اليمن: قانون العفو انتهاك للقانون الدولي وإخلال بالتزامات اليمن

18/01/2012

أقرت حكومة الوحدة الوطنية في اليمن في الأسبوع الماضي مشروع قانون يمنح الرئيس علي عبد الله صالح حصانة من المقاضاة في إطار اتفاق توسطت فيه دول الخليج وغيرها من الوسطاء الدوليين. ومن شأن هذا القانون أن يمنح عفواً لصالح ومساعديه في جميع الدوائر "الحكومية والمدنية والعسكرية"، يشمل فترة حكمه بأكملها، أي 33 عاماً.

وقد قوبل هذا القانون برفض شديد من جانب نشطاء حقوق الإنسان في اليمن وغيرها من البلدان، باعتباره إهانة للعدالة، ومثالاً ناصعاً لازدواجية معايير المجتمع الدولي التي تبيح لبعض الزعماء اقتراف انتهاكات حقوق الإنسان والإفلات من العقاب. وقد صرحت المفوضة السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة نافي بيلاي بأن القانون "سوف يشكل إخلالاً بالتزامات اليمن إزاء حقوق الإنسان".

وفي هذا البودكاست، يشدد بول سيلز، نائب رئيس المركز الدولي للعدالة الانتقالية، على هذه النقطة، إذ يقول "إن القانون الدولي يضم بصفة جوهرية عدداً من المعاهدات التي انضم إليها اليمن، أو صادق عليها، والتي تلزمه بالتحقيق في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ومقاضاة مرتكبيها. وقانون العفو المقترح يخل بتلك الالتزامات إخلالاً واضحاً لا جدال فيه".

ويتناول سيلز الحالات التي صدرت فيها قرارات أو قوانين عفو عن مقاتلين سابقين، مما ساعد المجتمعات في مراحل انتقالها من حالة الصراع إلى بناء دولة يسودها الاستقرار والسلام. بيد أنه يرى أن أي محاولة لإصدار عفو عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان تعيد إلى الأذهان المحاولات البالية والباطلة للتعامل مع المراحل الانتقالية.

ويقول سيلز "إن الفكرة القائلة بأن المرء يمكنه ببساطة محو الماضي بالعفو، وخلق حالة من الفقدان الرسمي للذاكرة، والسماح بإفلات الجناة من العقاب بضمان رسمي – هي فكرة غير مقبولة في الوضع الحالي للقانون الدولي والعلاقات الدولية".

للاستماع الى البودكاست:

[تنزيل](/sites/default/files/Seils_ICTJ_Podcast_01092012_2.mp3) | المدة: 12:00دقيقة | حجم الملف: 8.37MB

الصورة: عشرات الآلاف من المتظاهرين اليمنيين المناهضين للحكومة يشيعون جثمان ناشط كان ضمن أكثر من 50 متظاهراً سقطوا بنيران القناصة في صنعاء في 20 مارس/آذار 2011، أثناء تشييع جنازة في العاصمة. AHMAD GHARABLI/AFP/Getty Images

في ما يلي النص الكامل للبودكاست

المتحاوران: رفيك هودزيك، المركز الدولي للعدالة الانتقالية؛ وبول سيلز، المركز الدولي للعدالة الانتقالية.

رفيك هودزيك: مرحباً بكم في حلقة جديدة من سلسلة تسجيلات البودكاست التي يصدرها المركز الدولي للعدالة الانتقالية. نتحدث اليوم الى نائب رئيس المركز الدولي للعدالة الانتقالية بول سيلز لبحث قانون العفو الذي اقترحته الحكومة اليمنية في إطار اتفاق بشأن المرحلة الانتقالية مع الرئيس علي عبد الله صالح. وينص هذا القانون على عفو شامل للرئيس صالح ومساعديه عن "جميع الأفعال المرتكبة قبل صدور القانون"، أي أنه يشمل في الواقع الفعلي فترة حكم صالح بأكملها التي امتدت عبر 33 عاماً، بما في ذلك أحداث العنف الأخيرة التي سقط خلالها عشرات من القتلى والجرحى في صفوف المتظاهرين السلميين، فضلاً عمن تعرضوا منهم للتعذيب. السيد سيلز، شكراً لك على حضورك معنا اليوم.

بول سيلز: شكراً

رفيك هودزيك: لقد كان قانون العفو المقترح في اليمن محل انتقاد شديد من جانب المفوضة السامية لحقوق الإنسان نافي بيلاي. ففي بيان لها صدر في الأسبوع الماضي، قالت إن بعض الجرائم المشمولة بالعفو المقترح يمكن أن تبلغ حد الجرائم الخطيرة التي لا يجوز العفو عنها بموجب القانون الدولي. هل لك أن توضح لنا كيف تؤثر المعاهدات القانونية الدولية، بما في ذلك نظام روما الأساسي، على مشروع القانون المقترح في اليمن؟

بول سيلز: بكل تأكيد. إن القانون الدولي يضم بصفة جوهرية عدداً من المعاهدات التي انضم إليها اليمن، أو صادق عليها، والتي تلزمه أساساً بالتحقيق في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ومقاضاة مرتكبيها. فقد صادق اليمن على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي يستوجب إتاحة سبيل فعال لإنصاف ضحايا الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، مما يشمل إجراء تحقيق جنائي في العديد من الحالات. كما أنه صادق على اتفاقية مناهضة التعذيب التي تقتضي التحقيق مع المشتبه فيهم وتقديمهم للمحاكمة أو تسليمهم لبلدان تريد ممارسة ولايتها القضائية لهذا الغرض. ورغم أن اليمن لم يصادق على نظام روما الأساسي، فقد وقع عليه عام 2000. كما أنه صادق على اتفاقيات جنيف، بما في ذلك البروتوكول الإضافي الثاني. وما يمكن قوله بشيء من اليقين هو أن اليمن إذا ما وجد نفسه يوماً ما، على سبيل المثال، ماثلاً أمام المحكمة الجنائية الدولية، إما بسبب قرار إحالة من مجلس الأمن الدولي أو بسبب إحالة من حكومة مقبلة في المستقبل، فإن قانون العفو المقترح الآن لن يكون له أثر على إمكانية قيام المحكمة الجنائية الدولية بتحقيقات بشأن أي مشتبه فيهم، سواء كان هؤلاء مواطنين يمنيين أم أشخاصاً مشتبهاً في تورطهم في جرائم ارتُكبت في اليمن. وبالتالي، فبالنسبة لنظام روما الأساسي، لن يكون للقانون أدنى أثر، إذا ما انعقد الاختصاص القضائي للمحكمة الجنائية الدولية يوماً ما في المستقبل، وهو أمر غير قائم في الوقت الراهن بطبيعة الحال. أما من حيث الالتزامات الدولية الواقعة على عاتق اليمن، فإن قانون العفو المقترح يخل بتلك الالتزامات إخلالاً واضحاً لا جدال فيه.

رفيك هودزيك: لقد رفض نشطاء حقوق الإنسان في اليمن وغيره من البلدان مثل هذه الصفقة رفضاً باتاً، بدعوى أنها تسمح لصالح وقواته بالإفلات من العقاب على ما اقترفوه من انتهاكاتجسيمة لحقوق الإنسان. ما تعليقك على ذلك؟

بول سيلز: أعتقد أنه ما نراه في هذا القانون المقترح يعيد إلى أذهاننا محاولة بالية وباطلة للتعامل مع الفترات الانتقالية. فالفكرة القائلة بأن بمقدورنا ببساطة محو الماضي بالعفو، وخلق حالة من الفقدان الرسمي للذاكرة، والسماح بإفلات الجناة من العقاب بضمان رسمي، ضاربين عرض الحائط بحقوق الضحايا، وبضرورة خلق أي نوع من الثقة بين المجتمعات ومؤسساتها – هي في الواقع اقتراح غير مقبول في الوضع الحالي للقانون الدولي والعلاقات الدولية، بل هي تمثل إهانة حقيقية للتقدم الذي تحقق على صعيد القانون الدولي وحقوق الإنسان خلال السنوات الثلاثين الماضية.

رفيك هودزيك: في هذا الصدد، وفيما يتعلق بالرعاية الدولية - إن جاز وصفها على هذا النحو – للاتفاق الخاص بالمرحلة الانتقالية في اليمن، الذي تمخض الآن عن قانون العفو المقترح. فقد توسطت فيه الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة؛ فما هو مؤدى تأييدها لمثل هذا الاتفاق الانتقالي بالنسبة للنضال ضد الإفلات من العقاب، ولا سيما في سياق الربيع العربي، حيث يمثل مبارك الآن أمام القضاء متهماً بجرائم مماثلة، ويبدو من المحتمل تقديم سيف الإسلام القذافي وعبد الله السنوسي للمحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية، ثم ها نحن نرى مجموعة مختلفة تماماً من المعايير بالنسبة لصالح؟

بول سيلز: أعتقد أن ذلك سوف يؤدي بوضوح إلى شعور بازدواجية المعايير، بأن هناك فئات مختلفة من الضحايا تختلف باختلاف البلدان. وأعتقد مثل هذا الشعور يزداد حدة على خلفية الربيع العربي. فليس من النادر أن نجد بلداناً تتعامل مع الأمور بقوة وحزم نوعاً ما، فيما يتعلق بالعدالة الانتقالية، ثم نرى بلداناً أخرى تتعامل معها بأسلوب بالغ السوء. ولكن المشكلة هنا هي أننا، في ظل الربيع العربي، نجد أنفسنا حيال عدد من الحالات المتشابهة نسبياً. فإذا وجدنا المجتمع الدولي يطالب في إحدى هذه الحالات، مثلاً، بتحقيقات للمحكمة الجنائية الدولية في لييبا، ويطالب بوضوح بمحاكمة أولئك الذين يتحملون القسط الأكبر من المسؤولية عن الجرائم المرتكبة، على الأقل من حيث الإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية، ثم نراه في الوقت ذاته يبارك ما يبدو وكأنه إفلات شامل للجناة من العقاب، فإن ذلك لا يعد فحسب مؤشراً بالغ السوء من جانب المجتمع الدولي بشأن مدى التزامه بالكفاح ضد الإفلات من العقاب، والدفاع عن حق الضحايا في الإنصاف؛ بل إنه يشير أيضاً إلى نظرة سلبية للغاية لحقوق الضحايا في اليمن أنفسهم، من حيث الحرص على إقرار هذه الحقوق والتحقق من أن العملية الانتقالية ذاتها تفضي إلى مزيد من الحماية لحقوق الإنسان في المستقبل.

رفيك هودزيك: فلننظر إلى الأمر من منظور آخر. هل ثمة سبيل لتحقيق الهدفين معاً: أي التزام اليمن بالقانون الدولي ومبادئ رفض الإفلات من العقاب، وفي الوقت ذاته تنفيذ نوع من العفو بغية التوصل لتسوية سياسية؟ هل هناك أمثلة لنجاح هذا المنحى؟

بول سيلز: من المهم أن ندرك أن القانون الدولي لا يمنع إصدار أوامر العفو في حد ذاتها. بل إنك إذا نظرت إلى البروتوكول الإضافي الثاني الملحق باتفاقيات جنيف، لوجدته في واقع الأمر يشجع الدول صراحة على النظر جدياً في منح العفو للمتمردين، مثلاً، فيما يتعلق بما نُسب إليهم من جرائم إثارة الفتنة، أو التمرد، أو الخيانة العظمى. والغرض الأصلي من ذلك هو تسهيل عملية إعادة الاندماج في أعقاب الصراع الداخلي، كيما يتسنى تحقيق أهداف المصالحة الوطنية بصورة أسرع. ومن ثم فإن القانون الدولي يعترف ويقر بأن ثمة ظروفاً معينة يمكن أن يكون فيها العفو أسلوباً مثمراً لتحقيق تلك الأهداف. غير أن التحفظ البالغ الأهمية على ذلك هو أنه لا يجوز لك بأي حال من الأحوال توسيع نطاق هذا الهدف بحيث يشمل إصدار عفو عن الجرائم الأساسية، وهي – إن شئت – "الجرائم الدولية" التي تشمل جرائم الحرب، والإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية. والصعوبة التي تواجهنا هنا هي أن قانون العفو يبدو وكأنه يستهدف إلى حد بعيد حماية الرئيس السابق وأعوانه المباشرين من المقاضاة عن أنواع من الجرائم لا يجوز التعامل معها على هذا النحو. وثمة أمر آخر أود الإشارة إليه، وهو أن العفو المقترح من المفترض أن يشمل فترة حكم النظام بأكملها التي تبلغ 33 عاماً. والملاحظ أن تركيز معظم الناس منصب حالياً على العنف الذي وقع في إطار الانتفاضة، وخلال الأشهر الأخيرة بالذات، ولا شك أن هذا جانب مهم من الأمر. لكن ينبغي أن يأخذ المرء بعين الاعتبار أيضاً 33 عاماً من دولة الحزب الواحد، وما أفضى إليه حكم الحزب الواحد من القمع بشكل أو آخر، وهو ما يمكن وصفه أيضاً بالانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان التي لا يجوز منح عفو عن مرتكبيها. ومن ثم، فإننا لا نتحدث فحسب عن إبقاء الباب مفتوحاً، ومحاكمة مرتكبي الانتهاكات التي وقعت خلال الأشهر الأخيرة, إنما نتحدث عن إتاحة الفرصة أمام الضحايا للسعي لتحقيق العدالة والإنصاف بشأن أي انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان وقعت خلال السنوات الثلاث والثلاثين الأخيرة.

رفيك هودزيك: هل لك أن تخبرنا أين كانت قوانين العفو فعالة في المجتمعات التي تواجه إرثاُ من انتهاكات حقوق الإنسان؟ كثيراً ما نعود إلى تجربة جنوب إفريقيا الشهيرة؛ أين كانت فعالة، وكيف تؤتي مفعولها؟ وما هي الآثار الإيجابية البعيدة المدى لقوانين العفو؟

بول سيلز: أعتقد أن الأمر الأساسي الذي حدث – إذا عدت بالذاكرة إلى قانون العفو الجنوب إفريقي الذي يرجع إلى مطلع التسعينيات، لوجدت أنه في الواقع يعكس من أوجه عديدة أواخر عهد الإفلات من العقاب. كانت هذه حقاً الأيام الأخيرة للإفلات من العقاب من حيث إمكانية قبول القانون الدولي له باعتباره حلاً وسطاً مقبولاً بالنسبة لهذه الأنواع من الجرائم. وإذا ما نظرت، مثلاً، إلى أداة قوانين العفو من بين الأدوات التي حددها مكتب المفوضة السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، لوجدت أنهم يتحدثون عن تجربة جنوب إفريقيا، قائلين إنه بالرغم من أن هذه الأداة كانت محل ثناء آنذاك باعتبارها آلية مثيرة للاهتمام يمكن أن تقوم بدور مهم في تقصير الفترة بين انتهاء حقبة الفصل العنصري وقيام أنظمة الحكم التالية لها، إلا أن معظم الناس باتوا يعتبرونها الآن شيئاً يثير آمالاً ووعوداً كاذبة؛ أي أنها في الواقع لا تستطيع أن تفي بما تعد به، لأن الجانب المقابل لذلك هو أن أولئك الذين لم يتقدموا بطلب للعفو، سوف يتم تقديمهم للمحاكمة إن كانوا قد اقترفوا جرائم خطيرة.
وقد تقدم أكثر من 7000 شخص بطلبات للاستفادة من قوانين العفو، ولم يُمنح العفو إلا لنحو 700 منهم. أي أن أكثر من 6000 من المتقدمين لم يحصلوا على العفو، ولم تتم مقاضاة أي منهم تقريباً. وبالتالي فإن هناك شعوراً بأن هذا الأمر ينطوي على وعود كاذبة. ومهما كانت أهمية هذه الأداة، فلا أعتقد أن أغلبية الناس، أغلبية المحامين الدوليين في الوقت الراهن يرونها أسلوباً مقبولاً. وتلك نقطة مهمة حقاً؛ فقد ولَّت هذه المرحلة، وانقضى عهد الإفلات من العقاب. ولكني أعتقد أن هناك أمثلة أخرى ممكنة، لا تنال أحياناً حظاً وافراً من الشرح والتعليق، حيث طبقت قوانين العفو بصورة ناجحة نسبياً في الواقع الفعلي، رغم ما لقيته من المعارضة آنذاك، ومن بينها مثلاً قانون العفو لسنة 1996 في غواتيمالا في نهاية عمليات السلام هناك، وهو بالمناسبة استبعد إصدار العفو في جرائم دولية معينة، توصف بالجرائم الدولية التي لا تسقط بالتقادم – أي الإبادة الجماعية والإخفاء القسري. ومعنى ذلك أنه لم تكد تُبذل أي محاولة تذكر للتحقيق مع أولئك الذين ارتكبوا جرائم ضد الدولة، مثل تمرد أعضاء الجماعات المسلحة المناوئة للحكومة في الحرب الأهلية التي شهدتها غواتيمالا على مدى 36 سنة. وهذا يصلح مثالاً لقانون عفو فعال من حيث إعادة دمج الجناة – ومرتكبي الجرائم المزعومين – ممن شاركوا في حركات التمرد. ولكن وفقاً للتعريف، لا يمكن الاستشهاد بمثال إيجابي للعفو عن جرائم الحرب، أو الإبادة الجماعية، أو الجرائم ضد الإنسانية.

رفيك هودزيك: السيد سيلز، شكراً جزيلاً لك على المشاركة في هذا البودكاست الخاص بالمركز الدولي للعدالة الانتقالية.

بول سيلز: شكراً

رفيك هودزيك: لقد كان قانون العفو المقترح في اليمن محل انتقاد شديد من جانب المفوضة السامية لحقوق الإنسان نافي بيلاي. ففي بيان لها صدر في الأسبوع الماضي، قالت إن بعض الجرائم المشمولة بالعفو المقترح يمكن أن تبلغ حد الجرائم الخطيرة التي لا يجوز العفو عنها بموجب القانون الدولي. هل لك أن توضح لنا كيف تؤثر المعاهدات القانونية الدولية، بما في ذلك نظام روما الأساسي، على مشروع القانون المقترح في اليمن؟

بول سيلز: بكل تأكيد. إن القانون الدولي يضم بصفة جوهرية عدداً من المعاهدات التي انضم إليها اليمن، أو صادق عليها، والتي تلزمه أساساً بالتحقيق في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ومقاضاة مرتكبيها. فقد صادق اليمن على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي يستوجب إتاحة سبيل فعال لإنصاف ضحايا الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، مما يشمل إجراء تحقيق جنائي في العديد من الحالات. كما أنه صادق على اتفاقية مناهضة التعذيب التي تقتضي التحقيق مع المشتبه فيهم وتقديمهم للمحاكمة أو تسليمهم لبلدان تريد ممارسة ولايتها القضائية لهذا الغرض. ورغم أن اليمن لم يصادق على نظام روما الأساسي، فقد وقع عليه عام 2000. كما أنه صادق على اتفاقيات جنيف، بما في ذلك البروتوكول الإضافي الثاني. وما يمكن قوله بشيء من اليقين هو أن اليمن إذا ما وجد نفسه يوماً ما، على سبيل المثال، ماثلاً أمام المحكمة الجنائية الدولية، إما بسبب قرار إحالة من مجلس الأمن الدولي أو بسبب إحالة من حكومة مقبلة في المستقبل، فإن قانون العفو المقترح الآن لن يكون له أثر على إمكانية قيام المحكمة الجنائية الدولية بتحقيقات بشأن أي مشتبه فيهم، سواء كان هؤلاء مواطنين يمنيين أم أشخاصاً مشتبهاً في تورطهم في جرائم ارتُكبت في اليمن. وبالتالي، فبالنسبة لنظام روما الأساسي، لن يكون للقانون أدنى أثر، إذا ما انعقد الاختصاص القضائي للمحكمة الجنائية الدولية يوماً ما في المستقبل، وهو أمر غير قائم في الوقت الراهن بطبيعة الحال. أما من حيث الالتزامات الدولية الواقعة على عاتق اليمن، فإن قانون العفو المقترح يخل بتلك الالتزامات إخلالاً واضحاً لا جدال فيه.

رفيك هودزيك: لقد رفض نشطاء حقوق الإنسان في اليمن وغيره من البلدان مثل هذه الصفقة رفضاً باتاً، بدعوى أنها تسمح لصالح وقواته بالإفلات من العقاب على ما اقترفوه من انتهاكاتجسيمة لحقوق الإنسان. ما تعليقك على ذلك؟

بول سيلز: أعتقد أنه ما نراه في هذا القانون المقترح يعيد إلى أذهاننا محاولة بالية وباطلة للتعامل مع الفترات الانتقالية. فالفكرة القائلة بأن بمقدورنا ببساطة محو الماضي بالعفو، وخلق حالة من الفقدان الرسمي للذاكرة، والسماح بإفلات الجناة من العقاب بضمان رسمي، ضاربين عرض الحائط بحقوق الضحايا، وبضرورة خلق أي نوع من الثقة بين المجتمعات ومؤسساتها – هي في الواقع اقتراح غير مقبول في الوضع الحالي للقانون الدولي والعلاقات الدولية، بل هي تمثل إهانة حقيقية للتقدم الذي تحقق على صعيد القانون الدولي وحقوق الإنسان خلال السنوات الثلاثين الماضية.

رفيك هودزيك: في هذا الصدد، وفيما يتعلق بالرعاية الدولية - إن جاز وصفها على هذا النحو – للاتفاق الخاص بالمرحلة الانتقالية في اليمن، الذي تمخض الآن عن قانون العفو المقترح. فقد توسطت فيه الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة؛ فما هو مؤدى تأييدها لمثل هذا الاتفاق الانتقالي بالنسبة للنضال ضد الإفلات من العقاب، ولا سيما في سياق الربيع العربي، حيث يمثل مبارك الآن أمام القضاء متهماً بجرائم مماثلة، ويبدو من المحتمل تقديم سيف الإسلام القذافي وعبد الله السنوسي للمحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية، ثم ها نحن نرى مجموعة مختلفة تماماً من المعايير بالنسبة لصالح؟

بول سيلز: أعتقد أن ذلك سوف يؤدي بوضوح إلى شعور بازدواجية المعايير، بأن هناك فئات مختلفة من الضحايا تختلف باختلاف البلدان. وأعتقد مثل هذا الشعور يزداد حدة على خلفية الربيع العربي. فليس من النادر أن نجد بلداناً تتعامل مع الأمور بقوة وحزم نوعاً ما، فيما يتعلق بالعدالة الانتقالية، ثم نرى بلداناً أخرى تتعامل معها بأسلوب بالغ السوء. ولكن المشكلة هنا هي أننا، في ظل الربيع العربي، نجد أنفسنا حيال عدد من الحالات المتشابهة نسبياً. فإذا وجدنا المجتمع الدولي يطالب في إحدى هذه الحالات، مثلاً، بتحقيقات للمحكمة الجنائية الدولية في لييبا، ويطالب بوضوح بمحاكمة أولئك الذين يتحملون القسط الأكبر من المسؤولية عن الجرائم المرتكبة، على الأقل من حيث الإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية، ثم نراه في الوقت ذاته يبارك ما يبدو وكأنه إفلات شامل للجناة من العقاب، فإن ذلك لا يعد فحسب مؤشراً بالغ السوء من جانب المجتمع الدولي بشأن مدى التزامه بالكفاح ضد الإفلات من العقاب، والدفاع عن حق الضحايا في الإنصاف؛ بل إنه يشير أيضاً إلى نظرة سلبية للغاية لحقوق الضحايا في اليمن أنفسهم، من حيث الحرص على إقرار هذه الحقوق والتحقق من أن العملية الانتقالية ذاتها تفضي إلى مزيد من الحماية لحقوق الإنسان في المستقبل.

رفيك هودزيك: فلننظر إلى الأمر من منظور آخر. هل ثمة سبيل لتحقيق الهدفين معاً: أي التزام اليمن بالقانون الدولي ومبادئ رفض الإفلات من العقاب، وفي الوقت ذاته تنفيذ نوع من العفو بغية التوصل لتسوية سياسية؟ هل هناك أمثلة لنجاح هذا المنحى؟

بول سيلز: من المهم أن ندرك أن القانون الدولي لا يمنع إصدار أوامر العفو في حد ذاتها. بل إنك إذا نظرت إلى البروتوكول الإضافي الثاني الملحق باتفاقيات جنيف، لوجدته في واقع الأمر يشجع الدول صراحة على النظر جدياً في منح العفو للمتمردين، مثلاً، فيما يتعلق بما نُسب إليهم من جرائم إثارة الفتنة، أو التمرد، أو الخيانة العظمى. والغرض الأصلي من ذلك هو تسهيل عملية إعادة الاندماج في أعقاب الصراع الداخلي، كيما يتسنى تحقيق أهداف المصالحة الوطنية بصورة أسرع. ومن ثم فإن القانون الدولي يعترف ويقر بأن ثمة ظروفاً معينة يمكن أن يكون فيها العفو أسلوباً مثمراً لتحقيق تلك الأهداف. غير أن التحفظ البالغ الأهمية على ذلك هو أنه لا يجوز لك بأي حال من الأحوال توسيع نطاق هذا الهدف بحيث يشمل إصدار عفو عن الجرائم الأساسية، وهي – إن شئت – "الجرائم الدولية" التي تشمل جرائم الحرب، والإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية. والصعوبة التي تواجهنا هنا هي أن قانون العفو يبدو وكأنه يستهدف إلى حد بعيد حماية الرئيس السابق وأعوانه المباشرين من المقاضاة عن أنواع من الجرائم لا يجوز التعامل معها على هذا النحو. وثمة أمر آخر أود الإشارة إليه، وهو أن العفو المقترح من المفترض أن يشمل فترة حكم النظام بأكملها التي تبلغ 33 عاماً. والملاحظ أن تركيز معظم الناس منصب حالياً على العنف الذي وقع في إطار الانتفاضة، وخلال الأشهر الأخيرة بالذات، ولا شك أن هذا جانب مهم من الأمر. لكن ينبغي أن يأخذ المرء بعين الاعتبار أيضاً 33 عاماً من دولة الحزب الواحد، وما أفضى إليه حكم الحزب الواحد من القمع بشكل أو آخر، وهو ما يمكن وصفه أيضاً بالانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان التي لا يجوز منح عفو عن مرتكبيها. ومن ثم، فإننا لا نتحدث فحسب عن إبقاء الباب مفتوحاً، ومحاكمة مرتكبي الانتهاكات التي وقعت خلال الأشهر الأخيرة, إنما نتحدث عن إتاحة الفرصة أمام الضحايا للسعي لتحقيق العدالة والإنصاف بشأن أي انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان وقعت خلال السنوات الثلاث والثلاثين الأخيرة.

رفيك هودزيك: هل لك أن تخبرنا أين كانت قوانين العفو فعالة في المجتمعات التي تواجه إرثاُ من انتهاكات حقوق الإنسان؟ كثيراً ما نعود إلى تجربة جنوب إفريقيا الشهيرة؛ أين كانت فعالة، وكيف تؤتي مفعولها؟ وما هي الآثار الإيجابية البعيدة المدى لقوانين العفو؟

بول سيلز: أعتقد أن الأمر الأساسي الذي حدث – إذا عدت بالذاكرة إلى قانون العفو الجنوب إفريقي الذي يرجع إلى مطلع التسعينيات، لوجدت أنه في الواقع يعكس من أوجه عديدة أواخر عهد الإفلات من العقاب. كانت هذه حقاً الأيام الأخيرة للإفلات من العقاب من حيث إمكانية قبول القانون الدولي له باعتباره حلاً وسطاً مقبولاً بالنسبة لهذه الأنواع من الجرائم. وإذا ما نظرت، مثلاً، إلى أداة قوانين العفو من بين الأدوات التي حددها مكتب المفوضة السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، لوجدت أنهم يتحدثون عن تجربة جنوب إفريقيا، قائلين إنه بالرغم من أن هذه الأداة كانت محل ثناء آنذاك باعتبارها آلية مثيرة للاهتمام يمكن أن تقوم بدور مهم في تقصير الفترة بين انتهاء حقبة الفصل العنصري وقيام أنظمة الحكم التالية لها، إلا أن معظم الناس باتوا يعتبرونها الآن شيئاً يثير آمالاً ووعوداً كاذبة؛ أي أنها في الواقع لا تستطيع أن تفي بما تعد به، لأن الجانب المقابل لذلك هو أن أولئك الذين لم يتقدموا بطلب للعفو، سوف يتم تقديمهم للمحاكمة إن كانوا قد اقترفوا جرائم خطيرة.
وقد تقدم أكثر من 7000 شخص بطلبات للاستفادة من قوانين العفو، ولم يُمنح العفو إلا لنحو 700 منهم. أي أن أكثر من 6000 من المتقدمين لم يحصلوا على العفو، ولم تتم مقاضاة أي منهم تقريباً. وبالتالي فإن هناك شعوراً بأن هذا الأمر ينطوي على وعود كاذبة. ومهما كانت أهمية هذه الأداة، فلا أعتقد أن أغلبية الناس، أغلبية المحامين الدوليين في الوقت الراهن يرونها أسلوباً مقبولاً. وتلك نقطة مهمة حقاً؛ فقد ولَّت هذه المرحلة، وانقضى عهد الإفلات من العقاب. ولكني أعتقد أن هناك أمثلة أخرى ممكنة، لا تنال أحياناً حظاً وافراً من الشرح والتعليق، حيث طبقت قوانين العفو بصورة ناجحة نسبياً في الواقع الفعلي، رغم ما لقيته من المعارضة آنذاك، ومن بينها مثلاً قانون العفو لسنة 1996 في غواتيمالا في نهاية عمليات السلام هناك، وهو بالمناسبة استبعد إصدار العفو في جرائم دولية معينة، توصف بالجرائم الدولية التي لا تسقط بالتقادم – أي الإبادة الجماعية والإخفاء القسري. ومعنى ذلك أنه لم تكد تُبذل أي محاولة تذكر للتحقيق مع أولئك الذين ارتكبوا جرائم ضد الدولة، مثل تمرد أعضاء الجماعات المسلحة المناوئة للحكومة في الحرب الأهلية التي شهدتها غواتيمالا على مدى 36 سنة. وهذا يصلح مثالاً لقانون عفو فعال من حيث إعادة دمج الجناة – ومرتكبي الجرائم المزعومين – ممن شاركوا في حركات التمرد. ولكن وفقاً للتعريف، لا يمكن الاستشهاد بمثال إيجابي للعفو عن جرائم الحرب، أو الإبادة الجماعية، أو الجرائم ضد الإنسانية.

رفيك هودزيك: السيد سيلز، شكراً جزيلاً لك على المشاركة في هذا البودكاست الخاص بالمركز الدولي للعدالة الانتقالية.

بول سيلز: شكراً لك.