تأملات في النضال من أجل العدالة: كريستيان كوريا

14/02/2017

ونحن ننظرُ إلى الوراء على مدى 15 عاماً من عمل المركز الدوّلي للعدالة الانتقالية، نُدركُ أن ثروتنا الحقيقية هي أولئك الأشخاص الذين جَعَلُوا مساهمتنا ممكنة بمعرفتهم وخبرتهم وتفانيهم. للاحتفاء بكل الذين كانوا جزءًا من قصة المركز الدوّلي للعدالة الانتقالية على مدى سنوات سألنا عدداً من زملائنا السابقين أن يكتبوا تأملاتهم وذكريات اللحظات البارزة: تلك اللحَظات التي جَعلت عملنا أكثر وضوحاً. في الأسابيع والأشهر القادمة سوف ننقل لكم قصصهم عن تأملات في النضال من أجل العدالة.

كريستيان كوريا، منتسب أول في برنامج العدالة الإصلاحية بالمركز الدوّلي للعدالة الانتقالية، يشارك قصة عن القوة الإلهامية لقول الحقيقة في تشيلي


كان عام 2003 ، وكنتُ أمين اللجنة الوطنية المَعنية بالاعتقال السياسي والتعذيب في شيلي. كنّا ننفق أشهراً نجوب البلد ونستمع إلى قصص مُفْجِعة لحيوات دمرتها الآثار التي خلّفها التعذيب. غالبا ما كان يتحدث الرجال والنساء لأول مرة عن تجاربهم أثناء احتجازهم في السبعينات. بمجرد تحرير أسرارهم التي تبلغ من العمر بعضاً وثلاثين عامأ، وضح مدى العواقب التي لم يُتصور من قبل.     Image removed.
كنتُ في مكتبي الصغير عندما ماريا لويزا سيبولفيدا، الأمين التنفيذي للجنة، دعتني وطلبت مني مرافقتها في مقابلة.

كان هذا أمر نادر الحدوث، فنحن عادة كنا نتلقّى شهادات الضحايا من خلال مقابلات فردية من قبل جميع العاملين لدينا، أو في بعض الأحيان بواسطة عدد من أعضاء اللجنة أثناء الرحلات إلى المناطق. عندما تطلبُ مني ماريا لويزا مني مرافقتها في مقابلةٍ فهذا يوحي بشيء مختلف. في الردهة التقيتُ امرأة في منتصف الخمسينات. حييُتها ولاحظت أن امرأة أصغر سناً تتبعها . أوضحت ماريا لويزا لي أن المرأة طلبت اصطحاب ابنتها لتقديم الدعم بينما تضيف حقائق إضافية لبيانها السابق.

جلس الأربعة منا معاً متجاورين في طرف طاولة مؤتمرات طويلة.

بمزيج من الحزن والصمود في وجهها، بدأت المرأة المسنة في الحديث. أعطت اسمها ومتى وأين تم احتجازها. كان اعتقالها بعد وقت قصير من الانقلاب ضد الليندي، وعلى غرار العديد، سُجنت لتعاطفها مع الاشتراكية. أثناء اعتقالها، أُرسلت لعدة أسابيع إلى قاعدة عسكرية، معروف الآن بأنها كانت مركزاً للتعذيب.

لم نكن ندفع أبداً الضحايا لتفصيل ما حدث لهم. كان متروكاً لهم تحديد القدر الذي يُمكنهم البوح به. بعض الأشخاص أدلوا بالقليل جداً تاركين لنا ملء الفراغات. بشجاعة، باحت هذه المرأة بكل شيء. وضعت ابنتها يدها على كتف أمها وهي تصف الرعب الذي شعرت به عندما وصلت للقاعدة، ثم التعذيب الذي تعرضت له.

انهارت رباطة جأشها عندما بدأت في وصف الاغتصاب. اتسعت عيون الابنة من الخوف ثم من الإدراك. انحسر شعورهما بوجودنا. التفتت الأم لابنتها بهدوء والدموع تنهمرُ على وجهها: "آسفة لأنني لم أُخبرك من قبل".

جلستا الاثنتان مجمدتين، تنظران إلى بعضهما البعض. غمغمت الابنة من خلال دموعها: "هذا هو السبب في أنك لم تكوني صبورة معي." بعد بضع دقائق اُستأنف إدلاء الشهادة. في النهاية، بينما تركت المرأتان الغرفة، تغيرت العلاقة بينهما إلى الأبد، ورأيت السكينة على وجه الأم. ولكن وجه الابنة لم يكن عليه سوى أسئلة عن هُويتها ربما لن تجد الإجابة بشكل كامل.


الصورة: تظاهر لمجموعة Movimiento contra la Tortura Sebastián Acevedo التي تؤيد التغيير الغير عنيف، و تناهض التعذيب في عهد الدكتاتورية. (Museo de la Memoria y los Derechos Humanos)