مقابلة مع بابلو بارينتي حول محاكمات المدرسة الميكانيكية البحرية في الأرجنتين

14/12/2011

مقابلة المركز الدولي للعدالة الانتقالية مع بابلو بارينتي من وحدة المدّعي العام المعنية بالتنسيق ورصد حالات انتهاكات حقوق الانسان في ظلّ الحكم الدكتاتوري في الأرجنتين.

س: لماذا المدرسة الميكانيكية البحرية قيد المحاكمة في الأرجنتين اليوم؟

ج: هذه المدرسة قد استُخدمت كمركز اعتقال سرّي- أحد المراكز العديدة التي أنشئت في الأرجنتين خلال الحكم الدكتاتوري وأحد أكبرها. ويقدّر عدد المعتقلين هناك بخمسة آلاف شخص. ويتمّ التحقيق والمحاكمة في قضية المدرسة إلى جانب النظر في مراكز اعتقال سرية أخرى في مختلف المحافظات في البلاد.

وإن مركز اعتقال المدرسة الميكانيكية البحرية الأرجنتينية قد عُلم بأمره خلال الحكم الدكتاتوري بفضل ناجين أدلوا بشهادتهم في تلك السنوات. وهكذا، فإنها محاكمة ذات آثار دولية. ولكم، وعلى أهمية المحاكمة، إلا آنّها واحدة من بين العديد من المحاكمات الجارية حالياً في الأرجنتين

س: إنتهى الحكم العسكري الدكتاتوري عام ١٩٨٣ ولكن لم تُلغ القوانين التي تحمي العسكر من المحاكمة إلا في عام ٢٠٠٥. ماذا حصل في نظام العدالة الجنائية الأرجنتينية منذ ٢٠٠٥؟

ج: قبل المغادرة عام ١٩٨٣، سنّ النظام العسكري قانون العفو الذاتي لحماية نفسه من الملاحقة القضائية. وتمّ إلغاء هذا القانون عام ١٩٨٤، وكانت هناك بعض المحاكمات بعد الإلغاء- أشهرها محاكمة القادة. ثم تمّ سنّ قوانين حدّت من المحاكمات خلال الفترة الديمقراطية- قانون الوقف التام وقانون الإطاعة الواجبة والإعفاءات الرئاسية. وتمّ إلغاء قوانين الإفلات من العقاب هذه في بداية عام ٢٠٠١ وفي العام ٢٠٠٥ أصدرت المحكمة العليا الأرجنتينية حكماً اعتبرت فيه تلك القوانين غير دستورية بما أنّها انتهكت واجب الملاحقة القضائية على هذه الجرائم.

وأيضاً عام ٢٠٠١، تم الشروع تدريجياً في إعادة فتح الدعاوى وبدأت المحاكم والقضاة والمدّعين في كافة أنحاء البلاد بالتدخّل ممّا أوجب تطوير استراتيجية تمنح الاتّساق لهذه العملية.

وهذا ما نحاول القيام به في وحدة المدّعي العام التي أنسّق أعمالها والتي أنشئت عام ٢٠٠٧. نحاول رصد الدعاوى عن كثب وإضفاء نوع من المنطق على مسار العدالة.

س: كيف تقيّم الاستراتيجية القانونية لوحدة المدّعي العام منذ ٢٠٠٧؟

ج: إن العملية القضائية الجارية في الأرجنتين حالياً طموحة للغاية. ويكمن التحدّي في الملاحقة على مجموعة كبيرة جداً من الجرائم المرتكبة في مختلف أنحاء البلاد ونحن نحاول المحاكمة على كافة الجرائم التي ارتُكبت خلال الدكتاتورية وليس أفعال محدّدة وحسب.

فضلاً عن ذلك، يحصل هذا في المحاكم نفسها التي تنظر في أنواع أخرى من الجرائم. فقد اختارت الأرجنتين عدم إنشاء محاكم خاصة للمحاكمة على هذا النوع من الجرائم وقد كان هذا الأمر مهماً إذ أنّه يمنح هذه المحاكمات مشروعية لا شكّ فيها. فدائما" ما يمكن الاشتباه بالمحاكم الخاصة بأنها منحازة.

لكنّ ذلك يعني صعوبة إضافية تدخل في الأخذ بكميات كبيرة من الإحصاءات القانونية في المحاكمات الجارية في مختلف أنحاء البلاد. وإدارة هذه العملية ليست بالمهمة السهلة. ويكمن هدفنا الأساسي في وحدة المدّعي العام في تركيز التحقيقات على أساس العامل المشترك. فمثلاً، يتم التحقيق في كافة الأفعال المرتكبة في مركز الاعتقال ذاته بموجب تحقيق واحد، وينتج عن هذا التحقيق محاكمة واحدة. ولا شك أن هذه المنهجية لها حسناتها وسيئاتها فتظهر هذه المحاكمات أفضل وأسوأ ما في النظام العدلي.

حتى أننا نكشف حالات ضمن النظام العدلي بحدّ ذاته، موظفون من النظام العدلي ضلعوا في جرائم عبر دورهم القانوني خلال سنوات الدكتاتورية. مثلاً، فيما نتكلّم الآن، يقوم المجلس العدلي رسمياً بتنحية قاضٍ وهو من محكمة الاستئناف في مندوزا وقد تمّت محاكمته على جرائم ضدّ الإنسانية من خلال دوره القضائي خلال الدكتاتورية ولكنّه أكمل عمله كقاض حتى الآن.

س: ما الذي يعنيه للمجتمع الأرجنتيني، بخاصة الضحايا، أن يتمّ الحكم على هؤلاء الجناة بعد كل هذه السنوات؟

ج: هذه استجابة لطالما تمنّاها الضحايا، وهي استجابة كان على الدولة إنجازها من قبل ولكن لم يكن من الممكن أن تتحقّق من قبل لأسباب سياسية. كما أن هذه المحاكمات جارية بفضل جهود الضحايا وبذلك يُنظَر إلى هذه العملية برضا وبغية التعويض. فلو انتهت العملية الانتقالية بالإفلات من العقاب، لكان انتصار لمن ارتكب اسوأ الأفعال.

إن العملية الحالية لن تجلب العديد من الجناة للمحاكمة- فمعظمهم توفّوا والكثيرون لن يتم التعرّف عليهم. ولكن اليوم، المحاكم تعمل وكل الأدلة التي نستحصل عليها نسلّمها فوراً إلى السلطات. هذه حقبة المحاكمات المفتوحة والمحاكم التي تعمل للكشف عن الرعب الذي ارتُكب في الأرجنتين والمحاكمة عليه وهذل أمر مهمّ للغاية للمجتمع.

س: ما هي التدابير الأخرى الواجب اتخاذها، غير المحاكمات الجنائية، لضمان عدم تكرار انتهاكات حقوق الإنسان؟

ج: حقيقة، إن أمكننا ضمان عدم التكرار- إذا ما وصلت الإنسانية مرة إلى هذه المرحلة- فيمكنها الوصول إلى هناك مرة أخرى. ومن هنا أهمية هذه المحاكمات. الأهمية هي في كشف الحقيقة ليعرف الناس مدى بشاعة ما ارتُكب، ومعرفة ما يقدر المجتمع على ارتكابه.

وعدا عن ذلك، لا بدّ من الإشارة إلى أنه كان للأرجنتين سياسة تعويضات واسعة النطاق، ليست اقتصادية وحسب ولكن أيضاً أماكن عديدة مخصّصة لإحياء الذكرى. وفي السنوات الأخيرة، كانت الدولة ملتزمة من دون أدنى شك بإحياء الذكرى وجبر الضرر. وهذا أمر تلاحظه على جدول الأعمال اليومي للحكومة. والمحاكمات ليست أحداثاً منعزلة وهي تدخل في إطار سياسة إحياء الذكرى وجبر الضرر للضحايا.

س: ما هي الدروس التي يمكن استخلاصها من حالة الأرجنتين والتي قد تكون ذات إفادة لدول أخرى فى أوضاع مماثلة؟

ج: من جهة، إن حالة الأرجنتين هي رمز لما كانت عليه الفظاعة. فقد أصبحت جريمة الإخفاء معروفة عبر العالم بسبب تجربة الأرجنتين. ولكن الأرجنتين كانت مثالاً أيضاً لمحاولات تحقيق العدالة. وما إن سقطت الدكتاتورية حتى بدأت محاكمة المتهمين. وقد ذاع صيت محاكمة المجموعة العسكرية الحاكمة عبر العالم.

ومع بروز العفو الرئاسي والقوانين التي تحدّ من المحاكمات، أظهرت الأرجنتين أنه يمكن العودة فوق الإفلات من العقاب وتخطيه. وتعيش دول أخرى تجربة مماثلة وتكافح فخ قوانين الإفلات من العقاب الذي يعرقل عمل العدالة.

كما أن مثال الأرجنتين مهم للغاية من ناحية إظهار كيفية سير هذه المحاكمات من دون التسبّب بصدمة إجتماعية- فالنظام الديمقراطي ليس مهدداً، بل على العكس، فقد شكلّت هذه المحاكمات تجربة تأسيسية هنا، مرحلة جديدة للديمقراطية. ليس عليك تقديم تنازلات سياسية من أجل إحقاق العدالة. لا بدّ من إحلال العدالة لأن هذا ما يجب أن يحدث. فالمحاكمات بحدّ ذاتها تثبت مشروعيتها ولها أثر دائم على المجتمع.

أجريت المقابلة باللغة الاسبانية.