حركة حقوق الإنسان يجب أن تتحد لمقاومة أجندة ترامب

27/01/2017

بقلم ديفيد تولبرت, رئيس المركز الدولي للعدالة الانتقالية

بشكل ملائم تم توصيف خطاب تنصيب الرئيس دونالد ترامب "بالمرارة" و"الظلام" و"إعلان للحرب". لم يتلفظ الرئيس الجديد بأي دعوة للوحدة أو يحاول التواصل مع أي شخص خارج معسكره- رغم خسارته للتصويت الشعبي من خلال ما يقرب من 3 ملايين صوتا - ولم يتَفَوَّهَ بكلمة لجمع الأمة الممزقة أو مخاطبة العالم المُتَوَتّر بشدة لصعوده لأقوى منصب.

عَكست أفعاله أقواله في الأيام القليلة الأولى كرئيس. فقد سارع ترامب بتهورٍ إلى خلق مزيد من الانقسامات وبدأ هجوماً على حقوق الإنسان واللياقة الأساسية - بما في ذلك حظر فعلي على العديد من اللاجئين المسلمين من دخول الولايات المتحدة وإحْياء "المواقع السوداء" لوكالة المخابرات المركزية - ووعد بالمزيد في المستقبل.

الرئيس الجديد رفع من شأن التعذيب، وسخر من المعوقين، وطعن في أولئك الذين يدافعون عن حقوق الإنسان، واستمال المشاعر العنصرية من خلال لغة مشفرة وصريحة، واحتقر النساء قولا وفعلا. كما لم يُظهر أي اعتبار لاتفاقيات جنيف أو العمل المُضني لأجيال من الناشطين في مجال حقوق الإنسان، وكثير منهم أمريكيين، لضمان عدم تعرض المدنيين لانتهاكات في أوقات النزاع وحماية الضعفاء.

علاوة على كل هذا، يبدو أنه حَقّر تقريباً من كل وازِعٍ يحمي المواطن من الدولة. وكان أول اتصال له كرئيس بزعيم أجنبي للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي سحق الاحتجاجات ضد الحكم العسكري، ودمر المجتمع المدني في مصر بقوانين صارمة تستهدف المدافعين عن حقوق الإنسان، وحول المؤسسات القانونية في مصر إلى "محاكم صورية". إشارة تقشعر لها الأبدان بالفعل.

قل ما شئت، فقد وضع ترامب بِصَرَاحَة دولة من أقوى الدول في جانب أصحاب الامتيازات، وألمح إلى أن حقوق الإنسان لن تحترم إلا بشكل استثنائي. هذا بالكاد مفاجأة، على ضوء خِطاب حَملته الذي دعا فيه صَراحة للتعذيب وغيره من الجَرائم الخطيرة التي تنتهكُ القانون الدولي والمحلي.

بالنسبة لي، الدرك الأسفل من تصريحات ترامب ما قالهُ أمام مبنى الكابيتول، مردداً صدى حملته الانتخابية: "من هذه اللحظة، أمريكا أولاً". هذه العبارة - "أمريكا أولا" - هو مصطلح مُحمّل بمدلول تاريخي يعود إلى تشارلز ليندبيرغ و حركة "أمريكا أولا" في ثلاثينات القرن الماضي. للوهلة الأولى تدل العبارة على الانسحاب من العالم، ولكن تلك الحركة ارتبطت أيضاً بقوة مع معاداة السامية والعنصرية والقومية البيضاء التي يعتنقُها بعض من أقرب مستشاري ترامب.

غَلّف خطاب الرئيس الجديد في حفل تنصيبه شعارات قومية أخرى، وأبرزها "جَعلُ أمريكا عظمى مرة أخرى،" في عودة للوراء، على الأقل لفظياً، لفترة يتذكرها العديد من الأقليات والنساء والمهمشون بأيام ملطخة بالتفرقة والكراهية والتمييز على أساس العرق والجنس والميول الجنسية.

لقد بدأتُ حياتي في مدارس تمارس الفصل العنصري في ولاية كارولينا الشمالية، وشهدتُ عن قرب فشلَ البلاد في حماية مجموعة من الأقليات وتنفيذ وعود التعديل ال14 ووثيقة الحقوق. يستمرُ الظلم العنصري كعبء ثقيلٍ على هذا البلد، كما أظهرت أحداث فيرغسون وأماكن أخرى. هناك الكثير الذي يتعينُ القيام به لمعالجة القرحة التي لا َتزال مفتوحة من المعدلات المرتفعة للأمريكيين من أصل أفريقي في السجون، وعنف الشرطة، وعدد هائل من الانتهاكات الأخرى لرِجالُ الأمْن، كما تُفصح عنها بوضوح حركة "حياة السود مهمة" وناشطون آخرون. ليس لدى ترامب إجابة على هذه المشكلة؛ بدلا من ذلك، فهو يشيطن الأقليات ويرفض بقسوة مطالبهم المشروعة.

ترامب في طريقه لتقويض التقدم الذي تم تحقيقه. ومرشحه للمحكمة العليا سيستهدف بالتأكيد تقويض الخطواتِ التي اتخذتها المحكمة على مدى السنوات ال 60 الماضية، بتردد، لجعل وثيقة الحقوق تدريجيا ليست مجرد وعد، بل حقيقة واقعة. على حد تعبير الدكتور مارتن لوثر كينغ، لقد تم دفعُ صك وثيقة الحقوق تدريجيًا من الأسفل، ولكن في رؤية ترامب سيتوقف هذا الآن: من وجهة تفسيره على المرء أن يَحمل "ولاءً كليًا للولايات المتحدة الأمريكية". نفحة من المكارثية في الهواء بالنسبة لنا، نحنُ الذين لا ُنعرف أنفسنا كمؤيدين لرؤية ترامب الأمريكية.

خطاب التنصيب وإجراءات ترامب الأولى تُرسل أيضاً رسائل قوية بشأن النضال من أجل حقوق الإنسان في جميع أنحاء المعمورة. عواقبُ رؤيته المظلمة ستكون وخيمة. سجل الولايات المتحدة ملطخ في أحسن الأحوال بشأن تعزيز حقوق الإنسان في الخارج، لكنها على الجانب الآخر لَعبت دوراً مهماً في عدد من المجالات، بدءا من عمل إليانور روزفلت على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

فبينما سجلها في أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط مُؤْسِف بصفة خاصة، فقد دعمت الولايات المتحدة جماعات المجتمع المدني في عدد من البلدان ومبادرات دولية أخرى عززت المساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان. كما قد عملَت مع البلدان الأخرى والأمم المتحدة للمضي قدماً في المشروع المعياري الذي أَدخل حقوق الإنسان في القانون الدولي، كما دعمت على نطاق واسع حركة حقوق الإنسان في مجالات مثل الحريات الفردية وحقوق المرأة. سيقوم السيد ترامب بوضع حدٍ لهذه الجهود في عودةٍ واضحة إلى القول المأثور القديم: "يمكن للحكومات أن تغلى شعوبها في النفط، كل ما يُهم، أنها تدعمنا."

وهذا التخلي عن الدعم الأمريكي لحقوق الإنسان لا يوْهَنَ فقط تلك البلدان التي تحترمُ حقوق الإنسان، ولكن سوف يشجع أيضا أولئك الذين يسعون لتقويض الأمم المتحدة وغيرها من المؤسسات التي تنادي وتعمل على حماية تلك الحقوق. الشراكة الناشئة بين ترامب وبوتين سوف تعني أن ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم لن يجدوا ملجأ بينما تُغلقُ سبل المعالجة والمساءلة والاعتراف بالانتهاكات أبوابها.

والسؤال هو، ماذا يمكننا أن نفعل؟ ما هي مسؤوليتنا كمدافعين عن حقوق الإنسان، ولكن أيضا كمواطنين في الولايات المتحدة والعالم بأسره؟

*مسيرة النساء في مدينة نيويورك يوم ٢١ من يناير. (Mathias Wasik/Flickr)*

كنتُ في مدينة نيويورك يوم السبت، وشاركتُ في المسيرة النسائية، وتشجعتُ بالحشد الهائل والطاقة لمقاومة أجندة ترامب البائسة. هذه علامة مشجعة، تدل على أن قطاعاتٍ واسعة من المجتمع الأمريكي لا تدعم جدول ترامب. ولكن هناك قلق من أن تكون هذه المسيرات مثل "احتلوا وول ستريت": وابلاً من الطاقة وقليلا من التنظيم والمتابعة. سوف نحتاج إلى التفكير بجدية أكبر وأعمق حول كيفية مقاومة أجندةٍ من شأنها أن تُؤدي إلى تآكل المكاسب التي تحققت.

في حين أنه ليس هناك "حل سحري" وحيد لما سنواجه في المستقبل، فنحن بحاجةٍ إلى تخطى "المناقشات" والبدء في التنظيم. من الصعب تصور - في عالم اليوم المتنوع والقائم على التطبيق - أن يُمكن لمنظمة واحدة أن تأخذ زمام المبادرة لحركة مثل هذه ، مثلما فعلت مؤتمر القيادة المسيحية الجنوبية لحركة الحقوق المدنية. ومع ذلك، فمن الواضح أن ائتلاف قوى يجب أن يظهر في المجتمع المدني الأمريكي لتوفير العمود الفقري لمقاومة مشروع ترامب.

لا يسعنا العمل بشكل انفرادي على قضايانا المحددة ، سواء كانت المساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان، أو الظلم العنصري، أوعدم المساواة، أو حقوق الجنسين و متحولي الجنس، أو حقوق السكان الأصليين أو غيرها من قضايا حقوق الإنسان التي ندعمها. إن أردنا أن تكون هناك فرصة لوقف مشروع ترامب المدمر، يجبُ علينا أن نتحد ونعمل كحركة بنفس القوة ضد وصول خط أنابيب داكوتا؛ وضد تسجيل للمسلمين؛ وكذا ضد عنف الشرطة النظامية ضد الأمريكيين من أصل أفريقي. أهدافنا في حماية حقوق الإنسان في الولايات المتحدة يجب أن تكون على نحو محدد بوضوح كما يجب أن تكون أعمالنا منسقة.

كما يجب أن يكون هناك تنشيط للحزب الديمقراطي، الذي ينبغي أن يتعلم صفحة أو اثنتين قواعد اللعبة التي يمارسها الجمهوريون، وأن يكون طرفا حقيقيا للمعارضة و (عند الحاجة) للعرقلة. يجب البناء على الطاقة من الأجندة التقدمية، التي تحملها حملة بيرني ساندرز، بدلا من نهج كلينتون المسؤول، جزئيا، عن كارثة نوفمبر تشرين الثاني الماضي.

الآن هو وقت العمل والمقاومة. أنا والمنظمة التي أقودها، المركز الدولي للعدالة الانتقالية، لدينا على مر السنوات قدرا كبيراً من الخبرة في معالجة انتهاكات الأنظمة في جميع أنحاء العالم التي تتجاهل حقوق الإنسان وترتكب الانتهاكات. فور الدفع بالحقوق والمؤسسات التي بُنيت لحمايتهم إلى الجانب ليسود رجل قوي، فإن الطريق إلى الانتهاكات يصبح حقيقياً والصعوبات التي تواجه إعادة إرساء سيادة القانون تصبح في الواقع حادة جداً. علامات التحذير هنا في الولايات المتحدة الآن جلية. ينبغي أن تكون دعوة لنا جميعا للعمل.


*الصورة: دونالد ترامب يلقي خطاب تنصيبه (Huffington Post).*