عندما لا يدعوه أحد اغتصاباً: مُناقشة العنف الجنسي ضد الرجال والفتيان

22/01/2017

بقلم كيلي موديل وأمريتا كابور

بشكل ينذر بالخطر، ينتشر العنف الجنسي ضد الرجال والفتيان في أوقات النزاع أو القمع تنذر، ويأخذ شكل واحدا بشكل ملحوظ عبر السياقات المختلفة من حيث كيفية تأثيره على الضحايا والمجتمعات كانتهاكاً لحقوق الإنسان يدخل ضمن المَحْظُورات التي يحَرّم الحديث عنها. يرتكب هذا النوع من العنف في جميع الثقافات والمناطق الجغرافية والفترات الزمنية. اليوم، وبينما تم كسر بعض حاجز الصمت حول قضية العنف الجنسي ضد النساء، للأسف لا تزال التدابير الفعالة للعدالة والإنصاف غير مفهومة أو لا يتم تطبيقها بشكل من شأنه دعم الضحايا من الذكور.

ليس هناك شك في أن نطاق المشكلة بخصوص الضحايا الذكور واسع. وقد حددت منظمة الصحة العالمية العنف الجنسي ضد الرجال والفتيان كمشكلة كبيرة يتم تجاهلها إلى حد كبير من قبل المنظمات غير الحكومية ومقدمي الرعاية الصحية والوكالات الحكومية وسلطات العدالة الجنائية وغيرهم. يمكن للانتهاكات أن تأخذ العديد من الأشكال، بما في ذلك الاغتصاب والاغتصاب الجماعي والاستعباد الجنسي والتعرية القسرية والإجبار على القيام بأفعال جنسية مع الآخرين. عادَةً، يُرتكب العنف الجنسي ضد الرجال في حالات الاحتجاز. وقد أظهرت الدراسات هذا النمط في سياقات مثل تشيلي والسلفادور وليبيا وسريلانكا وسوريا والولايات المتحدة ويوغوسلافيا السابقة.

آليات العدالة الانتقالية —بما في ذلك لجان الحقيقة، وبرامج جبر الضرر، والجنائية المحاكمات— في وضع جيد للبدء في معالجة بعض هذه القضايا كجزء من الجهود المبذولة لمعالجة مخلفات العنف. ومع ذلك، وعلى الرغم من أنه تم طرح هذه المشكلة عن طريق بعض جهود العدالة الانتقالية في بعض البلدان، لا يزال هناك تباين واسع وتناقضاً من حيث الاستجابة لهذه الانتهاكات ومحاولات إشراك الضحايا الذكور للعنف الجنسي في هذه العمليات.

مخاطر أن يظل الضحايا الذكور غير مرئيين، ومهملين من التصدي للعنف الجنسي جَسِيمة ما لم يتم إعطاء حقوقهم ومخاوفهم تركيزاً بشكل خاص مشابه لذلك الذي يُبذل الآن على نحو متزايد إلى الضحايا من الإناث

ويساهم عدد من العوامل في الاستجابة الباهتة للجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية المشاركين في تنفيذ عمليات العدالة الانتقالية. أحدها هو الميل إلى الخلط بين العنف الجنسي بشكل عام مع العنف ضد النساء والفتيات، مما يسهم في تصور العنف الجنسي كقضية النساء فحسب، مما يحد من الاستجابات المتاحة للضحايا التي تقع خارج هذه المجموعة، بما في ذلك الرجال والفتيان. وهذا يعني أن تستمر تجارب الضحايا الذكور للعنف الجنسي غير مبلغ عنها، ومبهمة فهمها، ومشوهة في عمليات العدالة الانتقالية.

قضية أخرى هي قيد التبليغ، والتي هي على صلة وثيقة بلجان تقصي الحقائق التي تصدر تقاريرها النهائية فقط عن البيانات التي يتلقونها من الضحايا ، وتساهم أيضا في العادة في إنشاء سجلات الضحية وتصميم برامج جبر الضرر وحتى الملاحقات القضائية. في كثير من الحالات، يتردد الضحايا الذكور في الاعتراف بالطبيعة الجنسية للانتهاكات التي ترتكب ضدهم. قد يحدث هذا من أجل تجنب وصمة العار الاجتماعية المرتبطة بهذه الأفعال أو بسبب الخوف من أن ينظر إلى الضحية على أنه ضعيف، أو يسمى مثلي الجنس أو يتهم بأنه "يرغب في ذلك". حتى في الحالات التي يُبلغ فيها الرجال عن أعمال العنف الجنسي، نادراً ما تلقى هذه التقارير التعامل الحساس والوعي التي تحتاجه. قد لا يكون لدى الممارسون الطبيون، على سبيل المثال، التدريب الكافي للاكْتَشَاف وتحديد أو علاج الضحايا الذكور أو قد يتهموا أنفسهم الضحايا الذكور بالمثلية الجنسية أو غير ذلك من المفاهيم الاجتماعية الخاطئة حول هذه الجرائم.

بخصوص ردود العدالة الانتقالية المحددة للعنف الجنسي ضد الذكور، ومع بعض العلامات المشجعة المتواضعة في أماكن مثل بيرو وكينيا، وشيلي، يتم تجاهل الجزء الأكبر من النوع من العنف أو يُعامل كعنف جسدي، بدلا من عنف جنسي . كدليل على هذا الوضع اتخذت لجان تقصي الحقائق في تيمور الشرقية وسيراليون وجنوب أفريقيا تدابير خاصة لتسهيل النساء ضحايا العنف الجنسي على المضي قدماً، ولكنها لم تتخذ تدابير مماثلة للضحايا الذكور.

فشلت المحاكم الدولية والمختلطة بالمثل عندما يتعلق الأمر بتوصيف العنف الجنسي عندما يُرتكب ضد الرجال. المحكمة الجنائية الدولية لرواندا، والمحكمة الجنائية الدولية، والمحكمة الخاصة لسيراليون فشلوا بكل الطرق في الاعتراف بوضوح بالبعد الجنسي لمختلف أشكال العنف المتفاوتة التي تُرتكَب ضد الرجال، واختاروا بدلا من ذلك توصف هذه الأعمال على وجه الحصر بالتعذيب أو المعاملة القاسية أو المعاملة غير الإنسانية. وحدها المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة أَفْلَحَت في إحراز تقدم بالاعتراف بلَعْقُ القَضيب بين شقيقين كاغتصاب واستمعت لأدلة حول غيرذلك من الأعمال ذات الطبيعة الجنسية المرتكبة ضد الرجال.

واستشرافاً للمستقبل، يشير هذا التقرير أيضا إلى بعض التقدم نحو معالجة العنف الجنسي ضد الرجال والفتيان في سياقات معينة. اُتخذت بعض الطرق المبتكرة، وحتى غير تقليدية لتقديم بعضا من أشكال العدالة وجبر الضرر للضحايا الذكور مع بعض شكل من أشكال العدالة وجبر الضرر. على سبيل المثال، اتخذت الدوائر الاستثنائية في المحاكم الكمبودية خطوة تاريخية في الاعتراف بالرجال كضحايا للزواج القسري (وليس فقط الضحايا من النساء). في كينيا، كان الضحايا من الذكور بين أولئك الذين قدموا عريضة جماعية للمحكمة الدستورية الكينية ، في حين سعى آخرون لتعويضات من الحكومة البريطانية عن الانتهاكات المرتكبة ضدهم خلال انتفاضة الماو ماو. في بيرو، سمحت التعديلات على اللغة في خطة التعويضات الشاملة في البلاد لوصول التعويض 280 من الضحايا الذكور للعنف الجنسي.

وبينما يجري ببطء إدراج العنف الجنسي ضد الرجال والفتيان في فهم أكبر للعنف الجنسي والعنف القائم على نوع الجنس، لا تزال هناك حاجة العمل لزيادة الوعي حول كلا من هذه القضية والاستجابات القابلة للتنفيذ في لمؤسسات العدالة الانتقالية. ويتضمن هذا زيادة الإقرار بوجود ضحايا رجال للعنف الجنسي وتحديات لا تعد ولا تحصى تقيد من حصولهم ومشاركتهم بشكل كامل في عمليات الحقيقة والعدالة والتعويض والإصلاح.

توصيات

هناك نهج بسيطة وممكنة للتغلب على العديد من التحديات القائمة في الاستجابة لحقوق واحتياجات الضحايا الذكور للعنف الجنسي، والمستمدة من الدروس المستفادة. التوصيات التالية للمعنيين بصياغة السياسات أو تنفيذ المبادرات.

للجان تقصي الحقائق وهيئات البحث عن الحقيقة

1. تصور صحيح، واعتراف وتسجيل الانتهاكات الجنسية بجانب الاغتصاب ضد الرجال والفتيان حتى لا تندرج في فئات أخرى، مثل التشويه أوالتعذيب أو الضرب. جزء كبير من المشكلة يكمن في نقص المعلومات. الاستطلاعات الواسعة ورسم خرائط الصراعات والأنظمة القمعية التي تقوم بها مبادرات البحث عن الحقيقة يمكن أن تساعد على قياس حجم العنف الجنسي ضد الرجال والفتيان وصياغ الاستجابات المناسبة. من خلال استبعاد سرديات الضحايا الذكور للعنف الجنسي، تفشل كيانات البحث عن الحقيقة في هدفها من ضمان إدراج جميع الضحايا، ولا سيما أكثرهم ضعفا.

2. إدراك أن الذكور قد يستهدفوا بشكل خاص بالعنف الجنسي، وقد تختلف تجاربهم ولكنها لا تقل خطورة عن تجارب النساء والفتيات. وتبعا لذلك، فإن أي تركيز أو فصل من التقرير النهائي عن العنف الجنسي يجب يشمل العنف الجنسي المرتكب ضد الذكور كما الإناث. وينبغي أيضا تقدم خيار جلسات مغلقة لضحايا العنف الجنسي من الرجال.

3. تدريب الموظفين المختصين بإجراء المقابلات على التقنيات التي من شأنها زيادة قدرتهم على اِسْتَدرارَّ تجارب الضحايا الذكور للعنف الجنسي. القدرة على التعرف على مؤشرات العنف الجنسي عند التعامل مع الرجال هو شرط أساسي لالتقاط متى، وكيف، ولماذا قد تكون اُرتكبت هذه الجرائم.

4. توفير أماكن آمنة لضحايا العنف الجنسي من الذكور، وبخاصة الفتيان، للمشاركة والإدلاء بشهاداتهم في عمليات البحث عن الحقيقة. ويمكن أن تشمل الإجراءات التي تعكس هذه التغييرات جلسات الاستماع للرجال فقط، ومبادئ توجيهية بخصوص النوع الاجتماعي للمفوضين الحاضرين، وقسم مصمم لدعم الرجال والفتيان.

5. الدعوة لللتشاور مع ضحايا العنف الجنسي من الذكور وتضمينهم في جهود إحياء الذكرى والاعتذارات العلنية.

لجهات العدالة الجنائية

1. إدراك أن أعمال العنف الجنسي جنسانية بطبيعتها، قابلة للمحاكمة والإدانة بشكل مستقل عن الانتهاكات الجسدية أخرى. وهذا يشمل الاعتراف بأن الذكور أجبروا على القيام بأعمال جنسية مع البعض الآخر هم أيضا ضحايا جرائم جنسية.

2. تثقيف المحققين والمحامين والقضاة وموظفي الدعم وغيرهم حول كيفية تحديد وتضمين ودعم الضحايا الذكور للعنف الجنسي. على سبيل المثال، العلم بأن المعتقلين الذكور يواجهون في كثير من السياقات خطرا كبيرا من العنف الجنسي ينبغي أن يؤدي إلى الحساسية إلى الأضرار عند التحقيق في الاحتجاز التعسفي.

لبرامج جبر الضرر

1. استخدام لغة تشمل الجنسين في تسجيل الضحية لا تحجب الانتهاكات ضد الضحايا من الذكور. هذه اللغة المحايدة يجب أن تمت للتشريعات والنظام الأساسي.

2. التأكد من أن عمليات التسجيل والتنفيذ تتعامل مع الضحايا العنف الجنسي من الذكور والإناث مع حساسية وخصوصية مماثلة.

3. تصميم تدابير تعويضية لدمج الدعم النفسي المناسب للرجال ضحايا العنف الجنسي، والدعم المادي الذي يقدم بدائل مدرة للدخل بالنسبة للرجال الغير قادرين على الاستمرار في وظائفهم السابقة. ندرك، على سبيل المثال، أن الآثار النفسية للصدمة قد تجعل الضحايا من الذكور غير قادرين على الوفاء بمسؤوليات "الذكور" التقليدية مثل العمل

لمبادرات الإصلاح المؤسسي

1. إلغاء تجريم المثلية لضمان أن الضحايا الذكور ليسوا خائفين من المضي قدما في الإبلاغ عن الانتهاكات. تضع قوانين ضد المثلية والوصمة الاجتماعية حولها تضع الرجال والفتيان المثليين أكثر عرضة للإساءة، وتراكم العواقب التي تجعل من الصعب على ضحايا العنف الجنسي من الذكور في التماس وتلقي الخدمات الطبية والقانونية والاجتماعية.

2. اعتماد لغة محايدة بين الجنسين في جميع التشريعات والسياسات والبرامج الحكومية الأخرى عن العنف الجنسي وأشكال العنف المتصلة به.

3. تدريب وتثقيف الشرطة والمسؤولين الحكوميين المعنيين والعاملين على التعرف على ضحايا العنف الجنسي من الذكور وتحديد علامات وعوامل الخطر مثل هذه الانتهاكات.

4. ضمان إيقاع عواقب وخيمة على أفراد قوات قطاع الأمن الذين يرتكبون انتهاكات جنسية ضد الذكور. غالباً ما يشكل الرجال غالبية المعتقلين، مما يجعلهم عرضة بشكل خاص للاستغلال. فمن دون معاقبة المسؤولين عن الانتهاكات الجنسية، من المرجح أن يتصور الجناة أن هذه الجرائم أقل خطورة من غيرها .


الصورة: نصب تذكاري بتمويل من المملكة المتحدة للكينيين الذين قتلوا وعذبول على يد القوات البريطانية خلال انتفاضة الماو ماو في 1950s في العاصمة الكينية. (nKiruu Photography/jothee/Flickr)