في سبيل العدالة

17/07/2012

لما السعي الى تحقيق العدالة الانتقالية في أعقاب الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان؟ الوثائقي:"في سبيل العدالة" يفتح الباب أمام مناقشة جدوى العدالة الانتقالية في عالم اليوم.

يتجلى مدى تعقيد هكذا نقاش في المفاهيم المغلوطة العديدة التي تكتنفه. ففي حين يرى البعض العدالة الانتقالية كنوع من "العدالة الناعمة" وبديلاً للعدالة الجنائية في أعقاب ارتكاب الفظائع الجماعية والقمع؛ يعتبر آخرون أنها تقتصر فقط على العدالة الجنائية وتركز فقط على مرتكبي الانتهاكات. ويظن البعض أن العدالة الانتقالية عقبة أساسية أمام الوصول الى اتفاقيات سلام بينما يراها آخرون على أنها عصا سحرية وعلاجاً سريعاً لآثار الحرب والانتهاكات.

في الواقع، يعترف مجال العدالة الانتقالية أنه بدون المحاسبة على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان، يكون للمجتمعات أملٌ ضعيفٌ في ضمان عدم تكرار هذه الانتهاكات أو بناء السلام الدائم. وهذا ما يشير إليه مدير برنامج الحقيقة والذاكرة لدى المركز الدولي للعدالة الانتقالية إدواردو غونزالس:

"وعد العدالة الانتقالية هو أن السلام سيتخطى وقف الأعمال العدائية ليشمل مواجهة ومعالجة مباشرة لأسباب الحرب. تحمل آليات العدالة الانتقالية وعداً في التوصل الى ديمقراطية حقيقية ومستدامة وسلام دائم."

من مصر الى أوغندا، ومن كولومبيا الى جمهورية الكونغو الديمقراطية، وكلها أماكن غالباً ما تستحوز على اهتمامنا باعتبار أنها شهدت عقوداً من القمع وسقوط الملايين من الضحايا والجراح العميقة إثر النزاعات المستمرة والظلم المستشري، تثبت قيمة العدالة الانتقالية. وعلى الرغم من ضرورة التنبه الى أن العدالة هي فقط أحد عناصر الاستجابة المطلوبة في هكذا مجتمعات، علينا ألا ننسى أهميتها البالغة.

يقول بابلو دي غريف، المقرّر الخاص للأمم المتّحدة لتعزيز الحقيقة والعدالة وجبر الضرر وضمان عدم تكرار الجرائم الخطيرة والانتهاكات الفاضحة لحقوق الانسان: "يجب عدم وضع الناس أبداَ في موقف المتوسلّين، بحيث يجب عليهم أن يتوسلّوا المعاملة الجيّدة. هذه إحدى دواعي قلقنا فيما يتعلّق بتنفيذ إجراءات العدالة الانتقالية غداة ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان."

يظهر هذا الوثائقي اللحظة التي نعيشها اليوم. اللحظة التي نسمع فيها المطالبة من حول العالم بتحقيق العدالة واحترام حقوق الانسان. وليس أفضل من كلمات حسام بهجت، وهو أحد قادة الثورة المصرية التي أطاحت بديكتاتورية حسني مبارك، لوصف هذه اللحظة:

"الطريقة الوحيدة للخروج من الركود الّذي أصاب ثورتنا تتمثّل ببذل جهد جدّي للبحث عن الحقيقة حول ما جرى خلال السنوات الثلاثين الأخيرة من حكم مبارك، ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات، ومن ثمّ إطلاق مسار لإعادة بناء كلّ مؤسّسة دمّرها ذاك الديكتاتور."

"فمن دون مسار العدالة الكامل والشامل هذا، وإذا لم نردّ للناس الاعتبار، سنستمرّ بالعيش في ظلّ الممارسات والسياسات نفسها، مثل تلك التي عشناها خلال حكم مبارك، وفي هذه الحالة يصبح من الضروري خوض ثورة ثانية."

وبقدر ما تنطبق هذه الكلمات عى مصر فهي أيضاّ تنطبق على تونس والبوسنة والهرسك وكينيا ونيبال وتيمور الشرقية واندونيسيا وكندا واسبانيا والبرازيل وكمبوديا، وكل المجتمعات الأخرى التي تواجه إرثاً من انتهاكات حقوق الانسان والمعاناة. وهذا ما نؤمن به بقوة وهذا ما أوحى إلينا به "في سبيل العدالة."


لما العدالة الانتقالية؟

    العدالة الانتقالية هي في جوهرها طريقة لمعالجة الماضي من أجل ضمان مستقبل أفضل. لا يمكن تحقيق السلام القوي والدائم إلا من خلال تلبية مطلب العدالة في المجتمعات التي شهدت فظائع جماعية. يجب الاعتراف بالضحايا، وبما عايشوه انطلاقاً من مبدأ المساواة بين كل المواطنين كأصحاب حق.

### كولومبيا: عقودٌ من النزاع
    لا فرق اليوم في كولومبيا بين المجتمع والضحايا. فقصص النزوح والاغتيالات والخطف - وكلها أوجه محتملة للضحايا - قد تُصادَف ضمن العائلة الواحدة. في الوقت الذي تم فيه حتى الآن إنجاز خطوات مهمة لبناء السلام الدائم، لا يزال الطريق طويلاً لتحقيقه.

### جمهورية الكونغو الديمقراطية: الصمت المذنب
    باتت الحرب المستمرة في جمهورية الكونغو الديمقراطية تعرف اليوم بالحرب العالمية الثالثة بحيث ارتفع عدد القتلى الى أكثر من أربعة ملايين. وفيما أصبحت الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان شائعة في هذه البقعة من الأرض إلا أنها تحظى باهتمام خجول من حول العالم.

### مصر: الأمل في غدٍ أفضل
    طوال سنوات، قام جيش الرب للمقاومة بقيادة جوزف كوني بارتكاب جميع الأعمال الشائنة ضد الجماعات في شمال أوغندا. لكنّ جهود الحكومة لمكافحة التمرّد أدّت بدورها الى انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان ولا يزال الضحايا ينتظرون تحقيق العدالة والاستقرار.

### العدالة ليست عصًا سحرية
    أحد أكبر التحديات التي يواجهها مجال العدالة الانتقالية اليوم هو المبالغة في التوقعات حول ما يمكن أن تنجزه هذه العدالة. فلا يوجد سياسة عالمية يمكنها معالجة جميع المشاكل وليس هناك من إجابات سهلة. يجب أن تعتبرُ العدالة الانتقالية عنصراً من عناصر الحلّ المعقّد والمتكامل.