"أنا لستُ من يعتقدونه" : فيلم جديد للمركز الدولي للعدالة الانتقالية بالتعاون مع ميديا ستورم للتصدي وصمة العار التي تواجه الأطفال المولودين من عنف الحرب

12/02/2017

كانت جانيت أراش تلميذة عندما اُختطفت من قِبل جيش الرب للمقاومة التابع ل جوزيف كوني. جانيت واحدة من آلاف الأطفال الذين عانوا ذات المصير في شمال أوغندا . بأشكال كثيرة، يضعُ الأَسرُ عبئاً أثقل على الفتيات مقارنة بالفتيان.

تتذكر جانيت: "يقولون لك أنتِ لست زوجة، بل جُندية. وفي الوقت نفسه يستخدمونكِ لممارسة الجنس. لا يوجد مهرب من ذلك. عليكِ أن تقبلي لحماية نفسك."

جانيت، بطلة فيلم "أنا لستُ من يعتقدونه"، وهو فيلم أُنتج حديثا بالتعاون بين المركز الدولي للعدالة الانتقالية وميديا ستورم، أُجبرت على الزواج من متمردٍ من جيش الرب للمقاومة وأنجبت طفلين خلال ثماني سنوات في الأسر. عندما لاحت فرصة للهروب أخيراً، انتزعتها جانيت، هاربة مع ابنتيها، أربع سنوات وستة أشهر، خلال هجوم ووسط وابل من الرصاص.

تتذكرُ جانيت: "لم يكن هناك طعام. كنتُ ضعيفة جداً. لم يكن لدي حليب لطفلتي الصغرى. كان عليها أن تتغذى على الكسافا الخام [يوكا]. كنتُ أحمل عظاماً بدلاً من جسد. ولكنها كانت لا تزال تتنفس. قلتُ لنفسي لا أستطيع ترك الطفلة. يجبُ أن أهرب مع الطفلة."

بأعجوبة، وصلن الثلاثة بأمان إلى غولو، أكبر مدينة في شمال أوغندا. كانت جانيت تأملُ أن يكون ذلك نهاية معاناتهن الطويلة. بيدَ أنها وجدت نفسها وأطفالها في غير موضع ترحيب من المجتمع بسبب وقتهم في "الغابة" - كناية عن من وقتهم مع جيش الرب للمقاومة.

لمشاهدة الفيلم

وُصم الأطفال الذين وُلدوا في الأسر وأمهاتهم بسبب صلتهم بالجرائم التي ارتكبها جيش الرب في شمال أوغندا خلال الصراع، وعانوا آلاماً نفسية ومالية نتيجة لذلك. كانت جانيت تلبي بصعوبة احتياجاتها واحتياجات أطفالها، كما واجه الأطفال أنفسهم سخرية نطاق واسع من المجتمع.

تقول جانيت: "بعض المعلمون، إن عرفوا أن الطفل قد وُلد في الأسر، يشيرون إليه بولد الغابة. أنت مثلُ والدك، تريد إحضار الحرب هنا".

هذا الرفض شائع جداً تجاه الأطفال المولودين في أسر جيش الرب للمقاومة وأمهاتهم: تم خطف أكثر من 60000 طفلاً وطفلة في شمال أوغندا خلال الصراع، ووُلد حوالي 8000 نتيجة العنف الجنسي.

ولأن الجرائم التي اُرتكبت ضد هؤلاء الأمهات ذهبت دون معالجة واعتراف لسنوات، كان الضررُ متضاعفاً . فيلم "أنا لستُ من يعتقدونه" يكشفُ وصمة العار التي يواجهونها ويدافع عن حقهم في التعويض والإنتصاف من الدولة.

يحكي الفيلم قصة جانيت آراش وستيلا لانم. كما يُؤرخ الفيلم للعقبات التي واجهت كليهما في إعادة الاندماج في مجتمعاتهم المحلية بعد سنوات في الأسر في ظل جيش الرب للمقاومة، ويُصوّر قيادتهما الملهمة في النضال من أجل الحصول على التعويض لهم و لأطفالهم الذين حملوا بهم كنتيجة للصراع.


جانيت آراش، مؤسسة منظمة Watye Ki Gen، وأحد شخصيات الفيلم "أنا لستُ من يعتقدونه". (Marta Martinez/ICTJ)

من الرفض إلى المعالجة

"أنا لستُ من يعتقدونه" هو جزء من مشروع بحثي واسع إسْتُهِلّه المركز الدولي للعدالة الانتقالية في أوغندا في عام 2015، لتسليط الضوء على ضرورة استعادة حقوق النساء ضحايا العنف الجنسي خلال النزاعات وضمان مستقبلٍ للأطفال الذين وُلدوا كنتيجة للحرب. دون تعويض عاجل، ستواصل النساء والأطفال في طريق التهميش والفقر ومزيد من الانتهاكات.

تقول فيرجيني لاديتش، مديرة وحدة الأطفال والشباب في المركز الدولي للعدالة الانتقالية: "ما يحدثُ هو رفض كامل وصريح لهذه الأمهات وأطفالهن. ونتيجة لذلك، فهن غير قادرات على مواصلة حياة كريمة، وبالنسبة للأطفال فلا يوجد تقريبا فقط فرصة لهم لتحقيق نجاح."

تقرير المركز الدولي للعدالة الانتقالية :"من الرفض إلى التعويض: التغلب على إرث من العنف الجنسي المرتبط بالنزاع في شمال أوغندا"- متاح باللغة الانجليزية- يحددُ أولويات العدالة لهؤلاء النساء والأطفال وفقاً على ما يربو من 250 مقابلة مع الضحايا وأفراد المجتمع والنشطاء وصانعي السياسات. أكدّت هذه المشاورات حقيقة أن أولئك اللاتي يعشن مع عواقب دائمة لأمومة قسرية، لا يمكنهن مجرد نسيان الماضي والتطلع إلى الأمام في مواجهة يومية وصراع لتوفير احتياجات أبنائهن، الذين يتم رفضهم بسبب الموروثات المستمرة للصراع.

يشير التقرير أنه في حين عانى الجميع تقريباً في شمال أوغندا نتيجة للصراع، فمن المهم الاعتراف بأن العواقب المتخلفة عن جميع الانتهاكات ليست متساوية. ويقدمُ التقرير توصيات عملية لتلبية الاحتياجات المحددة للنساء المتضررات من الحرب وأطفالهن، بما في ذلك معالجة الوصمة الاجتماعية وتوفير التعليم وكذلك تعويضات رمزية ومادية.

جرت المشاورات في المناطق الشمالية من الأشولي، انجو، تيسو، وغرب النيل في أبريل من عام 2015 لتحليل العواقب طويلة الأجل لعدم المساءلة عن العنف الجنسي المرتكب خلال النزاع. ومن بين الذين تمت مقابلتهم كان هناك 52 طفلاً وُلدوا من العنف الجنسي (27 فتاة، 25 فتى)، الذي تأملوا التحديات التي يواجهونها من خلال مناقشات جماعية وتدريبات رسم.

تقول سارة كاساندي، مديرة مكتب المركز الدولي للعدالة الانتقالية:" لم تحظ هذه القضية بكثير من الاهتمام والاستجابة الكافية. ونأمل أن يساهم الفيلم في رفع الوعي حول هذه القضية، وتحفيز العمل على المستوى الوطني والدولي."

لا شيء يمكنه التقاطاً أكثر وضوحاً للتأثير المستمر للعنف الجنسي من الكلمات التي كتبها أولئك الفتيات والشبان. عرض المركز الدولي للعدالة الانتقالية مجموعة من رسوماتهم، التي عبروا فيها عن كيفية إدراك المجتمعات لهم، وكيف يرون أنفسهم وآمالهم للمستقبل.


ستيلا لانم من شبكة الدفاع عن حقوق المرأة وأحد شخصيات الفيلم "أنا لستُ من يعتقدونه". (Marta Martinez/ICTJ)

الضحايا يصبحون قادة

بدلاً من البقاء سلبياً إزاء المصاعب، أصبحت ستيلا وجانيت قادة للنضال من أجل التعويض.

تقول جانيت: "الناس لا يتحدثون عن الأطفال الذين ولدوا من الأسر. الناس يوصمون الأطفال."

لمساعدة الأطفال الذين وُلدوا في الأسر في أن يكون لهم مستقبل، شاركت جانيت في تأسيس Watye Ki Gen -والتي تعني "هناك أمل" بلغة اللوو، لغة السكان الأصليين. وقد اتخذت المنظمة زمام المبادرة في تحديد وتوثيق الأطفال الذين وُلدوا في الأسر وجمعهم معاً في مجموعات الدعم. كما تُقدم المنظمة المشورة والدعم للأطفال، ومعاونتهم على مواجهة وصمة العار التي يواجهونها سواء في بيوتهم أو مجتمعاتهم المحلية. تُشركُ المنظمة أيضا الآباء والأمهات وأفراد الأسرة والمعلمين في أحاديثها.

توضح جانيت: " يتحدثُ معظم الأطفال الذين وُلدوا في الأسر عن تحديات مع أمهاتهم. بعض الأمهات فَظّة للغاية. عندما يزعجها الطفل تقول أنا تعبت منك! أنت لا تعرف كم عانيت معك."

Watye Ki Gen تساعدُ هؤلاء الأطفال على التكيف عاطفياً مع هذا النوع من الرفض، وتمكينهم من الدفاع عن حقوقهم من خلال جلسات جماعية وفردية.

هؤلاء الأطفال، كما تفسر جانيت، "لا يملكون أرضا، وليس لديهم هوية، ويتم رفضهم، ويتعرضون للتمييز"، ولكن "إن قدم الآخرون الدعم لنا، فأنا أعلم أن مستقبل هؤلاء الأطفال سيكون أكثر إشراقا".

ستيلا عضو في شبكة الدفاع عن حقوق المرأة (WAN)، وهي منظمة أسستها النساء المختطفات للدفاع عن العدالة الاجتماعية والأمن الاقتصادي للنساء اللاتي اختطفن سابقا والأطفال الذين وُلدوا من الصراع في شمال أوغندا. تهدف الشبكة إلى مساعدة الأعضاء للوصول إلى الاكتفاء الذاتي وأن يصبحوا مواطنين مشاركين، بتقديم دروس محو الأمية ومساعدتهم على تقديم التماس إلى الحكومة للوفاء بحقوقهم.

ينتج أعضاء شبكة WAN حُليّ وحقائب ولعب الأطفال وغير ذلك لأجل جمع المال لتغطية الرسوم المدرسية. وبينما عادة ما تكون هذه الرسوم المدرسية بين 50-200 $ سنوياً، تناضل الأمهات لدفع ثمن الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء والدواء. بسبب وصمة العار التي يحملنها، فهن غير قادرات على العثور على وظائف أو حتى تملك أراضي لكسب العيش.

تقول ستيلا: "تروينا.. إن اتحدنا معاً وتقاسمنا التحديات التي تواجهنا مع بعضها البعض، فإننا سنقدر على تحمل هذا العبء فيما بيننا. عندما تحصل المرأة على جميع الأشياء التي تحتاج إليها، لا يمكن لرجل خداعها أو الاستفادة منها. ستكون امرأة قوية."

للمزيد عن عمل Watye Ki Gen و WAN، طالعوا معرض الصور من من فتيات مُختطفات إلى أمهات جسورات.


الأطفال وُلدوا من الصراع في غولو يعملون مع منظمة Watye Ki Gen. (Marta Martinez/ICTJ)

نحن أيضا أوغنديون

"أنا لستُ من يعتقدونه" يرمي لإنهاء وصمة العار ضد هؤلاء النساء والأطفال، وإبراز عملهم. كما يُسلط الضوء على الحاجة إلى الاهتمام المحلي والدولي في هذه القضية.

عروض الفيلم في أكتوبر الماضي في كمبالا عاصمة أوغندا، وفي غولو، حيث تعيشا جانيت وستيلا، أدت لمناقشة ودعم مجتمعي هام. جمعت العروض الضحايا وكبار السياسيين والجهات المانحة ووسائل الإعلام وممثلي المجتمع المدني وأساتذة الجامعات والطلاب لمناقشة كيفية مكافحة وصمة العار التي يواجهها هؤلاء النساء والأطفال وكيفية دفع حكومة أوغندا لسن سياسات التي من شأنها توفير الإنصاف لهم.

قال سانتا أوكيتا، المستشار في مقاطعة غولو: " لم تكن رغبة الطفل أن يولد في الأسر، ولم يرغب الوالدان أن يكونا في الأسر. لقد وجدوا أنفسهم هناك ... ومن مسؤوليتنا مساعدتهم على الخروج من هذه الصدمة ومساعدتهم حقاً على الحصول على مستقبل أفضل. نحن بحاجة أن نهتم".

حضر عرض غولو اثنين من الشباب الذين وُلدوا في الأسر وتحدثا عن التحديات التي يواجهنها في حياتهم اليومية.

لاينو بيس، كانت أحد الحاضرين الشباب الذين خاطبوا الحاضرين: "نحتاج أن ندرس. كل واحد منا. نحن نريد أن نذهب إلى المدرسة، بحيث نصبح الأوغنديين متعلمون.. حيث أننا أوغنديين أيضاً".

بعد عروض الفيلم في أوغندا، مُنحت جانيت آراش وستيلا جائزة "الخط الأمامي" للدفاع عن حقوق الإنسان لعام 2017 المقدمة من الاتحاد الأوروبي للمدافعين عن حقوق الإنسان الذين يواجهون الأخطار، لأجل عملهما في النضال من أجل حقوق الأطفال الذين وُلدوا في الحرب وأمهاتهم.

كيف يمكن المساعدة

قصص جانيت وستيلا الشخصية هي انعكاس لقصص الآلاف من النساء الأخريات اللواتي اختطفن كفتيات صغيرات و تعرضن لعنف جنسي مرتبط بالصراع. WAN و Watye Ki Gen تبذلا ما في الوسع مع وسائل محدودة جدا لتحديد مستحقي الدعم، والدفاع عن الحقوق والاحترام للنساء والأطفال المتضررين من النزاع في شمال أوغندا.

ومع ذلك، عدد قليل من الأفراد أو المنظمات لا يمكنه التغلب وحده على العقبات التي تواجه الأطفال الذين ولدوا نتيجة للعنف الجنسي أثناء الحرب وأمهاتهم الذين يسعون للكرامة والاكتفاء الذاتي الاقتصادي. بغض النظر عن مكان كل منا ضمن المجتمع الدولي -سواء كنا نعمل على المستوى المحلي أو على المستوى الدولي - لدينا جميعا دور للعب. كمواطنين معنيين يجب علينا أن نقوم بدورنا لمعالجة رفض هؤلاء النساء والأطفال وضمان حماية حقوقهم.

إن دفعتك قصص جانيت وستيلا لتقديم المساعدة، يمكنك دعم قضيتهم عن طريق:

  • دعم عمل WAN و Watye Ki Gen من خلال التبرع هنا*
  • مشاركة هذا الفيلم الوثائقي على نطاق واسع في شبكاتكم الاجتماعية لرفع مستوى الوعي حول العواقب المستمرة للعنف الجنسي في زمن الحرب، وخاصة على الأطفال الذين وُلدوا من الاغتصاب في جميع أنحاء العالم. استخدموا هاشتاج #NotWhoTheyThinkIAm للانضمام إلى الحوار العالمي.
  • إذا كنت مواطناً من أوغندا وترغب في معرفة كيف تؤثر على سياسة بلدكم بشأن هذه المسألة، يرجى الكتابة إلى سارة كاساندي: skasande@ictj.org
  • إذا كنت مواطنا من بلد خارج أوغندا وترغب في معرفة كيف تؤثر على سياسة بلدكم بشأن هذه المسألة، يرجى الكتابة إلى فيرجيني لاديتش : vladisch@ictj.org

* تنويه: المركز الدولي للعدالة الانتقالية ليس مشاركاً بأي طريقة في جمع التبرعات أو تلقيها أو توزيع الأموال نيابة عن WAN و Watye Ki Gen، أو أي منظمة أخرى تعمل مع الأطفال الذين ولدوا من الصراع في شمال أوغندا أو في أي مكان آخر. جميع التبرعات التي تتم من خلال الرابط أْعلاه يتم التعامل معها مباشرة من قبل WAN و Watye Ki Gen خلال منظمة سخاء. لا صلة للمركز الدولي للعدالة الانتقالية بشأن الوضع القانوني أو الضريبي ل WAN و Watye Ki Gen ، كما أنه غير مسؤول عن تبعات قانونية أو مالية من التبرع لهذه الجمعيات الخيرية أوغيرها من خلال الرابط أعلاه.

الأطفال الذين يظهرون في مشاهد الافتتاح والمدرسة ليسوا الأطفال الذين وُلدوا في الأسر. يقدر المركز الدولي للعدالة الانتقالية يقدر مشاركتهم في الفيلم.