عشر سنوات على نظام روما الأساسي: النتائج والتحديات

04/07/2012

تميّز يوم 1 تموز/ يوليو 2012 بكونه الذكرى العاشرة لتأسيس المحكمة الجنائية الدولية. ففي مثل هذا اليوم من العام 2002، دخل نظام روما الأساسي حيّز التنفيذ وتأسست بذلك أول محكمة جنائية دولية دائمة.

للإضاءة على هذا الحدث المهم، ننظرفي العقد الأول من عمر المحكمة الجنائية الدولية ونتطلع الى مستقبل أول مؤسسة دولية أساسية في القرن الواحد والعشرين. وسعياً منا للحصول على نظرة من الداخل حول عمل المحكمة الجنائية الدولية، كان لنا هذا الحديث المسجّل بودكاست مع والقاضية سيلفيا فرنانديز دي غرمندي وهي محامية ودبلوماسية أرجنتينية، كما أنها أستاذة زائرة بأكاديمية حقوق الإنسان والقانون الإنساني في كلية الحقوق التابعة للجامعة الأميركية بواشنطن.

للاستماع الى البودكاست

[تنزيل](/sites/default/files/Fernandez_ICTJ_Podcast_06172012.mp3) | المدة: 18:32mins | حجم الملف: 10.6MB

وكانت فرنانديز ضمن الوفد الأرجنتيني أثناء المفاوضات السابقة لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية عام 1995، وتتطرق في هذا الحديث الى كيفية تبلور عمل المحكمة منذ ذلك الحين وتقول "تُعدُّ المعاهدة التأسيسية للمحكمة من أكبر النجاحات التي حققتها؛ فنظام روما الأساسي، الذي يتضمن أول تعريفات شاملة لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، هو في حد ذاته بمثابة نجاح هائل كان له أثره البالغ على التشريعات الوطنية."

أما عن موضوع الإفلات من العقاب، فتقول فرنانديز إن مكافحته تقتضي من المحكمة والدول العمل معاً في إطار منظومة مشتركة. وتتحدث عن تجربة موطنها الأم، الأرجنتين، بحيث بذلت هذه البلاد جهداً كبيراً في التحقيقات وتحريك الدعاوى القضائية على الصعيد الوطني بغية معالجة الانتهاكات التي حصلت في الماضي.

"الشرعية لا تتعلق بالحقيقة فحسب، إنما بمفاهيم الحقيقة في أذهان الناس أيضاً"
    تؤكد فرنانديز أن المحكمة في طور التركيز على الدروس المستخلصة من عملها حتى اليوم، من أجل تحديد كيفية تحسين عملها. ويبقى التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية التحدي الأكبر الماثل أمامها، بحسب فرنانديز. وبينما تضطلع المحكمة الجنائية الدولية بالمزيد من القضايا، سيكون من المهم جداً للدول والمنظمات غير الحكومية تزويدها بالدعم القانوني والمساعدات اللوجستية وتزويدها بالمعلومات.

وتضيف أن المحكمة قد تمكنت من العمل حتى الآن بفضل التعاون من قبل الدول والمنظمات غير الحكومية.

الى ذلك، تتحدث فرنانديز عن النضال المستمر من أجل ضمان نزاهة عمليات المحكمة بدءاً بطول أمد المحاكمات وصولاُ الى اختيار القضايا. في الوقت عينه، تشدد على أن الوعي العام حول كيفية عمل المحكمة هو المفتاح الأساس لنجاحها.

وبحسب فرنانديز "الشرعية لا تتعلق بالحقيقة فحسب، إنما بمفاهيم الحقيقة في أذهان الناس أيضاً." وتعتقد أن الانتقادات الموجهة ضد المحكمة فيما يخص "المعايير المزدوجة" ستضائل كلما ازداد عدد الدول المصدقّة على نظامها الأساسي.

وفيما تعتبر أن المحكمة الجنائية الدولية هي بمثابة "الملاذ القضائي الأخير" انطلاقاً من مبدأ التكامل، تحذر من أن نجاح المحكمة لا يجب أن يقاس بعدد القضايا التي تتولاها إنما بقياس قدرة الأنظمة المحلية على المقاضاة على الجرائم المنصوص عليها في نظام روما الأساسي.

وتعتبر فرنانديز أنه يمكن للمحكمة إطلاع الدول على بعض خبراتها وتجاربها، ولكن إلى حد ما. "أما الباقي فقد لا يكون بمقدور المحكمة نفسها القيام به، ولكن لا بد أن تضطلع به الدول والمنظمات الأخرى؛ وإن كنت أعتقد أن للمحكمة دوراً مهماً في التخطيط لهذه الجهود وتحفيزها."

وفيما تذكّر أن عشر سنوات في حياة المؤسسات هي فترة قصيرة جداً والوقت وحده سيظهر التأثير الذي خلقته المحكمة في عقدها الأول؛ تضيف "علينا أن نتحلى بالصبر لنرى كيف سوف تسير الأمور على المدى البعيد. فمعظم ما يتراءى لنا اليوم وكأنه معضلات قد يتسنى تذليلها مع مضي الزمن وتنامي الخبرة."

في ما يلي النص الكامل للبودكاست:

المتحاوران: رفيك هودزيك من المركز الدولي للعدالة الانتقالية وسيلفيا فرنانديز دي غورميندي، القاضية بالمحكمة الجنائية الدولية منذ يناير/كانون الثاني 2010.

رفيك هودزيك:مرحباً بكم في بودكاست آخر للمركز الدولي للعدالة الانتقالية نستضيف فيه سيلفيا فرنانديز دي غورميندي، القاضية بالمحكمة الجنائية الدولية منذ يناير/كانون الثاني 2010.

والقاضية فرنانديز هي محامية ودبلوماسية أرجنتينية، كما أنها أستاذة زائرة بأكاديمية حقوق الإنسان والقانون الإنساني في كلية الحقوق التابعة للجامعة الأميركية بواشنطن. وكانت ضمن الوفد الأرجنتيني أثناء المفاوضات السابقة لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية، كما كانت عضواً في لجنة صياغة قواعد الإجراءات والأدلة، وعملت بمكتب المدعي العام قبل تعيينها قاضية بالمحكمة الجنائية الدولية.

وسوف نحاول في هذا الحوار استكشاف النجاحات التي حققتها المحكمة الجنائية الدولية، والتحديات الماثلة أمامها وهي تحتفل هذا العام بالذكرى العاشرة لتأسيسها. الآن، وقد مضت عشر سنوات على تأسيس المحكمة الجنائية الدولية، كيف ترين حالة العدالة الدولية اليوم بالمقارنة بما كانت عليه قبل عشر سنوات؟ وما هي مساهمة المحكمة في ذلك؟

سيلفيا فرنانديز:بادئ ذي بدء، أعتقد أن حجم ما تحقق منذ بدأنا المفاوضات حول نظام روما الأساسي عام 1995 كان مذهلاً؛ وأثناء المفاوضات، لا أظن أن أحداً منا قد خطر بباله قط أن المحكمة سوف تدخل حيز الوجود وتباشر مهامها بمثل هذه السرعة؛ فعدد التصديقات اللازمة لدخول المعاهدة حيز التنفيذ كان مرتفعاً للغاية. ومن ثم فإن دخولها حيز التنفيذ بعد أربع سنوات، وشروع المحكمة في الاضطلاع بمهامها عام 2003 هو نجاح هائل، يظهر بجلاء أن الحماس الذي كان سائداً خلال التسعينيات من أجل إنشاء هذا النوع من المحاكم لم يفتُر.

ولقد شهدت الأعوام العشرة الماضية تطورات عديدة. فقد بدأت المحكمة التحقيقات وتحريك الدعاوى القضائية في سبع حالات، ولا تزال عدة محاكمات ماضية في طريقها؛ وقد انتهت مؤخراً إجراءات أول محاكمة في 14 مارس/آذار الماضي، وهي الدعوى المقامة ضد لوبانغا، ونحن الآن بانتظار صدور الأحكام والقرارات القضائية الخاصة بالتعويضات.

كل هذه الأمور تظهر أن المحكمة دخلت في طور قضائي كامل، وهو إنجاز لا يُستهان به خلال هذا العدد من السنوات.

رفيك هودزيك: ما هو في رأيك أكبر نجاح أحرزته المحكمة الجنائية الدولية خلال السنوات العشر الماضية؟

سيلفيا فرنانديز:تُعدُّ المعاهدة التأسيسية للمحكمة من أكبر النجاحات التي حققتها؛ فنظام روما الأساسي، الذي يتضمن أول تعريفات شاملة لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، هو في حد ذاته بمثابة نجاح هائل كان له أثره البالغ على التشريعات الوطنية.

وحتى يومنا هذا، صادقت 120 دولة على نظام روما الأساسي. وقام بعض هذه الدول بسن تشريعات لتنفيذ أحكام المعاهدة، وكان لهذه التعريفات والمبادئ القانونية أثر كبير في تحقيق التناغم والانسجام بين التشريعات [الوطنية] في مختلف بلدان العالم بشأن الجرائم الدولية.

وفضلاً عن هذا، فقد أظهرت المحكمة قدرتها على فتح التحقيقات وتحريك الدعاوى القضائية، مما يُعدُّ أيضاً بمثابة خطوة بالغة الأهمية.

رفيك هودزيك: ولكن المحكمة في الوقت ذاته واجهت العديد من التحديات في عملها. فما هي أكبر التحديات الماثلة أمامها الآن في رأيك؟

سيلفيا فرنانديز: لقد كان التعاون مع المحكمة دائماً هو أكبر التحديات الماثلة أمامها، بل وأمام المحاكم الدولية عموماً. فالحصول على هذا التعاون ليس بالأمر السهل لأنه حتى الدول والمنظمات المؤيدة للمحكمة من حيث المبدأ ليست بالضرورة على استعداد للتعاون معها بصورة ملموسة لشتى الأسباب.

كما أن المحكمة ليست بحاجة للمساعدة القانونية فحسب، وإنما أيضاً للكثير من الدعم اللوجيستي بالنظر إلى الموقع الذي تعمل فيه. وهذا واحد من التحديات لأنه في كثير من الأحيان لا تكاد المحكمة تجد أي بلدان أو منظمات يمكن أن تتعاون معها في مثل هذه الظروف.

كما أن تقديم معلومات حول هذه الأنواع من الجرائم قد يكون أحياناً أمراً بالغ الصعوبة بالنسبة للدول، بطبيعة الحال، إما بسبب مصلحتها الوطنية أو بسبب تصورها للمصلحة الوطنية.

إجمالاً، أعتقد أن المحكمة تلقت ما يكفي من التعاون للقيام بإجراءات التحقيق والمقاضاة؛ ولكن هذه الصعوبات في نيل التعاون المنشود، بالطبع، هي ما يطيل أمد الإجراءات ويجعلها بالغة الصعوبة أحياناً.

رفيك هودزيك: هناك أيضاً صعوبة تتعلق بشرعية المحكمة؛ فقد وجهت بعض سهام النقد للمحكمة الجنائية الدولية بوصفها أداة سياسية في يد مجلس الأمن الدولي، وبأنها تستهدف الجناة من إفريقيا في الوقت الذي تغض فيه الطرف عن اختصاصها القضائي في أنحاء أخرى من العالم؛ فكيف تردون على هذه الانتقادات؟

سيلفيا فرنانديز: إن التعامل مع قضايا الشرعية هو أمر بالغ التعقيد دائماً لأن الشرعية لا تتعلق بالحقيقة فحسب، إنما بمفاهيم الحقيقة في أذهان الناس أيضاً.

ولا شك أن اختيار الحالات والقضايا هو أهم وأصعب أمر يواجه المحكمة فيما يتعلق بمسألة الشرعية. يجب ألا ننسى أن للمحكمة طموحاً عالمياً ولكنها لم تظفر بعد بمشاركة عالمية. تلك مشكلة في حد ذاتها لأنها تعني أن المحكمة لن يكون بمقدورها إجراء تحقيقاتها في أي بلد من بلدان العالم، حتى وإن كانت الجرائم المرتكبة تستوجب من المحكمة التحقيق فيها.

وبالإمكان حلّ هذه المشكلة مع مضي الزمن، ومع تزايد عدد الدول المصدقة على النظام الأساسي للمحكمة، الأمر الذي من شأنه أن يقلل أي انطباع بازدواج معاييرها.

رفيك هودزيك: يعد مبدأ التكامل من المبادئ الجوهرية لنظام روما الأساسي، حيث تقع على عاتق الولايات القضائية الوطنية المسؤولية الرئيسية عن التحقيق في الجرائم الدولية ومقاضاة مرتكبيها، وتكون المحكمة الجنائية الدولية بمثابة الملاذ القضائي الأخير. فما هو دور المحكمة الجنائية الدولية في التحقيق الفعلي لمبدأ التكامل؟

سيلفيا فرنانديز: يدور حالياً جدل واسع حول هذه القضية تحديداً. فخلال المفاوضات الأولية، طُرحت مسألة التكامل بصورة سلبية، بحسبانها حائلاً أمام تدخل المحكمة في قضية محددة. والآن، بعد مضي 10 سنوات، هناك إدراك أوسع بأن التكامل يمثل فرصة أمام المحكمة. فالمحكمة الجنائية الدولية هي محكمة عالمية، ولكن ليس بمقدورها التواجد في جميع الحالات، أو النظر في جميع القضايا، مما يعني أن مكافحة الإفلات من العقاب تقتضي من المحكمة والدول العمل معاً في إطار منظومة مشتركة.

أما لأي مدى يمكن للمحكمة أن تكون حافزاً يدفع الدول للتحقيق والمقاضاة فهذا سؤال تصعب الإجابة عليه.

فمبقدورها تقديم بعض المساعدة الفنية لسلطات الادعاء الوطنية، ولكن التفويض الممنوح للمحكمة لا يشمل في الواقع المساعدة في بناء القدرات الوطنية أو التحقيقات الوطنية.

يمكن للمحكمة إطلاع الدول على بعض خبراتها وتجاربها، ولكن إلى حد ما. أما الباقي فقد لا يكون بمقدور المحكمة نفسها القيام به، ولكن لا بد أن تضطلع به الدول والمنظمات الأخرى؛ وإن كنت أعتقد أن للمحكمة دوراً مهماً في التخطيط لهذه الجهود وتحفيزها.

رفيك هودزيك: الأرجنتين بلد له تاريخ غني بجهود العدالة الانتقالية الرامية لمعالجة انتهاكات حقوق الإنسان التي وقعت إبان الحكم الديكتاتوري. ما هو، في رأيك، الأثر الذي خلفته تدابير العدالة الانتقالية تلك على المجتمع الأرجنتيني؟

لقد بذلت الأرجنتين حقاً جهداً كبيراً في التحقيقات وتحريك الدعاوى القضائية على الصعيد الوطني بغية معالجة الانتهاكات التي حصلت في الماضي؛ وقد تم سن بعض القوانين في أعقاب المحاكمات الأولى للطغمة العسكرية في مطلع الثمانينيات، ولكن هذه القوانين ألغيت الآن، فأعيد الآن فتح العديد من الملفات القضائية والتحقيقات.

لقد كانت الأرجنتين من أشد مؤيدي المحكمة الجنائية الدولية منذ البداية، ولم يكن ذلك رغبةً منا في أن تنهض المحكمة بعبء التحقيقات ومباشرة الدعاوى القضائية بالنيابة عنا؛ بل إننا على العكس من ذلك مثالٌ يظهر كيف أنه من المفيد أن يضطلع المجتمع بهذه الأمور إذا ما وجد إلى ذلك سبيلاً.

لكننا أدركنا الأهمية البالغة للتحقيقات وتحريك الدعاوى القضائية، ومن ثم فحينما تعجز الدولة – أو تمتنع – عن القيام بها، فمن المهم أن تكون لدينا محكمة بمثابة الملاذ القضائي الأخير الذي يمكن أن يسد هذه الفجوة. ولا نزال نرى هذا التكامل بين ما يمكن فعله على الصعيد الوطني وما يمكن فعله على الصعيد الدولي.

رفيك هودزيك: ما هي الرسالة التي ترغبين في توجيهها إلى جماهيرنا ونحن نحتفل بالذكرى العاشرة لتأسيس المحكمة الجنائية الدولية؟

سيلفيا فرنانديز: من المهم أن يتحلى الجميع بالصبر ، داخل المحكمة وخارجها، ، فعشر سنوات في حياة المؤسسات هي فترة قصيرة جداً؛ ولذا حينما نقول "يا للعجب، ها نحن نحتفل بمضي عشر سنوات، وقد حدث الكثير الكثير". نعم لقد حدث الكثير، ولكن المحكمة لا تزال بعد في مهدها.

علينا أن نتحلى بالصبر لنرى كيف سوف تسير الأمور على المدى البعيد. فمعظم ما يتراءى لنا اليوم وكأنه معضلات قد يتسنى تذليلها مع مضي الزمن وتنامي الخبرة؛ وقد يقتضي بعضها إجراء تعديل أو تغيير في طريقة عملنا.

ولكن من بين المشاكل التي تواجه المحكمة – ربما بسبب الحماس البالغ الذي قوبلت به - أن هناك توقعات هائلة بشأن ما يمكن للمحكمة إنجازه، وسرعة إنجازه. فبعد مضي عشر سنوات [على إنشاء المحكمة الجنائية الدولية]، نحن بحاجة لشيء من الحذر والصبر، وإتاحة الفرصة للمحكمة كي تواصل تطورها.

الصورة: سيلفيا فرنانديز دي غورمندي تؤدي اليمين الدستورية خلال حفل اداء اليمين في منصب قاض جديد للمحكمة الجنائية الدولية، 20 يناير 2010. BAS CZERWINSKI/AFP/Getty Images