهيئة سيكون له تأثير محدود على المجتمع إذا لم يعرف معظم الناس محتواه. في كينيا، على سبيل المثال، كانت الحكومة مترددة في نشر التقرير الختامي لهيئة الحقيقة والعدالة والمصالحة في البلاد على نطاق واسع. وفي الاثناء، رُفعت العديد من القضايا أمام المحاكم للطعن في مضمونه. ونتيجة لذلك، فإن نتائج وتوصيات الهيئة لم تقدّم الكثير للمناقشات السياسية حول جبر الضرر والتهميش والمحاسبة عن الفساد وإصلاحات الشرطة ومبادرات "المصالحة" التي تقودها النخبة.

علاوةً على ذلك، لا يكفي مجرد نشر تقرير هيئة الحقيقة. إذا كانت النسخة الوحيدة المتاحة هي النسخة الرسمية والتي عادةً ما تكون كبيرة الحجم أو غير مترجمة إلى اللغات المحلية، يبقى الناس غير قادرين على قراءتها أو فهمها. في البيرو، على سبيل المثال، تم تلخيص تقرير هيئة الحقيقة الرسمي المؤلف من تسعة مجلدات في كتاب مصور بعنوان هاتون ويلاكوي Hatun Willakuy، والذي أُتيح بثلاث لغات: الإسبانية، واللغة الكيشوا الأصلية، وأخيراً الإنجليزية. في أماكن أخرى، اتّخذت الحكومات والمجتمع المدني خطوات لتعليم الأطفال والشباب من خلال إدراج نتائج لجان الحقيقة في المناهج الدراسية والأنشطة الثقافية والاحتفالات الدورية لإحياء الذكرى.

                                                     الامتثال للقانون الأساسي للعدالة الانتقالية

وفق المادة 70 من القانون الأساسي التونسي للعدالة الانتقالية على الحكومة، و"خلال سنة" من تاريخ صدور التقرير الختامي لهيئة الحقيقة والكرامة، "إعداد خطة وبرامج عمل لتنفيذ التوصيات والمقترحات التي قدمتها الهيئة". يدعو القانون تقديم هذه الخطة إلى "لجنة برلمانية خاصة" "تستعين بالجمعيات ذات الصلة" للقيام بعملها. 

ما يعنيه هذا عمليًا هو أنه يجب على الحكومة مراجعة التقرير وتحديد التوصيات التي يمكن أن تعطيها الأولوية من بين توصيات هيئة الحقيقة والكرامة، استناداً إلى قدراتها ومواردها. وفي مراجعتها، يجب على الحكومة الأخذ بالاعتبار أن جبر الضرر والمحاسبة عن انتهاكات حقوق الإنسان والفساد هي عناصر أساسية ولا غنى عنها للعملية، كما يوضّح صندوق الكرامة والدوائر المتخصصة، التي أنشأها القانون الأساسي إلى جانب هيئة الحقيقة والكرامة.

يقول كارّانزا: "عند تحديد أولوياتها، ينبغي على تونس أن تعتبر أن نتائج وأهداف تدابير العدالة الانتقالية مترابطة أو قد تكون مترابطة". "على سبيل المثال، إن محاسبة الأفراد عن الفساد لا يعني مقاضاتهم أمام الدوائر المتخصصة فحسب، بل استعادة أصولهم المكتسبة بطريقة غير شرعية؛ وامكانية استخدامها للمساعدة في تمويل جبر الضرر من خلال صندوق الكرامة، والذي بدوره يمكن أن يحسّن الوصول إلى سبل العيش الكريمة في المناطق المهمشة".

كما ينبغي النظر في جائحة كوفيد- 19وتأثيرها على حصول التونسيين على الرعاية الصحية وسبل العيش. توضّح القنطري: "يجب على الحكومة أن تعترف بأن ضحايا الدكتاتورية يحملون عبئان: الأثر الاقتصادي والصحي للتهميش وانتهاكات حقوق الإنسان والأثر الاقتصادي والصحي للوباء".

بغض النظر عن أي شيء، على الحكومة أن تعطي الأولوية للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي نظرت فيها هيئة الحقيقة والكرامة والتدابير التي أوصت بها. من خلال ذلك، يمكن للحكومة أن تزيد من قدراتها ومواردها الحالية إلى أقصى حد، بينما تواجه بعض الأسباب الجذرية وعواقب ديكتاتورية بن علي.

ومع ذلك، فإن النتائج والتوصيات التي توصلت إليها هيئة الحقيقة والكرامة وحدها ليست المصدر الوحيد للأفكار لمتابعة المحاسبة ومنع تكرار القمع والفساد الهائل والممنهج. إن الأدلة والوثائق المكثفة وشهادات الضحايا والشهود وغيرها من المواد التي جمعتها هيئة الحقيقة والكرامة، بالإضافة إلى لجنتي تقصي الحقائق لعام 2011 بشأن الفساد و الرشوة وأحداث الثورة، لها قيمة جوهرية ويجب أن تسترشد بها السياسات والمبادرات الحالية والمستقبلية. ولهذا السبب، يوصي المركز الدولي للعدالة الانتقالية أيضًا بإنشاء مؤسسة مكلفة بالحفاظ على السجل التاريخي لهيئة الحقيقة والكرامة تكون مكلفة بأرشفة ورقمنة هذه المجموعة من المواد وإتاحتها للجمهور وللأجيال القادمة. وكما كتبت لينا بن مهني، المدوّنة التونسية المؤثرة والناشطة وصوت الثورة، في مدونة على الإنترنت تنتقد بشدة "الذاكرة القصيرة" لمواطنيها قبل وفاتها المفاجئ في كانون الثاني / يناير، "ننسى عبثهم [السياسيين التونسيين] وفسادهم وقمعهم وحتى عنفهم". وبالفعل، فقط من خلال تذكر الماضي يمكننا ضمان عدم تكراره.


الصورة: شهادة الضحايا أمام هيئة الحقيقة والكرامة خلال اليوم الأول من جلسات الاستماع العلنية. (هيئة الحقيقة والكرامة)