المحكمة الجنائية العراقية تصدر حكمها في أول محاكمة لصدام حسين: لا بد من تصحيح العيوب في مرحلة الاستئناف

04/11/2006

بغداد ونيويورك، 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2006 – قال المركز الدولي للعدالة الانتقالية إن الحكم الذي أصدرته المحكمة الجنائية العراقية العليا اليوم هو بمثابة خطوة مهمة، وإن كانت معيبة، في سعي العراق لتحقيق العدالة. وحيث أن المحاكمة قصرت عن الوفاء بمعايير العدالة وكانت قاصرة من أوجه أخرى على جانب كبير من الأهمية، فمن الضرورة بمكان أن تكون إجراءات الطعن دقيقة ووافية؛ ويجب على المحكمة أن تنظر في إحالة قضية الدجيل لمحكمة الجنايات لإعادة المحاكمة إحقاقاً العدالة.

محاكمة الدجيل تعد بمثابة سابقة هامة بالنسبة للشعب العراقي ولمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عموماً، إذ من النادر أن تتولى محاكم وطنية محاكمة زعماء اقترفوا انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان عقب انتهاء فترة حكمهم مباشرة. بيد أن المحكمة الجنائية العراقية العليا عانت من التدخل السياسي المتكرر في شؤونها، بما في ذلك عزل عدة قضاة، والثغرات في الأدلة، ومخالفة معايير المحاكمة العادلة. ولكي تسهم هذه المحاكمات في إعادة بناء سيادة القانون على المدى الطويل، فلا بد للمحكمة أن تعمل على تصحيح المثالب التي شابت محاكمة الدجيل قبل المضي قدماً في نظر القضايا الأكبر منها.

وتقول ميراندا سيسونز، رئيسة برنامج العراق في المركز الدولي للعدالة الانتقالية، والمكلفة بمراقبة المحاكمة "لقد كانت محاكمة الدجيل عملية قضائية طموحة ولكنها منيت بمشكلات بالغة؛ ونحن نشيد بشجاعة والتزام المشاركين في إجراءات المحاكمة، ولكن الضحايا يستحقون حكماً يصمد أمام تحديات الزمن، ومن بواعث قلقنا أن العيوب التي شابت إجراءات المحاكمة من شأنها أن تقوض آثار هذه المحاكمة إلى حد بعيد، ومن الضرورة القصوى تدارك جوانب النقص هذه في مرحلة الطعن".

وقد صدرت أحكام اليوم في جلسة استغرقت 40 دقيقة، وخلت من أي إشارة تذكر لتفاصيل تلك الأحكام وحيثياتها.وأدين الرئيس السابق صدام حسين ورئيس مخابراته السابق برزان التكريتي بجريمة القتل العمد، والإبعاد القسري، والتعذيب؛ وحكمت المحكمة على كل منهما بعقوبة الإعدام، وعقوبتين بالسجن لمدة 10 سنوات. أما الرئيس السابق لمحكمة الثورة عواد حمد البندر فقد أدين بتهمة القتل العمد، وحُكم عليه بالإعدام هو الآخر. وأدين نائب رئيس الجمهورية وقائد الجيش السابق طه ياسين رمضان بتهمة القتل العمد، والإبعاد، والتعذيب، وغيرها من الأفعال اللاإنسانية؛ وأصدرت عليه المحكمة حكماً بالسجن المؤبد، فضلاً عن ثلاثة أحكام بالسجن لمدد تتراوح بين سبع وعشر سنوات. وأما مسؤولا حزب البعث السابقان عبد الله الرويد وعلي دايح علي فقد أدين كلاهما بالقتل العمد، وحكم عليهما بالسجن 15 سنة؛ وحُكم على مظهر الرويد، الذي كان من كبار قيادات حزب البعث، بالسجن 15 سنة بتهمة القتل العمد، وسبع سنوات بتهمة التعذيب. وأدين هؤلاء المتهمون جميعاً بتلك الجرائم باعتبارها جرائم ضد الإنسانية. وأسقطت المحكمة التهم الموجهة إلى محمد عزاوي علي، وهو عضو سابق في حزب البعث من الدجيل، لعدم كفاية الأدلة.

أما الأفراد المحكوم عليهم بأكثر من عقوبة فلن يقضوا سوى أشد هذه العقوبات؛ ولم يُدَن أي من المتهمين بجريمة الإخفاء القسري. هذا، ويعتزم المركز الدولي للعدالة الانتقالية تحليل الحكم بمزيد من التفصيل بعد نشره، ثم إصدار تقرير مفصل يتضمن نتائج هذا التحليل فيما بعد.

على أن الحكم القضائي الصادر يوم الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني ليس نهاية المطاف في قضية الدجيل، إذ من المقرر إحالة القضية للهيئة التمييزية بالمحكمة الجنائية العراقية العليا للطعن في الحكم بالتمييز، وهو نوع من أنواع الاستئناف. ويجوز الطعن في الحكم بسبب وقوع أخطاء قانونية أو إجرائية أو أخطاء جوهرية في الوقائع. وفي الحالات التي يصدر فيها حكم بالإعدام أو السجن المؤبد، يخضع الحكم لإجراءات الطعن تلقائياً، بموجب قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي، حيث يحال ملف القضية إلى الهيئة التمييزية في غضون 10 أيام منذ صدور الحكم؛ وفيما عدا ذلك، يجوز للأفراد الطعن في الأحكام الصادرة ضدهم في غضون 30 يوماً. وللهيئة التمييزية نقض الحكم الأصلي الصادر عن محكمة الجنايات أو تعديله أو التصديق عليه، ويكون حكم الهيئة التمييزية نهائياً. وينص قانون تأسيس المحكمة الجنائية العراقية العليا على تنفيذ الحكم النهائي في غضون 30 يوماً، على أن يصدق عليه الرئيس العراقي. ويعارض المركز الدولي للعدالة الانتقالية تطبيق عقوبة الإعدام، ليس من حيث المبدأ فحسب، بل أيضاً باعتبارها عقوبة نهائية لا تسمح بتصحيح أي أخطاء وقعت أثناء المحاكمة، فضلاً عن أنها تقطع الطريق على ضحايا الجرائم الأخرى وتحرمهم من نشدان العدالة والإنصاف.

والواقع أن المحاكمات المتعلقة بالانتهاكات الواسعة للنطاق لحقوق الإنسان يمكن أن تحقق من الفوائد ما يتجاوز مجرد معاقبة مرتكبي جرائم القانون الدولي السابقة وردع مثل هذه الجرائم في المستقبل؛ فهي تسهم بوجه خاص في الإقرار بالأهمية المحورية للقانون واستقلال القضاء، وإماطة اللثام عن المدى الكامل للجرائم المنهجية الواسعة النطاق، وإظهار معايير الإنصاف وحمايتها، واستعادة كرامة الضحايا، والمساعدة في إرساء مؤسسات فعالة للقضاء الجنائي.

بيد أن المحكمة الجنائية العراقية العليا أخفقت بكل أسف في تحقيق هذه الأهداف بسبب طائفة متنوعة من التحديات:

أولاً: إن أخطر تحدٍ خارجي واجهته المحكمة هو التدخل السياسي، سواء من الهيئة الوطنية العليا لاجتثاث البعث أم من الزعماء السياسيين العراقيين؛ وقد ألقى عزل القضاة وغيرهم من مسؤولي المحكمة لأسباب سياسية بظلاله على استقلال المحكمة، وفرض ضغوطاً على قدرة القضاة على توخي الحيدة.

ثانياً: لم تقدم خلال المحاكمة حجج وافية تثبت استيفاء شروط وأركان الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، أو تظهر بوضوح دور كل من مؤسسات النظام السابق في ارتكاب الجرائم المعنية. وقد أدى هذان العيبان إلى ثغرات في الأدلة.

ثالثاً: لقد أخفقت المحكمة في الوفاء بأدنى معايير المحاكمة العادلة، ومن بينها: التحديد الكافي للتهم، وضمان الحق في مواجهة الشهود، وإتاحة فرص متساوية للادعاء والدفاع لجمع وتقديم أدلتهما.

وإذا ما تحققت هذه الأهداف، فلا يزال من الممكن أن يكون للمحاكمات أثر هائل على إرساء سيادة القانون في العراق. ويعتقد المركز الدولي للعدالة الانتقالية أن إجراءات الاستئناف يجب أن تأخذ بعين الاعتبار جميع الأخطاء الجوهرية والإجرائية التي وقعت أثناء مرحلتي التحقيق ثم المحاكمة أمام محكمة الجنايات، وأنه يجب على الهيئة التمييزية النظر في إمكانية إعادة القضية إلى محكمة الجنايات لإعادة المحاكمة، إذا ما اقتضت الضرورة ذلك. فلعل إعادة المحاكمة هي أفضل علاج في هذا الوضع لأنها سوف تسمح للمحكمة بتصحيح المآخذ الإجرائية فضلاً عن الثغرات في الأدلة – وهما العيبان الرئيسيان اللذان اتسمت بهما المحاكمة.

وقالت سيسونز "إن المقياس الحقيقي لعدالة المحكمة وفعاليتها هو قدرتها على تصحيح أخطائها؛ وإذا ما حرصت المحكمة على اغتنام الفرصة السانحة أمامها أثناء مرحلة الاستئناف، للتحقق من تدارك أخطائها السابقة، فمن شأن ذلك أن يعزز مصداقيتها على المدى البعيد، ويرسخ سيادة القانون في العراق؛ إن العراقيين سوف يستفيدون كثيراً من إجراء محاكمات عادلة، ولكنهم قد يخسرون كثيراً أيضاً إذا ما فشلت المحكمة في تحسين أدائها".

خلفية عن محاكمة الدجيل

تتعلق الوقائع المزعومة في قضية الدجيل بهجوم عقابي على أهالي قرية الدجيل، وهي قرية صغيرة شمالي العاصمة بغداد، حيث زُعم أن بعض أهالي القرية قاموا بمحاولة لاغتيال الرئيس السابق صدام حسين أثناء مرور موكبه في القرية في 8 يوليو/تموز 1982؛ وفي الأيام التالية اعتقل المئات من أهالي القرية في ظروف لاإنسانية، وتعرضوا للتعذيب. وأحيل نحو 100 رجل من بين المعتقلين إلى محكمة الثورة التي حكمت عليهم بالإعدام، وتم تنفيذ الحكم فيهم. وكان نحو 46 آخرين ممن حُكم عليهم بالإعدام قد لقوا حتفهم تحت وطأة التعذيب. ونفت السلطات المئات من أقاربهم، بما في ذلك الشيوخ والنساء والأطفال، إلى مخيم في الصحراء؛ وفي تلك الأثناء، صودرت منازلهم، وجرفت بساتينهم، ودمرت ممتلكاتهم.

وقد مثل أمام المحكمة ثمانية متهمين في قضية الدجيل، تتفاوت مستوياتهم ومناصبهم في السلطة؛ ومن بين المتهمين ذوي المناصب الرفيعة الرئيس السابق صدام حسين، وأخاه غير الشقيق رئيس المخابرات السابق برزان التكريتي، ونائب رئيس الوزراء السابق، ثم نائب رئيس الجمهورية فيما بعد، وقائد الجيش طه ياسين رمضان، ورئيس محكمة الثورة عواد حمد البندر. وعلى الطرف الآخر من الطيف أربعة من ذوي الرتب المتوسطة أو المنخفضة في الهياكل المحلية لحزب البعث، من بينهم عبد الله الرويد ومظهر الرويد، وهما من كبار المسؤولين في حزب البعث في الدجيل، وعلي الدايح علي ومحمد عزاوي علي، وكلاهما من مسؤولي الحزب في الدجيل. ووجهت إلى المتهمين تهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، من بينها القتل العمد، والإبعاد، والسجن، والتعذيب، والاختفاء، وغيرها من "الأفعال اللاإنسانية".

وفضلاً عن إقامة الدليل على ارتكاب الجرائم الأساسية، فإن الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية تقتضي أيضاً تقديم الأدلة التي تثبت وقوع اعتداء واسع النطاق أو منهجي على السكان المدنيين، وأن المدعى عليهم كانوا حتماً على علم بأنهم يرتكبون الأفعال المنسوبة إليهم في هذا السياق. وتنص المادة 406 من قانون العقوبات العراقي على فرض عقوبة الإعدام على مرتكب جريمة القتل العمد.

عن المركز الدولي للعدالة الانتقالية

يسعى المركز الدولي للعدالة الانتقالية لمعالجة أخطر انتهاكات حقوق الإنسان ومنعها من خلال التصدي لإرث الماضي من الانتهاكات واسعة النطاق. ويتوخى المركز حلولاً كلية شاملة ترمي لتعزيز المساءلة وخلق مجتمعات يسودها العدل والسلم. للمزيد من المعلومات. لمزيد من المعلومات زوروا: www.ictj.org/ar

للاتصال

حبيب نصار (نيويورك) مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال افريقيا المركز الدولي للعدالة الانتقالية Phone +1 917 637 3839 hnassar@ictj.org

رفيك هودزيك (نيويورك) مدير قسم الإعلام المركز الدولي للعدالة الانتقالية Phone +1 917 975 2305 rhodzic@ictj.org