فرص العدالة والتغيير في سوريا محدودة دون عودة المهجرين

19/04/2016

بقلم بول سايلس، نائب رئيس المركز الدولي للعدالة الانتقالية

حتى مع ظهور المزيد من الأدلة على جرائمه، عاد بشارالأسد بأغلبية متوقعة في الانتخابات الرئاسية السورية الأسبوع الماضي. وفي الوقت نفسه، بدأت المفاوضات لحل الصراع في جنيف مع شعور بالعبث يحلق كثيفا في الأفق، وغالبا ما ستنتهي سريعا إلى طريق مسدود مع تعليق المعارضة مشاركتها. ويقول الأسد أنه قد يفكر في انتقاء بعض المعارضين لمناصب حكومية ولكن حكومة وحدة وطنية هي خارج نطاق النقاش. وبعد أن حسنت موقف الأسد بشكل جذري يبدو لوهلة أن روسيا تضع قدما في المعركة وأخرى خارجها في حين تستمر الولايات المتحدة في مغامرة أن مشاركتها الهزيلة لا تلغي تماما نفوذها.

في حينه، تستمر أزمة اللاجئين التي يغذيها الصراع السوري بشكل غير آدمي مروع، مع عشرات قضوا غرقا في البحر الأبيض المتوسط هذا الأسبوع، مع تدهورالأوضاع في مخيمات اللاجئين في اليونان بشكل خطير. سبب هذا النزوح ضررا كبيرا في رؤية أوروبا لنفسها ويستمر في تقديم أكبر أزمة سياسية تواجهها منذ عقود.

هُجر أكثر من نصف سكان سوريا البالغ عددهم 24 مليون نسمة، مع 4 ملايين غادروا البلاد. سوف يحتاج أي سلام دائم لمعالجة محنة النازحين، سواء أولئك الذين فروا عبر الحدود الدولية أوالفارين داخل سوريا.

إنه لمن مصلحة أوروبا الآنية ليس فقط وقف النزوح من محل الصراع ولكن أيضاً البدء في تهيئة الظروف لعودة النازحين في نهاية المطاف. البدء من الآن في التفكير في التهجير وحلوله هو على وجه التحديد في صالح أولئك الذين يسعون لإزالة الأسد من السلطة ولرؤيته يواجه العدالة.

قبل أسابيع قليلة مرت الذكرى الخامسة لبداية الصراع. سمعنا العديد من الدعوات من أجل العدالة. وقد بدلت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة آراء العامة حول ما إذا كان يجب أن يبقى الأسد وإذا كان الأمر كذلك فإلى متى. وقد أصدر الكونغرس الأميركي قراراً يدعو لإنشاء محكمة لمحاكمة المتهمين بارتكاب جرائم جسيمة. كما تبحث الحكومات الأخرى والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان عن خيارات مماثلة. إنهم ينظرون خلال العدسة الخاطئة للتلسكوب.

لا يشك أحد بأن الأسد ارتكب جرائم حرب واسعة النطاق وجرائم ضد الإنسانية إلا أكثر المدعين احتيالاً. إن حقيقة أنه وشركاءه في القيادة العليا السورية، ضمن آخرين، يجب أن يواجهوا العدالة لابد أن يكون أمراً لا يرقى إليه الشك. ولكن بدلا من النظر إلى الخطوات العملية التي تجعل من السلام والعدالة محتملين، هناك ميل لاتخاذ مواقف مخادعة لملء فراغ عدم فعل شيء.

عندما نتحدث عن العدالة فنحن بحاجة إلى أن نتذكر أنها تتكون من أكثر من التأكد بأن يحاسب الأسد. فالعدالة تعني أيضآ جعل سوريا مكانا آمنا للعيش حيث يتمتع جميع مواطنيها باحترام وحماية الدولة. وهذا هو الأمر - إنها تتطلب إصلاحا جذريا وفرعيا.

بجانب الموت، هناك طريقتان فقط لذهاب الأسد: إما أن يقرر أن يتنحى أو أن يجبر عن طريق المفاوضات أو العملية الديمقراطية على المغادرة. يتطلب الطريق الثاني عودة أعداد هائلة من عناصر المعارضة إلى سوريا مع رؤية لمستقبل ديمقراطي وفرصة لممارسة الصوت المدني بشكل مجدي. هذا هو السبب الذي يجعل بدء التعامل مع النزوح الآن ليس فقط ضرورة إنسانية ملحة ولكن أيضاً ضرورة استراتيجية.

الآفاق الممكنة الآن لمحاسبة الأسد عن جرائمه محدودة. من الناحية النظرية، يمكن لقرار من مجلس الأمن للأمم المتحدة (حتى في الوقت الراهن) بإحالة الأسد إلى المحكمة الجنائية الدولية، وباالتأكيد سوف يواجه بالنقض من قبل روسيا (وربما الصين). وبالمثل، أي محكمة مخصصة دولية، مثل النحو المنصوص عليه من قبل مجلس الأمن للأمم المتحدة ليوغوسلافيا السابقة ورواندا، سيتم نقضها من قبل روسيا.

تكمن الخيارات المتبقية في نظام سوري جديد إما أن يُحَاكِم الأسد أو يُعلِن بأثر رجعي (إن كان الأسد قد غادر سوريا) الاعتراف باختصاص المحكمة الجنائية الدولية. الطريق الأكثر قبولاً لمحاسبة الأسد عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية سيتطلب لعبة أطول من السعي إلى تغيير النظام عن طريق التفاوض بين السوريين بدلا من تغيير النظام (تحت أي ستار) من الخارج.

وفيما يتعلق باحتمالات إصلاح أساسي ومطالب العدالة ينبغي أن يكون التركيز على اتخاذ خطوات لتسهيل العودة الآن، بدلا من التركيز على دعوات غير قابلة للتصديق بملاحقات قضائية قد تعوق في الحقيقة إمكانية السلام والعودة في المدى القصير.

هناك ثلاث خطوات هامة ينبغي اتخاذها الآن لضمان أن مرحلة ما بعد الصراع في سوريا لديها فرصة لمستقبل أفضل من العديد من مناطق ما بعد الصراع الأخرى. الأولى هي التشاور بشكل فعال مع السكان المنفيين والمشردين. يمكن للجهود أن تبدأ الآن في المناقشة والتوثيق لمحنة الناس بشأن العودة. من أين أتوا؟ من يسيطر على الأرض الآن؟ ما هي الخيارات التي لديهم وأيا من الخيارات الممكنة تلقى تفضيلا لديهم؟ بالطبع سيكون هذا عملية مؤلمة ومشحونة، ولكن إذا بدأت هذه العملية الآن سوف يكون النازحون قادرين على البدء في إعادة بناء حياتهم عاجلا وليس آجلا. أيضا ستسهل عملية تسجيل المعلومات عن الأراضي والممتلكات إمكانية قدرة الناس على التنظيم والتصويت بشكل سريع بعد عودتهم.

ستكون المهمة الأكثر صعوبة هي مساعدة النازحين في محاولة إيجاد أفراد أسرهم، وكثيرا منهم قد اختفى أو قتل . يجب ألا يستهين أحد في تقدير الألم الذي تتطلبه عملية البحث عن الأحبة المفقودين. وقد تكون خطوة مهمة في مساعدة هذه الجهود إنشاء بنك للحمض النووي للمساعدة في تسهيل التعرف في الوقت المناسب، عندما تكتشف بقايا آدمية، وهكذا يمكن لأفراد الأسرة دفن أحبائهم مع بعض الكرامة والخصوصية.

ثالثا، هناك الكثير مما يمكن فعله من الكميات الهائلة من الوثائق التي تم جمعها في السنوات الأخيرة من مناطق الصراع السورية بدلاً من مجرد انتظار المحكمة أو استحداث آلية أخرى. يجب توليف الوثائق وتحليلها. بل أنه قد يكون من المستطاع عقد جلسات استماع عامة (في أماكن آمنة بالطبع) حيثما يمكن للضحايا القدرة على سرد قصصهم مباشرة، دون وساطة من الصحفيين أو أشكال أخرى من التقارير. هذا ليس عدلاً، لكنه يملك بعض الفوائد الحقيقية. كما من شأنه أن يسمح الضحايا بالشعور أن لديهم قوة في التأثير على السياق الأوسع الذي تجري فيه المفاوضات، في محاولة للتأكد من أن التنازلات من أجل السلام تتبع عنصر المبدأ.

يعتمد الأسد على عدد من الأشياء في جهوده المستمرة في البقاء على قيد الحياة: بعض شكل من أشكال الدعم الروسي؛ الصراع المستمر مع داعش؛ عدم وجود معارضة واسعة النطاق منظمة بشكل جيد تركز على الديمقراطية. تسهيل عودة نصف السكان إلى ديارهم هو أقصر طريق لتقويض الاستقرار له وفي نهاية المطاف تَحْرِيض تبدل في الدعم الروسي.

رغم أن ذلك قد يبدو غير مستساغ ، فإن المواقف السياسية التي تختصر النقاش حول العدالة في إزالة أو محاكمة الأسد ليست مفيدة اليوم. إن وقف إطلاق النار بشكل مستقر لهو الوسيلة الوحيدة الممكنة لمساعدة النازحين السوريين في العودة إلى ديارهم. ولكن هذه العملية ستكون مهمة ضخمة. ومع ذلك فهي أكثر عرضة بكثير لتحديد مصير سوريا (وربما أوروبا) في الخمس وعشرين سنة القادمة من أي شيء آخر.

نشرت هذه المقالة في الجزيرة الانجليزية