العملية الانتقالية في تونس: دور الإعلام

27/03/2014

خلال فترة شهر واحد فقط، شهدت تونس الإقرار التاريخي لقانون العدالة الانتقالية وتبني الدستور الجديد. وقد بدأ تنفيذ عملية العدالة الانتقالية بحسب ما يقتضي القانون الذي تم إقراره في 24 ديسمبر/كانون الأول 2013، باختيار أعضاء للجنة الكرامة والحقيقة التي ستباشر عملها قريباً.

وقد تم الترحيب بهذه الخطوات على نطاق واسع، إقليمياً ودولياً، بوصفها خطوات تقدمية للبلد. ومع ذلك، فإن الانتقال الكامل لتونس ما زال في بدايته، وستتطلب الجهود الرامية للتغلب على تركة الدكتاتورية والانقسامات الاجتماعية والسياسية العميقة في البلد انهماكاً كبيراً في العملية من جميع قطاعات المجتمع.

أحد هذه القطاعات الرئيسية هو قطاع تم تجاهله إلى حد كبير، وهو الإعلام. وإقراراً بأهمية الصحافة المستقلة أثناء العملية الانتقالية، تلقى موظفو المركز الدولي للعدالة الانتقالية دعوة لتقديم خبراتهم الدولية أثناء تدريب للصحفيين حول العدالة الانتقالية، وجرى التدريب بتنظيم مشترك من قبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والمفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان ومركز الكواكبي للتحولات الديمقراطية.

عقدت الدورة التدريبية في تونس في 20 فبراير/شباط وفي سوسة في يومي 24 و 25 فبراير/شباط 2014، وكان عنوانها "قانون العدالة الانتقالية ودور الإعلام". وهدفت المناقشات إلى تعزيز قدرات وسائل الإعلام التونسية في التغطية الإخبارية حول تنفيذ قانون العدالة الانتقالية الجديد، والمساعدة على تشجيع المشاركة الفعالة للضحايا وعموم الجمهور في هذه العملية.

وخلال التدريب، أشار موظفو المركز الدولي للعدالة الانتقالية، ريم القنطري وهوارد فارني وفيليكس راتيغوي إلى أهمية نشر معلومات دقيقة ومتوازنة حول عملية العدالة الانتقالية في تونس، وأكدوا أيضاً على وجوب أن ينهض الإعلام بالمسؤولية عن دوره في تشكيل الطريقة التي ستُفسَر فيها الحقائق والفعاليات.

بوسع الإعلام، من خلال التغطية الدقيقة ومعاملة العدالة الانتقالية كقضية ذات أهمية اجتماعية، أن يساعد في تحفيز الاهتمام العام والمشاركة العامة في جهود العدالة الانتقالية
    يساهم الإعلام في تحفيز الاهتمام العام والمشاركة العامة في جهود العدالة الانتقالية (مثل العملية الرسمية للبحث عن الحقيقة التي ستبدأ في تونس قريباً) والمساهمة في حوار وطني فاعل. وقد أتاح التدريب للصحفيين الاستيضاح عن بعض السمات المهمة في القانون، ووفر لهم المجال لمناقشة شواغلهم بشأن الكيفية التي ستتقدم فيها البلد إلى الأمام.

وإلى جانب سلسلة الجلسات التي فصّلت النقاط المهمة العديدة التي ينبغي على وسائل الإعلام أن تتوقعها خلال فترة عمل لجنة الحقيقة، ناقش الصحفيون والمحررون الذين حضروا التدريب أهمية الالتزام بالقواعد الأخلاقية لمهنتهم، وضمان تخصيص مجال كافٍ لمعلومات عالية الجودة وإبرازها، والتخفيف من تأثير وجهات النظر المتشددة بشأن القضايا الخلافية. إن من شأن هذه التغطية الإعلامية حول العدالة الانتقالية أن تساهم مساهمة كبيرة في نجاح العملية الانتقالية من خلال تعزيز الرأي العام المستنير.

وقالت ريم القنطري، مديرة مكتب تونس للمركز الدولي للعدالة الانتقالية، إنها تشعر بالتفاؤل من جراء المشاركة الجادة التي أظهرها الصحفيون الذين شاركوا في التدريب. وأفادت، "تجدر الملاحظة بأن جميع المشاركين وافقوا على أن الاستقلال الصحفي هو متطلب جوهري لنجاح العملية".

دروس مستفادة من سياقات أخرى

عرض المركز الدولي للعدالة الانتقالية أيضاً بعض الدروس المستفادة من بلدان أخرى، حيث لعب الإعلام دوراً رئيسياً، وخصوصاً في تجربتي جنوب أفريقيا وبيرو.

ففي جنوب أفريقيا، خصصت وسائل البث الإعلامي مساحة كبيرة لعمل لجنة الحقيقة والمصالحة في جنوب أفريقيا، وأوردت سرداً معمقاً لجلسات اللجنة في بث مباشر، ووفرت للجمهور إمكانية الاطلاع على إفادات الضحايا، وتفوقت في ذلك على وسائل الإعلام المطبوعة، وحتى على التقرير النهائي للجنة الحقيقة والمصالحة.

وقال هوارد فارني، وهو مستشار برامج متقدم في المركز الدولي للعدالة الانتقالية، وعمل مستشاراً للجنة الحقيقة والمصالحة في جنوب أفريقيا، "لقد كان للإعلام دور حاسم في تمكين المشاركة الجادة للجمهور، وخصوصاً في المناطق الريفية". ومن بين الأمثلة على ذلك البرنامج التلفزيوني الأسبوعي "تقرير خاص عن لجنة الحقيقة والمصالحة: قصص وراء القصص"، والذي زود المشاهدين بسياق وتحليل للأحداث التي تحقق بشأنها لجنة الحقيقة والمصالحة.

وتحدث فيليكس راتيغوي، وهو منتسب أول في برنامج الحقيقة والذاكرة في المركز الدولي للعدالة الانتقالية، عن تأثير الإعلام على عمل لجنة الحقيقة والمصالحة البيروفية، والتي عمل فيها رئيساً لوحدة التقرير النهائي. وأوضح أنه من خلال تسييس التغطية وتأييد طرف ضد الآخر، فقد افتقرت التغطية الإعلامية للموضوعية وفشلت في تخفيف حدة الخطاب المشاكس. وقال إن هذا الأمر عمل كمحفز لمزيد من النزاعات بشأن عمل لجنة الحقيقة والمصالحة.

وأفاد فيليكس راتيغوي، "السرد الإعلامي لم يركز أبداً على التغطية الجوهرية، والذي اقتصر، للأسف، على اتهامات بالتحيّز. وقد أدى ذلك إلى مجادلات عامة عقيمة لم تؤدِ سوى إلى إعاقة العملية في بيرو".

واستعرضت كورا آندريو، وهي خبيرة في حقوق الإنسان تعمل في المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، إجراءات العدالة الانتقالية الجارية حالياً في تونس، مثل التعويضات، ولجنة الكشف عن الحقيقة، والمحاكمات العسكرية بشأن قتلى وجرحى الثورة. وتحدث أمين غالي، مدير البرامج في مركز الكواكبي للتحولات الديمقراطية، وفاخر قفصي، وهو محامي وخبير في مركز الكواكبي، وشرحا عملية صياغة قانون العدالة الانتقالية والمواد المختلفة في القانون، وأسهبا في الحديث عن التحديات والمناقشات الكامنة.

الطريق إلى الأمام

خلال الاجتماع التقديمي الذي عقد في 7 مارس/آذار جرى حوار بين السيد حافظ بن صالح، وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية، وريم القنطري من المركز الدولي للعدالة الانتقالية، وتحدثا عن أهمية النقاشات التي عقدت في تونس وسوسة. واستعرضت القنطري النقاط الرئيسية في التدريب، وأكدت على أهمية أن يقوم الصحفيون بإبلاغ الجمهور بشأن جميع مراحل العملية، وبالتالي يجب أن ترحب الحكومة بالصحفيين بوصفهم جزءاً أصيلاً من عملية العدالة الانتقالية في تونس.

وأكدت ريم القنطري على الدور المعقد الذي يؤديه الإعلام في العدالة الانتقالية، وقالت "ليس ثمة ضمانات حول الكيفية التي سيقرر فيها بعض الصحفيين طبيعة تغطيتهم للعملية. ومع ذلك، يتعين على الصحفيين أن يدركوا بأنهم أيضاً يشكلون نتائج العمليات الانتقالية. وإذ تشرع تونس في تنفيذ المبادرات التي حددها قانون العدالة الانتقالية، فإن الإعلام المستقل والمنهمك في العملية سيساعد على ضمان نجاحها في نهاية المطاف"


*الصورة: صحفيين وصحفيات من تونس خلال مشاركتهم بالدورة التدريبية "قانون العدالة الانتقالية ودور الإعلام"*