"الحربُ كما أراها": تصوّرات الشّباب ومعرفتهم بالحرب الأهليّة اللّبنانيّة

منذ التّوصل إلى اتفاقٍ سياسيّ قضَى بإنهاء الحرب في العام ١٩٩٠، لم يُؤتَ بأي محاولةِ تفاوضٍ جادّة تؤول إلى معالجة إرث تلك الحرب. فغابتِ المُحاسبة على انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتُكبت إبّان النّزاع. هذا ولم يُسجّل أي عمليّة مُجدية للبحث عن الحقيقة أو أيّ اعترافٍ رسميّ بمُعاناة الضّحايا أو أيّ مُحاولة لإنشاء سرديّة دقيقة وموضوعيّة عن الحرب. وقد سمحَ ذلكَ للفرقاء السّياسيّة والاجتماعيّة بأن تتنافسَ من أجل وضعِ اليدِ على السّجلات التاريخيّة. ولمّا كان كُلُّ فريقٍ يُلقي اللّومَ على الفريق الآخر، تعدّدت السّرديات التّي جاءت مُسيّسةً ومُجتزَأة. 

نور البجاني
Download document

منذ التّوصل إلى اتفاقٍ سياسيّ قضَى بإنهاء الحرب في العام ١٩٩٠، لم يُؤتَ بأي محاولةِ تفاوضٍ جادّة تؤول إلى معالجة إرث تلك الحرب. فغابتِ المُحاسبة على انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتُكبت إبّان النّزاع. هذا ولم يُسجّل أي عمليّة مُجدية للبحث عن الحقيقة أو أيّ اعترافٍ رسميّ بمُعاناة الضّحايا أو أيّ مُحاولة لإنشاء سرديّة دقيقة وموضوعيّة عن الحرب. وقد سمحَ ذلكَ للفرقاء السّياسيّة والاجتماعيّة بأن تتنافسَ من أجل وضعِ اليدِ على السّجلات التاريخيّة. ولمّا كان كُلُّ فريقٍ يُلقي اللّومَ على الفريق الآخر، تعدّدت السّرديات التّي جاءت مُسيّسةً ومُجتزَأة. 

ونظرًا إلى أنّ المناهج الدراسيّة المُعتمدة لا تتناولُ حقبة الحرب الأهليّة ولا تاريخ لبنان الحديث، فإنّ غالبيّة الرّوايات المُتعلّقة بالنّزاع تُستمدُّ من الذّكريات الفرديّة التي تناقلتها الأجيال عبرَ أفرادِ العائلات أو الجيران الذّين نجُوا من الحرب. وكان من شأن ذلك أن أبقى جيلَ الشّباب بلا مصدرٍ رسميّ يُزوّدهم بمعلوماتٍ عن الحرب كي يتمكّنوا من فهم تلك الحرب وفهم إرثها، على الرّغم من أنّها غالبًا ما تُشكّلُ جُزءًا من تاريخهم الشّخصيّ ومن هوّياتهم على حدّ سواء. وقد أسفرَ ما تقدّم عن جهلِ جيل ما بعد الحرب والعامّة من النّاس لِمَا حصلَ فعلًا خلال النّزاع. وفي ظلّ تفاقم الاضطراب الأمني والعنف السّياسيّ إلى حدٍّ يُنذرُ بالخروج عن السّيطرة، ويُعيد حقبة ما قبلَ الحرب إلى أذهانِ الكثيرين ممّن عاشوها، يقعُ الشّبابُ عرضةً للتلاعب السّياسيّ.

"ملامح الهدنة" ل كريستينا بطرس
 

يمكن مشاهدة الصور هنا.

ومع ذلك، يطرحُ الكثير من الأفراد والمراهقين والشّباب اللّبنانيّين تساؤلاتٍ عن الماضي وعن معاناةٍ قاسها أفراد عائلاتهم. بُغيةَ الإجابة على هذه التّساؤلات، أطلقَ المركز الدّولي للعدالة الانتقاليّة، في شهر تشرين الأوّل/ أكتوبر من العام 2015، بدعمٍ من سفارة سويسرا في لبنان، مسابقة تصوير فوتوغرافي تتوجّهُ إلى فئة الشّباب (المُتراوحة أعمارهم ما بين 15 و25 سنة) وقد حملت عُنوانَ "الحربُ كما أراها". وقد تتضمّن المشروع عناصرَ عدّة هي: مسابقة تصوير فوتوغرافي استهدفت الشّباب الذّين تراوحت أعمارهم ما بين 15 و25 سنة، ومعرضٌ متنقّل حَوَى 26 صورةً مُشاركة واستمرَّ من أيلول/ سبتمبر من العام 2016 إلى شباط/ فبراير من العام 2017، بالإضافة إلى جلسات نقاشٍ عُقدت خلال إقامة المعرض ورَمَت إلى إطلاقِ حوارٍ بنّاء حولَ الماضي، لا سيّما بينَ الخبراء والأكاديميين والشّباب. 

ويعرضُ هذا التقرير نتائج ذلك المشروع. وهو يُبيّنُ أنّ الجيلَ الذّي وُلدَ بعدَ العام 1990 يفتقرُ المعلومات الأساسيّة المُتعلّقة بالحرب، كما يُبيّنُ أنّ الشّباب المُشاركينَ في المشروع يمتلكهمُ فضولٌ كبيرٌ لمعرفة مجريات الحربِ والتّأمّلِ فيها. وقد عبّرَ الأكاديميّون والخبراء الذّين شاركوا في النّقاشات العديدة عن مدى أهميّة نشر المعرفة ومناقشة الحرب الأهليّة وأسبابها بين أوساط الشّباب، وذلكَ بغيةَ إرساءِ سلامٍ مُستدامٍ والحؤول دون عودة أعمال العنف. 

بشكلٍ عامّ، تحسّنت معرفة الشّباب بالحرب الأهليّة وبأعمال العنف التي تلتها، وأدركُوا ضرورة توضيح ما حصل في الماضي، وذلكَ نتيجةً لمُشاركتهم في المعرض والنّقاشات. وفي المُجملِ، صرّحَ 82.9 في المئة من الشّباب المُشاركين في المشروع أنّ المعرضَ والنّقاش قد دفعاهم إلى التّفكير مليًّا في كيفيّة تأثير الحربِ فيهم وفي جماعاتهم وفي المُجتمع اللّبنانيّ كَكُلّ. وقالَ 66.4 في المئة من أصل هؤلاء المُشاركين إنَّ المعرضَ والنّقاش قد بيّنَا تأَثُّرَ الكثير من الجماعات والمجموعات بالحرب. هذا وقد صرَّحَ الكثير من المُشاركين إنّهم أصبحوا أكثرَ تعاطفًا مع تجارب الناس المختلفة خلال الحرب ومع أعمال العنف في مرحلة ما بعدَ الحرب، وذلكَ إثرَ مُشاركتهم في النّقاشات العديدة. وفي الوقت نفسه، أعربَ عددٌ من المُشاركين عن قلقهم على مُستقبل بلدهم، وعن خوفهم من اندلاعِ النّزاع المُسلّح مجدّدًا، كما أعربوا عن انعدامِ ثقتهم بالزّعماء السّياسيين وبالمُؤسسات الحكوميّة. 

وعليه، فمن الأهميّة بمكانٍ أن يُنظرَ مليًّا في قلّةِ المعرفة بمُجريات الحرب، وذلكَ بُغيةَ التّصدي للإفلات من العقاب عن الانتهاكات المُرتكبة في الماضي وللظُلم الذّي يُعانيه الضّحايا. ويُمكنُ إِشراك الشّباب في تحقيقِ التّغيير أن يحثّهم على الشّروعِ بالتفكير بسرديّةٍ عن الحربِ من منظارٍ مُختلفٍ، يَصُبُّ جُلَّ تركيزه على حقوق الضّحايا، كما يحثّهم على إعلاء الصّوت للمُطالبة بالمُحاسبة. هذا ومن شأنِ تحديد المُمارسات الفُضلَى والتّجارب المُتعلّقة بالكشف عن الحقيقة على المُستوى المحليّ أن يُساهمَ في التّعبئة على إحداثِ تغيير على المُستوى الوطنيّ.