المحكمة العراقية العليا تختار السرعة على العدالة في حكمها النهائي: ضياع الفرصة لتصحيح عيوب قضية الدجيل

26/12/2006

بغداد نيويورك 27 ديسمبر/كانون الأول 2006 - صرح المركز الدولي للعدالة الانتقالية أن دائرة التمييز بالمحكمة العراقية العليا قد أخطأت عندما فضلت السرعة على العدالة، ويبدو أنها بدلا من تصحيح أوجه النقص الخطيرة في محاكمة الدجيل، خضعت للضغط السياسي وأصدرت حكمها النهائي في عجلة تبعث على القلق.

وكان ثمانية متهمين قد حوكموا في قضية الدجيل. وصادقت دائرة التمييز على الأحكام الصادرة علي سبعة منهم، ومن بينهم صدام حسين. أما المتهم الثامن، وهو طه يس رمضان النائب السابق لرئيس الجمهورية، ورئيس جيش البعث، فقد قررت دائرة التمييز الحكم بإعدامه بدلا من السجن مدى الحياة. والمركز الدولي للعدالة الانتقالية يعارض من حيث المبدأ تطبيق عقوبة الإعدام.

وتقول السيدة ميراندا سيزونس رئيس برنامج العراق بالمركز الدولي للعدالة الانتقالية، وعضو فريق المركز في مراقبة جلسة المحاكمة: "لقد صدر قرار دائرة التمييز في سرعة زائدة لا تتناسب مع قضية تتناول جرائم دولية معقدة. وكان ينبغي على الدائرة أن تجري مراجعة جادة للوقائع الاستدلالية من أجل ضمان توفر العدالة. ولكن شيئا من هذا لم يحدث."

وللمزيد من المعلومات عن أوجه القصور التي تتعلق بمحاكمة الدجيل، يمكنكم الرجوع إلى المذكرة التي أصدرها المركز الدولي للعدالة الانتقالية في نوفمبر/تشرين الثاني 2006 بعنوان "الدجيل: المحاكمة والخطأ؟"

وفي 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2006 أعلنت المحكمة قراراتها وأحكامها في قضية الدجيل، ولكنها لم تصدر رأيها المكتوب إلا في 22 نوفمبر أي بعد انقضاء أكثر من نصف المدة المقررة للتقدم بطلب التمييز (الاستئناف)، ولم تسمح لهيئة الدفاع إلا بأحد عشر يوما لدراسة الحكم قبل تقديم طلبات التمييز في 3 ديسمبر/كانون الأول. وأعلنت دائرة التمييز حكمها النهائي في 26 ديسمبر أي بعد ثلاثة أسابيع. وتنص لائحة المحكمة على تنفيذ جميع الأحكام خلال 30 يوما من صدور الحكم النهائي، مما يعني أنه لن تتم محاكمة المتهمين الذين وجهت إليهم اتهامات في قضايا أخرى، مثل صدام حسين في قضية الأنفال.

إن السرعة الشديدة التي صدرت بها هذه القرارات تعكس التزايد الواضح في تغلب الدواعي السياسية على إجراءات المحكمة. وقد تكرر خضوع المحكمة للتدخل السياسي في أعمالها، بما في ذلك تنحية رئيس الجلسة في قضية الأنفال في 19 سبتمبر/أيلول 2006. وفي نوفمبر/تشرين الثاني صرح مسؤولو الحكومة أن الأحكام سيتم تنفيذها قبل نهاية العام. وانتشرت الشائعات في بغداد حول الحكم بإعدام صدام حسين. ولم يكن مما يثير الدهشة أن يعلن مستشار الأمن القومي العراقي على الملأ خبر أحكام دائرة التمييز قبل عدة ساعات من عقد المؤتمر الصحفي للمحكمة.

وتقول السيدة ميراندا سيزونس: "إن من حق ضحايا العراق أن يصدر قرار يستطيع الصمود أمام كل الظروف. وبدلا من هذا لم يكن نصيبهم إلا إجراءات تشوبها المخالفات القانونية، وصورة مشوهة للجرائم الجسيمة التي ارتكبها بحقهم زعماؤهم السابقون، إن تطبيق حكم الإعدام سيجعل أخطاء الدجيل أمرا لا يمكن الرجوع فيه، وسوف يحرم الجميع من العدالة، بمن فيهم ضحايا تلك الجرائم."

خلفية محاكمة الدجيل

تعود وقائع محاكمة الدجيل إلى هجوم انتقامي ضد سكان الدجيل الواقعة شمال بغداد، عندما قام سكانها بمحاولة اغتيال لموكب الرئيس السابق صدام حسين في 8 يوليو/تموز 1982. وخلال الأيام التي تلت هذا التاريخ تم احتجاز مئات من السكان وتعذيبهم تحت ظروف لا إنسانية. ثم أحيل 146 شخص من المحتجزين إلى محكمة الثورة وحكم عليهم بالإعدام وتم إعدام مائة منهم فيما كان 46 آخرون ممن حكم عليهم أيضا بالإعدام قد لقوا حتفهم تحت التعذيب، وكذلك تم إبعاد مئات من أقربائهم بينهم رجال ونساء كبار السن، وعدد من الأطفال، إلى معسكر في الصحراء، كما صودرت مساكنهم، وأزيلت بساتينهم، ودمرت ممتلكاتهم.

وقامت المحكمة العراقية العليا بمحاكمة ثمانية متهمين في قضية الدجيل، تتفاوت مستويات مراكزهم الرسمية، على رأسهم الرئيس السابق صدام حسين، وأخوه غير الشقيق المدير السابق للمخابرات برزان التكريتي، ونائب رئيس الوزراء السابق والذي أصبح فيما بعد نائبا لرئيس الجمهورية وقائد جيش البعث طه يس رمضان، ورئيس محكمة الثورة عواد حمد البندر. وفي الجانب الآخر من المتهمين أولئك الذين يحتلون مراكز متوسطة وأقل مستوى في عضوية حزب البعث ومنهم عبد الله الرويد ومظهر الرويد من كبار أعضاء الحزب في الدجيل، وعلى دايه علي ومحمد عزاوي على من موظفي الحزب في الدجيل. ووجهت إلي المتهمين ارتكاب جرائم ضد الإنسانية بما في ذلك القتل والتهجير والحبس والتعذيب والاختفاءات و"أعمال أخرى لا إنسانية".

وجدير بالذكر أنه فضلا عن ضرورة إثبات تلك الجرائم الأساسية، فإن ارتكاب جرائم ضد الإنسانية يتطلب توافر الدليل على إعداد هجوم منهجي على نطاق واسع ضد السكان المدنيين، كما يتعين أن يكون المتهمون على علم بأنهم يتصرفون داخل ذلك السياق. وتنص المادة 406 من القانون الجنائي العراقي على معاقبة جريمة القتل بالإعدام.

وفي 5 نوفمبر/تشرين الثاني قضت الدائرة رقم 1 بالمحكمة العراقية العليا بأن الرئيس السابق صدام حسين، ومدير المخابرات السابق برزان التكريتي مذنبان بارتكاب جرائم القتل العمد والتعذيب والإبعاد/الترحيل القسري والحبس وغير ذلك من الأعمال اللاإنسانية. وحكم عليهما بالإعدام والسجن سنوات عديدة. أما رئيس محكمة الثورة السابق عواد حمد البندر فقد تقرر أنه مذنب بجريمة القتل العمد، وحكم عليه بالإعدام. كما تقرر أن طه يس رمضان نائب رئيس الجمهورية السابق وقائد جيش البعث، مذنب بجريمة القتل العمد والإبعاد والتعذيب والسجن وأعمال أخرى لا إنسانية، وتقرر الحكم عليه بالسجن مدى الحياة، وأحكام أخرى بالسجن، ولكن دائرة التمييز شددت ذلك الحكم في 26 ديسمبر/كانون الأول إلى الحكم بإعدامه. وقررت المحكمة أن عبد الله الرويد وعلي دايه علي عضوي حزب البعث السابقين مذنبان بجرائم القتل العمد والتعذيب والسجن، وحكم عليهما بالسجن 15 سنة إلى جانب أحكام أخرى بالسجن. وأدين مظهر الرويد أحد كبار أعضاء حزب البعث بنفس الجرائم والعقوبات. وقررت المحكمة أن جميع المتهمين مذنبون في هذه الجرائم كجرائم ضد الإنسانية. وتمت تبرئة جميع المتهمين من تهمة الاختفاءات القسرية، ورفضت المحكمة الاتهامات الموجهة إلى محمد عزاوي علي عضو البعث السابق في الدجيل، على أساس نقص الأدلة.

دور المركز الدولي للعدالة الانتقالية فيما يتصل بالمحاكمة

قام المركز بدور حاسم في محاكمة الدجيل، إذ كان إحدى منظمتين اثنتين فقط سمح لهما بحضور جلسات المحاكمة. وقبيل المحاكمة كان المركز قد وضع ملاحظاته وتعليقاته على اللائحة وقواعد الإجراءات والأدلة الخاصة بالمحكمة . و حضر مراقبو المركز المتحدثون ب العربية معظم الجلسات ابتداء بالافتتاحية، واشترك في مناقشات ومقابلات عديدة مع كبار المشاركين في أربع زيارات ، شارك في إحداها الخبير الدولي روبن فينسنت الذي كان من ال مسجل السابق ل لمحكمة الخاصة بسيراليون.

و قد حرص المركز على المساهمة المستمرة في ذلك النشاط، و نظم قبل بدء المحاكمة، حواراً في لندن بشأن المعايير الدولية مع هيئة القضاء والادعاء، كما أعد تقييما للملفات الخاصة بالمحكمة، وقام بمراسلة موظفي المحكمة، وأدلى بتعليقات مستفيضة إلى وسائل الإعلام طوال أيام المحاكمة، ومارس المركز نشاطه في العراق قبل بدء المحاكمة، واشترك مع جامعة كاليفورنيا (بيركلي) في إعداد مسح شامل على مستوى الدولة كلها بشأن تطلعات العراقيين بخصوص العدالة الانتقالية.

عن المركز الدولي للعدالة الانتقالية

يسعى المركز الدولي للعدالة الانتقالية لمعالجة أخطر انتهاكات حقوق الإنسان ومنعها من خلال التصدي لإرث الماضي من الانتهاكات واسعة النطاق. ويتوخى المركز حلولاً كلية شاملة ترمي لتعزيز المساءلة وخلق مجتمعات يسودها العدل والسلم. للمزيد من المعلومات. لمزيد من المعلومات زوروا: www.ictj.org/ar

للاتصال

حبيب نصار (نيويورك) مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال افريقيا المركز الدولي للعدالة الانتقالية Phone +1 917 637 3839 hnassar@ictj.org

رفيك هودزيك (نيويورك) مدير قسم الإعلام المركز الدولي للعدالة الانتقالية Phone +1 917 975 2305 rhodzic@ictj.org